د.أمينة منصور الحطاب
[email protected]
يتصدر مفهوم التعلم الذكي إعلانات المدارس – الخاصة على الأغلب – فلا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا وسائل الاعلام بإعلانات شتى تستعترض فيها المدارس طبيعة ومميزات البرامج التعليمية التي تقدمها بالإضافة للخدمات الأخرى، ونحن كأولياء أمور يلفت انتباهنا هذا المفهوم الذي يوحي باستخدام أجهزة ذات تقنية وتكنولوجيا عالية يتعلم من خلالها الطلبة دروسهم اليومية لكن الواقع يتجاوز المفهوم العام لأغلبية الناس.
يعد التعلم الذكي نقطة التحول في عالم التدريس في ظل التغير المتنامي للتقنية الحديثة ونفوذها القوي على أبنائنا الطلبة وعلى المجتمع بشكل عام، وبحسب منظور خبراء التعليم التركيز لا يكون على التكنولوجيا فقط وإنما على هيكلة عملية التعليم بطريقة تتماشى مع العصر، وذلك بإعادة بناء المفاهيم العملية بطريقة علمية في ذهن الطلبة، ويتم هذا من خلال الربط، والتحليل بين المعلومات، وتنمية الفكر الناقد، واستخدام أدوات التكنولوجيا لبناء مهارة البحث منذ الصغر إضافة إلى تغيير الطرق التقليدية في إيصال المعلومة بإدراك أهمية العمل كفريق وخلق قادة للمستقبل، وقد يمتد ذلك إلى أدق التفاصيل إلى درجة طريقة جلوس الطلبة في الصف كمجموعات وليس أفراد.
إن استجابة المدرسة للتحديات التي فرضها عالم معرفي معلوماتي سريع التغير يتطلب منها أن تكون أكثر قدرة على التعلم الدائم من المتغيرات التي تحدث داخل وخارج أسـوارها، لأن ما نعتبره اليوم يتسم بالجودة فهو غداَ تقليديا بفعل سرعة تغير المعرفة وتجدد احتياجات وتطلعات المستفيدين (الطلبة –المعلمين – أولياء الأمور- المجتمع – أصحاب الأعمال )، لذلك فرحلة المدرسة من التقليدية إلى الحديثه رحله مستمرة، تستلزم التحسين المستمر.
إن مهمة المدرسة في عصر المعلومات تبرز في تكوين متعلمين يملكون المرونة والقدرة على التكيف مع المواقف الجديدة في ميدان المعرفة أو العمل والمهنة، ويعرفون بالتالي كيف يكتسبون معارف جديدة ومهارات جديدة في شتى ميادين النشاط، كالقدرة على التعلم مدى الحياة، والقدرة على الابتكار، واكتساب الكفاءات المحورية اللازمة للعمل في شتى المهن وعلى رأسها: اللغات الأجنبية، واسـتخدام الحاسوب، ومهارات الاتصال، والتمرس بالعلوم والرياضيات، والقيم الشخصية والوطنية.
إن التقدم المذهل في الأجهزة التقنية والألواح الرقمية وأدوات العرض ووسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر وغيرها من الأدوات التقنية، ونفوذها القوي على الطلبة وعلى المجتمع بشكل عام، يشكلان السببين الرئيسيين اللذان جعلا الأنظار تتجه إلى ما يمكن أن تقوم به هذه التقنيات من توفير تجربة تعلم جديدة غنية وثرية وجاذبة
خصوصاً في ظل تضاعف المعرفة في السنوات الأخيرة بمقدار ما كانت عليه منذ قرن من الزمان وسهولة تبادلها بغض النظر عن المكان والزمان.
ومن هنا ظهر مصطلح التعلم الذكي حيث تتم فيه الاستفادة من المميزات التي توفرها الأجهزة الذكية في تسهيل وتسيير العملية التعليمية نحو الأفضل، وهذا الجانب الأول يشكل أصل المصطلح، أما السبب الثاني فيكمن في اعتبار الذكاء كلمة مفتاحية في هذا المصطلح أيضا حيث أن الفرد المتعلم الذي يشكل المخرج التعليمي لاستخدام التقنية هو فرد ذكي، بمعنى أنه فرد متسلح بالمواصفات المطلوبة للتكيف مع عصره مثل المرونة والقدرة على التكيف مع المواقف الجديدة في ميدان المعرفة أو في ميدان العمل وغيرها... من تحديات القرن الحادي والعشرين، وبالتالي فهو متعلم ذكي ناتج عن تعليم ذكي.
إن التعلم الذكي هو ذلك التعلم الذي يستند إلى منهجية متكاملة لتوظيف التكنولوجيا المتطورة في إحداث تغيير إيجابي في منهجيات التعليم التقليدي، وخلق بيئة محفّزة لبناء مهارات الإبداع والابتكار والمشاركة الاجتماعية وتنمية الثقافة الفكرية والتواصل الفعّال بين عناصر العملية التعليمية من المعلمين والإدارة وأولياء الأمور والمجتمع والتواصل الفعال بين الطلبة أنفسهم، بما يمكّنهم من الاندماج بفعالية ضمن العالم الرقمي الذي يمثل أحد أبرز ملامح العصر الحالي.
يساعد توظيف تقنيات التعلم الذكي على تغيير الطرق التقليدية في إيصال المعلومة، وبذلك يتمكن المتعلم من استيعاب المحتوى بشكل أفضل، والوصول إلى أقصى قدر ممكن من الاحتفاظ بالمعرفة المكتسبة، عن طريق إعادة توظيفها فى البحث عن معرفة جديدة أو ابتكار حلول لمشاكل فعلية يُوجه نظره إليها أو يقوم هو شخصيا بالمبادرة في البحث عنها وابتكار طرق ووسائل حل هذه المشكلة وفي ذلك دعم للتعلم الذاتي.
كما يساعد على الخروج بالمناهج والمواد التعليمية من الأطر التقليدية والصور النمطية المألوفة للكتب المدرسية إلى المناهج الإلكترونية، والمحتوى العلمي الرقمي الذي يتيح للطلبة فرص التعلم المستمر والتعلم الجماعي والتعلم عن بعد. كما يتيح للمعلمين الولوج إلى معلومات الطالب وبياناته، وإجراء الاختبارات باستخدام باقة متكاملة من التطبيقات الذكية.
إن العوامل المطلوبة لنجاح تجربة التعلم الذكي تتلخص في: وضع الرؤية والأهداف للتغيير الذي يطمح إليه البرنامج وتحديد ماهيته، والأطراف المعنية بتنفيذها من مدراء، ومدرسين، ومناهج وتقييم وغيرها من العوامل الموضوعية الهامة التي يجب أخذها بعين الاعتبار. وتحديد السياق التنفيذي والتطويري بدءا من مراحل وآلية التنفيذ والمدة الزمنية وموضوع الاستدامة، والميزانية، والشراكات الاستراتيجية مع المؤسسات، مع التركيز بالدرجة الأولى على الأطراف المعنية التي لها دور في تحقيق أهداف البرنامج.
كما يجب أن يكون الانتقال تدريجيا مع إضافة بعد جديد في كل مرحلة، وذلك لضمان فهم واستيعاب متبادل من قبل جميع الأطراف. ومع تقدم البرنامج تتواصل عمليات تحديث جميع أدواته وعناصره، بما فيها الأجهزة والمنهجيات التعليمية والمنصات الداعمة فهو ليس مجرد تطبيق تقني بحت، إذ تقوم كل خطوة فيه على دراسة عملية واقعية نظرا لكونه جهدا مشتركا وتنسيقا بين عدة أطراف.
ومن المهم وجود رؤية واضحة لتطبيق استراتيجيات التحول الذكي بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية، لأن ثقافة التحول الذكي يجب أن لا تكون على المستوى التعليمي فقط، بل على المستوى الاجتماعي أيضاً. ولا بد أن تتم عملية التقييم بشكل صحيح من خلال التركيز بشكل رئيسي على التحديات التي تعترض تبني استراتيجيات التحول الذكي.
إن التعلم الذكي قائم على التوظيف المحكم لتكنولوجيا المعلومات لدورها الدّاعم لعملية التّعلّم، ولكن يجب أن لا ننسى أن التجهيزات الإلكترونية وسيلة تسهل وتيسّر التعلم فقط و لن تعوض عملية التعليم. وعلى الرغم من مميزات تطبيق برامج التعلم الذكي إلا أن هناك من يرى أن له من السلبيات الكثير ولعل أبرزها اختزال دور المعلم، واختزال جانب العلاقات الإنسانية داخل المدرسة.