خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

محمد القبانجي.. شيخ المقام العراقي

المنسي في الغناء العربي

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
إبواب - زياد عساف

في اسواق بغداد العريقة اعتاد و لفترة طويلة أن يزاول مهنة والده و اجداده التي أصبحت كنية العائلة وهي ال « قبانجي » نسبة الى القبان او الميزان، وظيفته أن يزن ويكيل المنتجات والمحاصيل بالأمانة و الدقة التي عُرِفَ بهما، الا أن « ميزاناً» من نوع مختلف سكن قلبه و احساسه، من خلاله أخذ يزن النغم والكلمة العذبة الرقيقة، ليسوقه القدر ويصبح محمد القبانجي الإسم الأبرز بين رواد الغناء و الطرب في بلاد الرافدين، إلا أن « قبان » الإعلام و الصحافة ظل مختلاً ولم ينصفه رغم كل انجازاته وأهمها احداثه ثورة على القالب التقليدي للمقام العراقي المتوارث و تطويره لهذا الفن العريق بهدف أن يصبح مألوفاً لعامة الناس في العراق و البلاد العربية.

خان الشبندر

1901 هو التاريخ الأقرب لميلاد القبانجي حسب معظم المصادر التي ترجح ذلك ، في محلة «سوق الغزل» ببغداد نشأ وتربى في أسرة متوسطة الدخل في كنف والده عبد الرزاق القبانجي بالإضافة لعمله بمهنة العائلة كان يقرأ المقام العراقي في حضرة الأهل و الأصدقاء ، من الأب تعلم محمد أصول المقام العراقي، و في خان الشبندر بالشورجة أخذ يتردد يومياً على مقهى طبيعة رواده من المطربين والموسيقيين المشاهير في بغداد أمثال رشيدالقندرجي ومحمود الخياط و سيد ولي، الا ان صلته توثقت أكثر بالفنان قدوري العيشة الذي كان يتردد هناك أيضاً، ويعتبر قدوري من أبرز قرَّاء المقام اّنذاك، وأخذ محمد يستزيد منه في مجال الشعر و الغناء سعياً منه لتحقيق رغبته في أن يصبح قارئ مقام أسوة بأساتذته الذين بدأوا يشيدون بأدائه.

ما زاد ثقته في نفسه عندماواتته الفرصة ليغني في حضرة الملا عثمان الموصللي أثناء تواجده في بغداد، يومها أشاد الموصللي بموهبته و أكد للحضور بأن محمد سيكون له شأن بفن المقام الغنائي، وشيئاً فشيئاً بدأ القبانجي يبرز في هذا المجال لدرجة انه أصبح من اوائل المطربين العراقيين، في أوسط العشرينات من القرن الماضي سجل مجموعة من المقامات بصوته في واحدة من شركات الإسطوانات، المانيا كانت وجهته بعد ذلك وسجل هناك العديد من المقامات الشهيرة والتي هي من أصول التراث العراقي، وتوالت بعد ذلك العديد من الشركات لإجراء عقود احتكار معه أمثال بيضا فون و ابو الغزال وابو القلب واوريون إلا انه رفض هذا «الاحتكار».

القاهرة 32

عند الحديث عن مسيرة و انجازات القبانجي لابد للعودة للمصادر الواردة من الباحث و المؤرخ العراقي يحيى ادريس الذي أجرى عدة لقاءات معه و دون لمحطات كثيرة في حياته ومن أبرزها ترأس القبانجي للوفد العراقي المشارك في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1932، وحاز وقتها على لقب المطرب الأول للمهرجان وأشاد به فؤاد الأول ملك مصر اّنذاك الذي كان من ضمن الحضور بالحفل، وحظي بإعجاب الجمهور الذي خالف التعليمات التي تنص على عدم التصفيق والتهليل لأي من المطربين أثناء الحفلات.

من خلال تواجده بالقاهرة اثناء المؤتمر التقى بأمير الشعراء احمد شوقي و احمد رامي، أما علاقته بالموسيقار محمد عبد الوهاب تركزت حول توظيف عبد الوهاب لمقام اللامي الذي ارتبط بإسم القبانجي في اغنية «ياللي زرعتوا البرتقال» التي غنتها رئيسة عفيفي من الحان موسيقار الأجيال بفيلم «يحيا الحب» 1938، نسب هذا المقام للقبانجي أكده البعض ونفاه اّخرون، ولهذا حكاية كما يرويها بعض الباحثين وذلك عندما وصل للقبانجي خبر كاذب وهو في المانيا يفيد بوفاة والده الذي تركه مريضاً ماجعله يلوم نفسه على فعلته هذه، وبدون ان يدري وجد نفسه وهو يقدم احدى الأغاني الشعبية بأنه قد خرج عن النغم الأصلي بمقام مختلف، يومها تم اعتبار ان هذا المقام من ابتكار القبانجي، واخرون اعتبروه من المقامات القديمة الا ان القبانجي اعاد اكتشافه وتجديده، اغاني عديدة لحنها القبانجي على مقام اللامي ومنها أغنيته الشهيرة التي تقول كلماتها:

ياللي نسيتونا يمته تذكرونا

يمتى نجي ع البال وتساعدون الحال

يمته.. يمته تذكرونا .

محمد القبانجي كان واحداً من الفنانين الذين نالوا مجموعة من الألقاب التي استحقها بجدارة و منها مطرب العراق الأول و غريد الرافدين و شيخ المقام العراقي .

حظي القبانجي بمجموعة من الأوسمة والميداليات والجوائز تكريماً لما قدمه من إسهامات في مجال الموسيقى والغناء ومنها وسام الرافدين عام 1953، وسام الكومندوز 1967، الميدالية التكريمية لرواد الفن 1976، وسام المجلس الدولي للموسيقى، وسام اليونسكو 1979، و خصصت وزارة الثقافة العراقية عام 1978 جائزة القبانجي لقرَِاء المقام العراقي الشباب، ويعتبر اول مطرب عراقي يطلق اسمه على جائزة، في واحدة من التسجيلات الموجودة على مواقع النت يوجد تسجيل للأذان بصوت القبانجي وتوافق ذلك عندما افتتح المسجد الذي بناه من امواله الخاصة وأطلق عليه اسمه: مسجد محمد القبانجي، في عام 1969 قرر اعتزال الغناء باستثناء الجلسات الخاصة التي تجمعه بالأصدقاء.

المدرسة القبانجية ..

«المدرسة القبانجية»، هذا ما بات يعرف على الساحة الغنائية في العراق نظراً للمبادئ و الأسس التي رسخها صاحب هذه المدرسة والتي أول مقوماتها خروجه عن النمط المألوف و التقليدي فيما يتعلق بالمقام العراقي الذي كان هاجساً و محركاً له لتطوير هذا الفن مع الحفاظ على هويته و أصالته، تجلى ذلك بعدم تقيده بالقصائد القديمة التي كانت تغنى بالمقامات منذ زمن بعيد، ولجأ لتوليف قصائد جديدة لم تغن من قبل، بالإضافة لقصائد من تأليفه وكان يتعمد توظيف الكلمة الجميلة المؤثرة، بالإضافة لجمال صوته الذي انعم الله عليه به, ما ساعده على الإرتقاء والتطوير لهذا الفن.

يحسب لشيخ المقام العراقي قدرته الفائقة على الإرتجال في الغناء ،والإنتقال بين المقامات الغنائية بسهولة و يسر وهذه ما لايقدر عليه سوى الفنان المبدع المتمكن، في الوقت الذي اعتاد به قراء المقام السابقين الغناء وهم جالسون على المقاعد، تمرد القبانجي على ذلك وبدأ يغني واقفاً والتعبير بالإداء الحركي واستخدام اسلوب التعبير الغنائي والتلوين والتشكيل بالصوت والأداء ما أثار حفيظة مطربي المقام التقليديين، واعتبروه بذلك يلغي خصوصية المقامات العراقية وهو يؤدي بطريقة ساذجة و هزلية ولا تخلو من الميوعة حسب وجهة نظرهم .

ومن اهم انجازاته أيضاً توظيفه للألوان الغنائية العربية مثل الموشحات و الاّهات والموال والدور المصري وتوليفها مع المقام العراقي بهدف ان يصبح المقام مألوفاً في البلاد العربية وهذا مالمسه الناس بعد هذه الخطوة، في الوقت نفسه أضاف للتخت الموسيقي البغدادي القانون والعود والناي والكمان، بعد ان كان اعتماده على السنطور و الجوزة والطبلة، لتحقيق الغاية نفسها وهي الترويج للمقام العراقي على مستوى الوطن العربي .

يعتبر غريد الرافدين واحداً من جبهة حماة الأغنية العربية الذين تطرقنا لهم في سلسلة حلقات: المنسي في الغناء العربي أمثال عبد الرحيم المسلوب و عبده الحامولي و سيد الصفتي و ابو العلا محمد و سيد درويش، يحسب لهؤلاء ان من انجازاتهم مقاومة اي محاولة لإلغاء هوية الأغنية العربية وتبعيتها للموسيقى العثمانية او الفارسية او الأجنبية عموماً، وهذا ما قام به محمد القبانجي، فقد أخذ على عاتقه تنقية المقامات و الأغاني العراقية من الكلمات الأعجمية التي فرضتها الدول المستعمرة للعراق .

يضاف لكل ما ذكر ان تلاميذ كثر كانوا خريجي المدرسة القبانجية أثروا الأغنية العراقية و العربية أمثال ناظم الغزالي الذي أعلنها صراحة في أحد اللقاءات الإذاعية التي أُجريت معه أنه تلميذ القبانجي و هذا ما أكده أيضاً قارئ المقام العراقي يوسف عمر، بالإضافة لمطربين اّخرين أمثال عبد الرحمن خضر وشاكر البنا و حسن خيوكة و شهاب الأعظمي وحامد السعدي و طه غريب و غيرهم .

قدم لي برهانك ..

تذوقه و عشقه للمقام بالإضافة لخبرته في هذا المجال أهَّلتهُ لأن يوجه النصيحه بتحديد الأوقات للإستماع لبعض المقامات ليلاً وأخرى صباحاً و غيرها ظهراً وهكذا، ولتأكيد بأنه فنان مبدع و صاحب ذوق رفيع نستعرض هنا معظم اعماله المتنوعة ما بين المقامات و الأغاني، مع التنويه بأنه كتب العديد منها بالإضافة لتلحين نسبة كبيرة ايضاً وتتضمن في الوقت نفسه مجموعة من أغاني التراث العراقي ومنها:

قدم لي برهانك ونفيلي بهتانك

يامن لك سنين تواعدني بإحسانك

قدامي تحجي زين و تحجي ورايا شين

يا أسود العينين شوية احفظ لسانك

واعمال أخرى من بينها ربيتك زغيرون، غنية يا غنية، مني اشبده، هيا بنا، عن حالتي لا تسل، الليل حرك عواطف قلبي وداني، سقانيها معتقة، لما اناخوا قبيل الصبح عيسهم، يا راهب الدير، انا في البستان وحدي، حجبوها عن الرياح، يا قامة الرشا المهفهف ميلي، ون يا قلب ون، عبودي جا من النجف، بلبل الك سهران، يا غزالاً تهاب منه الأسود، يا ساهراً في الدجى، نزلوا بربع السفح، جواد جواد مسيبي، غنى المغني، يا حلو يا بو السدارة، سود نوني هالنصارى، صاحي لو سكران، الويل ويلي، لا تظن عيني تنام، عيني حصل اشبدلك، نار بوجنتك لو نور، يا نجية كيفي، من يوم فرقاك، لبنية بنت البيت قصت شعرها، لا تصدق بالخطابة، زين الله جابك، ما ريد السفر، ليلتي ليلة جميلة، يالله يا جابر، انا في البستان وحدي راحت ليالي الهنا .

من قالك تشري شعير ..

«من قاللك تشري شعير» واحدة من أغنيات القبانجي الشهيرة والتي ارتبطت بحكاية طريفة عندما اتفق محمد مع الشاعر الغنائي عبود الكرخي ان يعملا في التجارة، واتجه الكرخي لتجارة التمر وقرر القبانجي ان يعمل في تجارة الشعير إلا انه مني بخسارة فادحة، واستغل الكرخي هذا الموقف وكتب قصيدة له مداعباً وغناها القبانجي ومن كلماتها :

من قايلك تشري شعير

تخسر ما تخسر بالقير

شعيرك خسر يا مصخم

نص قيمته ما تلزم

لو مطرب لو تاجر تصير!

تعمقه في مجال الشعر ساعده على غناء القصائد والموشحات بحرفية عالية و اقتدار ومنها يا ساهراً في الدجى، لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم، يا راهب الدير، متى يشتفي منك الفؤاد، سقانيها معتقة، ان تكن منكراً هوايا، يا غزالاً تهاب منه الأسود، ليل الأماني، رب أمر رسوله التقبيل، يا يوسف الحسن، والجدير بالذكر أنه غنى قصيدة: أضنيتني بالهجر شعر الأخطل قبل فريد الأطرش بعشرين عاماً.

صلي وسلم بالحرم ..

عرف عنه مواقفه الوطنية ومن الطبيعي ان يتوافق ذلك مع مجموعة من اغانيه الوطنية والحماسية لدرجة ان منها ما كان يدعو للتحريض و لا يخلو من الإنتقاد من هذا اللون ما عرضه للمساءلة من أغانيه في هذا المجال:

انا المغني في كل نادي.. دوماً انادي تحيا بلادي، حب و حكم، اقعد يا نايم للظهر، أرض الأبوة و الجدود و قائد الأحرار، بلد يزاحمني الغريب، هذه بغداد ام العجايب، ومن أغانيه الوطنية التي خص بها القدس بعد احتلالها عام 1967 « صلي وسلم بالحرم » حيث كان أول مطرب دخل مبنى التلفزيون العراقي ليسجل هذا العمل تعبيراً عن شعوره تجاه هذا الحدث، هذه الأغنية بثها التلفزيون الأردني في زمن الأبيض و الأسود وكان اداؤه رائعاً بقدر ما كان حزيناً لدرجة البكاء، ومن كلماتها : صلي وسلم بالحرم.. وارفع على القدس العلم.. ارض القدس للمسلمين.

المجرشة..

عند البحث في اعمال القبانجي المتوفي عام 1989 لابد من التوقف عند أغنيته: المجرشة، والتي تعتبر واحدة من أهم أغنياته الوطنية، وكتبها أيضاً عبود الكرخي وهي تتحدث عن معاناة المرأة العراقية العاملة في الريف، واستلهم الكرخي كلماتها عندما مر على منطقة قروية بالصدفة وسمع فتاة: الجرش تتمتم ببعض الكلمات التي تعبر بها عن معاناتها مع صاحب العمل المستبد، وتم ترجمتها فيما بعد للغة الفارسية و الفرنسية، وأشاد بها امير الشعراء احمد شوقي بعد ان استمع لكلماتها من القبانجي عند لقائهما في في القاهرة عام 1932، نجاح هذه الأغنية يصلنا لحظة الإستماع اليها بصوت القبانجي الرائع و كلمات عبود الكرخي ومنها:

ذبيت روحي ع الجرش

وادري الجرش يا ذيها

ساعة و اكسر المجرشة

والعن ابو راعيها

نار اللي بقلبي اسعرت

يهل المرُّة و تصطلي

ما شفت واحد ينتخي

من أهل الرحم يطفيها ! .

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF