من اكثر الهوايات المحببة انتشاراً بين كثير من الناس هي هواية جمع و الاحتفاظ بالصور الفوتوغرافية الورقية , فللصور عالمها الخاص الممزوج بالسحر والمتعة وبالآمال الجميلة , التي تحقق بعضها او لم يتحقق!!.
لذا ما تزال الصورة تشكل بالنسبة للاشخاص تذكاراً مهماً وتاريخاً مليئاً بالشوق والحنين لماض مبهج بذكريات الطفولة والشباب والمناسبات الحلوة.
والصور أثيرة للنفس ولذكري الايام والناس , ولاسترجاع مواقف الزمن الماضي ما بين الأهل والرفاق , والاماكن ايضا.. وذلك من خلال الاهتمام وجمع الصور الملتقطة بالكاميرا , والتي منها الصور الملونة والاخرى الاقدم عهداً باللونين الابيض والاسود.
واذا ما ذهبنا في رحلة استطلاع او زيارة الى ما في جعبة احدنا او احد معارفنا كالاقارب او الاصدقاء من صور قديمة يحتفظ بها في ألبوم صوره او في علبة خاصة او مغلف قديم.. فاننا سوف نعيش فضاءات مختلفة نسوح عبرها شواطىء ومناسبات وذكرى اشخاص.. نتعرف ربما اكثر على أزمان قديمة من حياة الآخرين وعلى انفسنا وشخصياتنا السابقة.
ومن المتوقع ايضا ان تأخذنا بعض الصور عند مطالعتها لتشاركنا افتتاح شهية الحوار واللهفة الى عوالم بعيدة في الزمن والعمر الغابر!!.
وخلال تلك الاجواء هناك من سوف يسترسل بالتعليق على ملابسنا وقصات شعرنا وموديلات سياراتنا , وما يوجد من تفاصيل اخرى ربما تكون صغيرة!! لكن لها اهميتها المعنوية في لحظة عمرنا واحلام ربيعنا وتلك اللحظات الراهنة القديمة.
ومن بعض الشباب هذه الايام يجدون في أنفسهم هواية جمع والاحتفاظ ببعض الصور الصغيرة مثل صور نجوم الغناء والطرب العرب والاجانب!!.
وآخرون من يهتمون بجمع صور اشهر لاعبي كرة القدم والالعاب الرياضية الاخرى المنتشرة في العالم.
و من هؤلاء ممن يقومون بقص ولصق تلك الصور او بعضها على دفاترهم وكتبهم وجدران غرفهم.. وذلك اعجابا وتقديرا بتلك الشخصيات.
وهناك من يجمع ويحتفظ بصور اخرى من نوع خاص , وهي صور السياسيين والقادة والادباء القديمة منها والحديثة بكل حرص ومتعة.
في مكتبات عمان
وفي عمان ولدى بعض المكتبات وباعة الاكشاك العديد من الصور الفوتوغرافية الملونة وغير الملونة المعروضة للبيع للهواة.. حيث تظهر فيها مواضيع متعددة من الفنون والرياضات والشخصيات والاماكن.
فأبو خالد الخواجا ما زال يحتفظ بالعشرات من الصور الملونة «البوست كارد» لمطربه المفضل فريد الاطرش.. حيث يستعرضها كل فترة ويعيش معها ذكريات افلام وأغان وحياة هذا المطرب الراحل.
لذا فان الاحتفاظ بالصور هو عبارة عن مستودع و خزانة الزمن الجميل وأرشيف العمر الماضي بالحيوية والبراءة والشباب.
التصوير في الاستديوهات
انها حالة مدهشة ومفرحة عندما كان الكثير من اهالي عمان من عائلات و شباب وشابات في ستينيات القرن الماضي يُحضرون أنفسهم جيداً بإرتداء الملابس الانيقة ليذهبون إلى ستوديوهات التصوير الفوتوغرافي في قاع المدينة بعمان مثل : ستوديو دنيا وستوديو الرينبو وجاك ولندن وسبورت و النجوم... وغيرها لإلتقاط الصور الجميلة لذكرى الايام والسنين.
و يتذكر أحد الأصدقاء رجوعاً الى بداية ستينيات القرن الماضي - حيث كان عمره 7 سنوات , تحدث قائلاً : بعد إلحاح و رجاء منَّا نحن أفراد الأسرة كي نتصور صورة عائلية جماعية للذكرى.. كانت المفاجأة أن أمي الفلاحة رفضت بشدة ان تأتي معنا للتصوير في الاستديو!! بحجة أنها مريضة أو أن التصوير عيب.. الخ.
ويذكر متأسفاً بقوله : و بعد حوالي سنتين توفيت أمي!!! بعد أن تصورنا أنا وأبي وأخي وأختي صورة جماعية رائعة في ستوديو دنيا بشارع طلال ، وللأسف لا توجد أية صورة لأمي مطلقاً لدينا!! حتى أننا نحن الأبناء قد بدأنا ننسى رويداً رويداً تفاصيل وجهها مع سنوات الغياب الطويلة!!.
لذا فان الصور هي عامل مساعد لحفظ ذكرى الأحبة والمناسبات واللحظات الحلوة ,, من خلال النظر اليها بين فترة واخرى لمن يقتني الصور الشخصية أو العائلية،أو صور الاصدقاء والمعارف، وحتى صورالاشخاص الآخرين المهمين كالفنانين والساسة والأحداث الثقافية والحضارية المختلفة.
التصوير في شارع السعادة
وقديماً كانت ستوديوهات التصوير منتشرة في شوارع قاع المدينة في عمان. ففي شارع آخر هو شارع السعادة كانت هناك مثلاً عدة محلات للتصوير الفوتوغرافي لأصحابها الاردنيين من أصل أرمني , والتي انتقلت الى أماكن أخرى فيما بعد قديماً مثل: استوديو بدروس وانتقل الى محل بجانب البريد وصار اسمه استوديو لندن , واستوديو هايك الذي انتقل الى محل بجانب سرفيس اللويبدة , واستوديو بربريان الذي انتقل الى محل بجانب مخفر المدينة بشارع فيصل - ومعظم هذه الاستوديوهات التي انتقلت الى أماكنها الجديدة قديماً لم نعد نراها منذ نحو عشر سنوات - ربما بسبب انتشار الكاميرات الرقمية الحديثة المتطورة.
ذكريات الحنين
وذات حديث للمخرج هشام غيث فقد استرسل في الشرح عن مجمل الصورباللونين الابيض والاسود تلك الصور التراثية والارشيفية التي يجمعها عن أماكن عمانية قديمة.
فقد شاهدنا مما جمعه من أقدم الصور تلك , منظراً يعود للعام(1875) لآثار المدرج الروماني , حيث يبدو المدرج مهدماً والحجارة متناثرة هنا وهناك بطريقة عشوائية, ويبدو في الصورة شخص وحيد بملابسه العربية.
وهناك صورة أخرى للمدرج وللمنطقة المحيطة به وهي صورة أحدث التقطت عام (1910) , حيث العديد من البيوت والساحات والطرقات وبعض البيوت المقابلة على سفح جبل القلعة وحي الشابسوغ , وأناس كثر يجلسون في ساحات بيوتهم وعلى أسطح المنازل البسيطة البناء وملابسهم عربية مائة بالمائة.. أي لم يكونوا قد عرفوا وقتها البنطلون أو الألبسة المدنية الحديثة.. ويبدو البعض الآخر في طريق ترابي يركبون الخيول وسيلة النقل الهامة في ذلك الزمن.
والمدرج الروماني كما هو معروف رُمم بعض الشيء في بداية القرن الماضي واكتمل ترميمه ربما في منتصف القرن الماضي.. وهو من أهم الآثار الرومانية في عمان ويقدر عمره بحوالي ألفين عام.
أما الصورة القديمة جداً والتي التقطت هي الاخرى في العام (1875) أيضاً فهي لبقايا آثار من المسجد العمري في عمان والذي بني أيام الخلافة الأموية , حيث يظهر ما بقي منه وهو عبارة عن جدار ضخم و مئذنة مستطيلة الشكل.. لكن مع قدوم الأمير عبد الله الأول بن الحسين إلى عمان أعيد بناء المسجد كلياً وبطريقة حديثة وذلك في العام (1923).
وهناك العديد من الصور القديمة جداً لآثار سبيل الحوريات قرب السيل من الواجهة الأمامية , حيث تبدو البيوت متداخلة مع الاّثار التي بناها وسكنها الشراكسة عند قدومهم إلى عمان قبل أكثر من مائة عام.
و صور أخرى للسبيل من الجهة الخلفية المحاذية لسيل عمان مع وجود قنطرة حجرية رومانية ليجتاز الناس من فوقها إلى الجهة الأخرى , في حال فاض وارتفع ماء السيل أو النهر في فصل الشتاء مثلاً.
وسبيل الحوريات عبارة عن حمام روماني ضخم البناء حيث كانت فيه نبعات الماء والنوافير وبرك الاستحمام وإقامة حفلات الزواج.
وهناك العديد كذلك من الصور لعمان القديمة , والتي التقط بعضها -من قِبل الاجانب - في أوائل القرن الماضي وحتى منتصفه تقريبا.
ومن ذلك مثلاً الصور : صور لشارع فيصل حيث جماهير من الناس في أحد الاحتفالات الوطنية, و فرسان على الخيول وبينهم الأمير السعودي سعود بن عبد العزيز أثناء زيارته لعمان في منطقة المحطة, ورجال يقومون بإعداد لحم قاعود لطبخه، والمنسف في أوعية ضخمة جداً, وسمو الأمير عبد الله الأول وهو يكلف عبد الله سراج رئيساً لوزراء الأردن, ومشهد لوسط البلد حيث تبدو منطقة شارع طلال والسيل وجبل عمان وجبل اللويبدة وقسم من جبل القلعة وسينما البتراء, ومنظر جوي لجبل عمان واللويبدة وسفح جبل الجوفة شبه الخالي من البيوت حيث تبدو بساتين كثيرة في جبل عمان وبيوت قليلة فيه, وصورة لمنطقة وسط البلد حيث يبدو السيل وجسر الحمام الحديدي الرفيع حيث كان يستخدم للمارة فقط,, وصورة لشارع الأمير محمد حيث الحركة والناس والمحلات التجارية وهي صورة التقطت عام 1958, ومنظر لمنطقة المسجد الحسيني حيث يبدو في أعلى الصورة كل من جبلي الأشرفية والجوفة خاليان من البيوت, و سموالأمير عبدالله الاول - الملك - يقف على منصة عالية وسط شارع فيصل ومن أمامه تمر قوات مسلحة بسيارات عسكرية قديمة....الخ.
من أوائل المصورين في عمان
انهم الأرمن الأردنيون الذين جاءوا إلى هذا الوطن قديماً في بدايات الحرب العالمية الاولى عام 1915 تحديداً.. حيث برعوا في عدة مجالات منها الصياغة والخياطة وأعمال الميكانيك والتصوير الفوتوغرافي.
وكان أول مصور أرمني في عمان والأردن هو « بربريان « إذ صار منذ العام 1921 المصور الخاص للأمير عبدالله الأول المؤسس, وللقصر الأميري في عمان.
و المصورمحمد أكرم الطويل في ستوديو سبورت قرب سينما بسمان تذكر موضحاً :إن أكثر المصورين الأرمن في عمان كانوا من أصدقائي الذين تعاملت معهم بكل والمحبة والإحترام.. ورجع بذاكرته للماضي ولمهنة وفن التصوير فقال : في شارع الملك فيصل كان يتواجد « ستوديو المخزن الملكي لصاحبه بيتر كتشجيان, وستوديو يعقوب بربيان المصور الخاص للملك عبدالله الاول، وستوديو فينوس.
أما قرب البريد بشارع الأمير محمد فكان يتواجد ستوديو جاك لصلبيشان، وستوديو لندن، وستوديو هايك، و في شارع الملك الحسين ستوديو برامونت المصور الخاص للملك الحسين، وستوديو سميرأميس ليعقوب تورنيان المصور الخاص للعائلة المالكة، و ستوديو هايك بربريان في شارع الرضا، والمصور يعقوب قوتشونيان في اول شارع الامير محمد، و ستوديو المصور بدروس دومانيان في شارع الرضا قرب البنك الاهلي.
ألبومات صور الزفاف
وفي بداية السبعينيات من القرن المنصرم بدأت الطبقة الشعبية من الناس في عمان تتعرف على ما يسمى بألبومات الصور التي تُوضع بها الصور, ومن فوقها ورق شفاف لحفظ الصور من التكسير والثني , وبالذات من الأولاد الصغار الذين يمسكون الصور, وربما يسيئون لها بالخربشة أو التمزيق أو الطّعوَجة!!.”.
و كان وما زال من عادة العرسان في عمان و ربما في معظم دول العالم المتقدم ومن أجل تخليد تلك الذكرى ( الزواج ) التى لن تتكرر فى حياة الإنسان سوى مرة واحدة ، ان يحرصا على إلتقاط صور خاصة لهما بمنا سبة زواجهما.. لذا كان يحرص العروسان على وجود مصور متخصص فى طوال حفل الزفاف، وقبله أحياناً وبعده في الاستوديو.
وكان وظل «ألبوم الصور» هو الوسيلة التى يتم بها تخليد الذكريات الجميلة والمميزة.. العديد من الابناء والاقارب يجلسون خلال الزيارات العائلية لمشاهدة ألبوم صور زفاف الآباء والأجداد غير الملونة ، أو حتى تلك الملونة التي تفنن بتلوينها المصور نفسه بأقلام التلاوين العادية او المائية.. وذلك حسب رغبة الزبائن الذين طلبوا منه ذلك.