اليوم هو عيد ميلادي , بصراحة لا أعرف كم بلغت من العمر لكن من المؤكد أن عمري تجاوز العشرين عاما..من المؤكد.
أتذكر طفولتي جيدا, فقد كانت تطلب منا المعلمة, حين نبدأ بنسخ درس اللغة العربية, أن نضع سطرا على ميمنة الصفحة ونصنع هوامش... وأنا لا أعرف, لماذا كنت أصنع هوامش واسعة جدا.... ربما خبأتها للمستقبل كي أستقر فيها..
ذات يوما سألت معلمتي , لماذا تطلبين منا أن نضع الهامش على يمين الصفحة , وأخبرتني: أنه لوضع ملاحظات بقلم الرصاص حول الدرس والواجبات...وها أنا اكتشف بعد هذا العمر أنني ملاحظة في هامش واسع...
في العالم العربي , المواطن هو مجرد ملاحظة في الميزانية..هو مجرد ملاحظة تدرج في خطط التنمية, وهو مجرد شيء بسيط لايكاد يرى بالعين المجردة.. وربما يلاحظه الرادار فقط حين تهم طائرة.. بقصف حي, وليس مهما كم قتلت المهم أن القذيفة وصلت وأعداد الموتى هي مجرد ملاحظات تدونها جهات دولية بعد عملية القصف.
ملاحظة... نحن مجرد ملاحظات, تسردها الأيام... وحين تباع ممتلكات الدولة, أو تخصخص وهي التي بنيت بالأساس من تعبنا يأخذ رفضنا على أنه ملاحظة تدون..في سجل ما يستجد من أعمال عبر جلسة هادئة مرت على مجلس النواب...
حتى العشاق لدينا , إذا قام أحدهم بالمرور من شباك الحبيبة وقد أضناه اشتياق وتوهج وريده لكثرة الوجد...يأخذ إلى المحافظ ويسجل على أوراق الشكوى ملاحظة مفادها: إزعاج الجيران..نحن الوحيدون في العالم الذين نصنف الحب على أنه إزعاج..ونختصره في ملاحظة بسيطة..يعقبها صرخة من المتصرف مفادها: اشحطوه...
اليوم هو عيد ميلادي.. ليس مهما كم بلغت, ولكني ما زلت اتذكر أني كنت أصنع هوامش في دفتر النسخ , وكانت واسعة جدا.. ودونت فيها بعض الملاحظات المتعلقة بالواجبات المنزلية..واكتشفت بعد رحيل العمر.. وبعد أن بدأ الشيب يحاصر قلبي أني كنت أصنعها للمستقبل..فهي تعبر عني: مجرد ملاحظة في هامش بسيط على دفتر.. سيفنى ويذوب فيما بعد.
كلنا كذلك ..وعاش الوطن ..
هامش
10:00 22-4-2018
آخر تعديل :
الأحد