أخر الاسبوع

سريان القشعريرة في الجسم تعمل على استعادة توازن حرارة الانسان .. لكنها قد تكون خطرة عند إصابة الأطفال!

القشعريرة... والرّعشة: لماذا وكيف تسريان في البدن؟

سلسلة تساؤلات مُدهِشة عن أجسامنا نطرحها ونُجيبُ عنها من وحي كتاب ? Why Do Men Have Nipples

لأسباب متنوعة ومتعددة، قد تنتاب جسمك بين الحين والآخر موجة قشعريرة أو نوبة ارتعاش.

لكن مهما تعددت الأسباب، يبقى المنبع واحداً في ما يتعلق بالتحكم في آلية القشعريرة والرعشة البدنية. وذلك المنبع هو مركز معين في الدماغ ينظم الاستجابات ذات الصلة ويقوم بتفعيلها فسيولوجيا من خلال الجهاز العصبي الذي يصدر أوامر محددة إلى عضلات معينة كي تنقبض وترتجف اهتزازيا لتحقيق وظيفة مؤقتة محددة.

وبين الأوامر وتنفيذها، يبرز التساؤل: لماذا وكيف تسري في أبداننا موجات القشعريرة والرعشة؟

هذا ما تسعى حلقة اليوم إلى الإجابة عنه من خلال تسليط أضواء كاشفة عنه...

أولاً: القشعريرة

قُشَعْريرة البدن هي ذلك الشعور الغامر الذي يعتري جلد الإنسان أو أجزاء منه في حالات معينة ويمنحه شعورا وكأن فقاعات متناهية الصغر تنمو على سطح الجلد وتنفجر سريعا.

والقشعريرة هي استجابة لاإرادية يتحكم فيها الجهاز العصبي السمبثاوي (الودي) المسؤول عن تنظيم مجموعة من المشاعر والاستجابات الانفعالية المتنوعة.

ومن المنظور الفسيولوجي والتشريحي، تنشأ قشعريرة البدن عندما تتشنج العضلات الصغيرة الموجودة في قاعدة كل بصيلة شعر، وهي العضلات التي تعرف علمياً باسم مُوقِفَات الشعر(arrector pili). وعند تقلص تلك العضلات، فإنها تسحب الشعيرة وتجعلها تنتصب بدرجة معينة، وتكون نتيجة هذه الآلية هي ذلك الشعور الغامر الذي ينتاب البدن.

وخلال الإحساس بالقشعريرة، تحدث تغيرات جسمية مصاحبة كارتفاع طفيف وعابر في درجة حرارة الجسم بسبب توتر العضلات والجهد الذي تبذله للقيام بعملية الانكماش أو التشنج الطفيف.

وظاهريا، يتجلى تأثير القشعريرة واضحاً على البدن من خلال أعراض ظاهرية يمكن رصدها، كانتصاب شعر الجسم عموما مع ظهور نتوء صغيرة من منبت كل شعرة. وهذا هو السبب الذي يقف وراء إطلاق الناطقين بالإنكليزية لقب «نتوءات جلد الأوزة» (Goose bumps) على القشعريرة.

المناطق الجلدية الأكثر شعورا بالقشعريرة في البدن فهي الذراعين، ويليهما الساقان، ثم الرقبة، ثم بقية أجزاء الجلد التي يكسوها الشعر، بما في ذلك فروة الرأس. أما لدى الإناث، فإن الهالة المحيطة بحلمة الثدي هي الأكثر تأثرا بالقشعريرة، ولا سيما خلال الممارسة الحميمة وخلال فترة الحمل والرضاعة.

وأحيانا تكون القشعريرة وانتصاب الشعر على نحو متكرر من الأعراض المصاحبة لبعض الحالات المرضية، كحالات الصرع الصدغي، وبعض الأورام الدماغية، ومرض فرط الانعكاسات اللاإرادي. كما أن هناك حالة جلدية تسمى «الاقتران الشعري» تتشابه أعراضها مع القشعريرة.

مسبباتها

ومن منظور عام، يمكن القول إن القشعريرة هي عبارة عن انكماش عارض يعتري جلد الإنسان بسبب نتوءات صغيرة جدا تنشأ في سطح الجلد لاإرادياً استجابة لمسببات معينة، بما في ذلك انفعالات وجدانية مفاجئة معينة: كالخوف والرهبة، والحنين، والسعادة، والرعب، والإعجاب الشديد، والشهوة الحميمة عند الاتصال الجنسي.

لكن مسببات ومستثيرات القشعريرة لا تقتصر على هذه المشاعر المذكورة آنفا، بل تتعداها لتشمل مسببات ومستثيرات أخرى متنوعة بمافي ذلك: سماع صوت صرير حاد (كصوت احتكاك جسم صلب على سطح أملس)، والاستماع إلى قصص أو موسيقى حماسية وطنية أو دينية، واسترجاع ذكرى قوية كالفوز في مسابقة رياضية مثلا.

برودة... وحرارة

فضلا عن المسببات المشار اليها آنفا، فإن التغيرات الحادة لدرجة حرارة الجو هي من أهم المسببات الخارجية لاستثارة قشعريرة البدن. فالشعور بالقشعريرة ينشأ عادة عند تعرض البدن لأجواء باردة نسبيا. وفي حالات كثيرة، تكون تلك القشعريرة هي البداية الممهدة لإصابة البدن بالارتعاش إذا ازدادت البرودة وطال أمدها.

ويكمن سر الشعور بالقشعريرة عند التعرض للبرودة في حقيقة أن البرد يتسبب في انقباض العضلات الصغيرة المرتبطة ببصيلة الشعر، وهذا الانقباض يؤدي إلى انتصاب الشعرة بالمعنى الحرفي. ويؤدي هذا أيضا إلى نشوء انتفاخ طفيف حول منبت الشعرة. وفي هذه الحالة، تكون القشعريرة هي وسيلة الجسم للحفاظ على الحرارة عن طريق انتصاب الشعر على الجلد، والتالي تقليل فقدان الحرارة.

وفي حالات أقل، قد ينتاب شعور القشعريرة بعض الأشخاص عندما يتعرضون إلى جو حار نسبيا. ويتمثل السبب الذي يقف وراء ذلك في بدء تبخر العرق بعد تجمعه على سطح الجلد، وعند تبخره يأخذ معه جزءا من حرارة الجسم، فتكون نتيجة ذلك هي شعور الجلد ببرودة الجسم وبالتالي يؤدي إلى استجابة الجسم لهذا التغير في درجة الحرارة فتظهر القشعريرة.

هل تنتاب الحيوانات؟

تعتري مشاعر وأعراض القشعريرة جميع الكائنات الثديية مثلما تنتاب الإنسان. ومن بين الأمثلة الواضحة جدا على ذلك هناك القنفذ، وحيوان النيص الذي يرفع أشواك بدنه عندما يكون مهدداً، وثعلب الماء (القندس)، فضلا عن القطط والكلاب التي ينتصب شعرها لدى مواجهة أي خطر.

وعلى غرار الإنسان، فإن قشعريرة تلك الحيوانات قد تحدث أيضا بسبب التعرض لأجواء باردة، حيث يقوم الشعر المنتصب باحتجاز طبقة من الهواء الدافئ بين الشعر لتقليل شعور الجلد بالبرودة.

وللقشعريرة دور دفاعي لدى بعض الحيوانات، إذ إن انتصاب الشعر بسبب القشعريرة يجعل جسم الحيوان يبدو أضخم من حقيقته، وهو الأمر الذي يجعل مهاجمه يخشاه ويتراجع عن محاولة افتراسه.

ثانيا: الرعشة

بشكل عام، تنشأ رعشة الجسم كنتيجة لتقلصات أو تشنجات تكرارية سريعة تنتاب العضلات كردة فعل مناعية من جانب الجسم على ارتفاع درجات الحرارة.

وفي الأحوال الطبيعية، لا تكون رعشة البدن مرضا في حد ذاتها، لكنها قد تكون أحد الأعراض الناجمة عن الإصابة بمرض أو وعكة ما، بما في ذلك الاصابة ببعض الأمراض العصبية كالشلل الارتعاشي مثلا الذي يعرف باسم مرض باركنسون. وفي الأحوال الطبيعية أيضا، تلعب رعشة البدن دورا مفيدا، إذ إنها تعمل على استعادة توازن درجات حرارة أعضاء الجسم، لكنها قد تكون خطرة عند إصابة الأطفال بها، وخصوصا بعد التعرض لضربة شمس.

آلية الرعشة... بين البرودة والأمراض

عند تعرض الجسم للبرودة الشديدة نسبيا، تبدأ آلية الرعشة البدنية في العمل تلقائيا بأوامر من مركز عصبي معين في المخ. ويكون الهدف من الارتعاش في مثل هذه الحالات هو توليد طاقة حرارية لتمكين الجسم من مقاومة تأثيرات البرودة، إذ إنه من المعروف أن الاهتزازات والارتعاشات تولد طاقة حرارية.

أما في الحالات المرضية، فإن رعشة البدن هي بمثابة مؤشر يدل غالبا على أن المسبب للمرض قد نجح فعلا في غزو دم المصاب.

تبدأ آلية رعشة البدن في الحالات المرضية عندما ترتفع درجة حرارة الجسم بسبب «مُولدات الحُمى» التي تنشأ عادة عند ما يتعرض الجسم إلى «هجمات» من جانب فيروسات أو بكتيريا أو فطريات مسببة للالتهابات، وعند ذلك تفرز غدد معينة في الجسم «أشباه الكيميائيات» التي تطلق مادة «إنترفيرون» البروتينية التي تعمل بدورها على تحريض الخلايا على مقاومة تلك الهجمات وتنشيط عمل جهاز المناعة.

وكاستجابة تلقائية إزاء الهجمات الفيروسية وما ينتج عنها من التهابات مرضية، يبدأ الجهاز المناعي بإرسال إشارات إلى المخ كي يأمر ببدء نوبة من الارتجافات في عضلات الجسم، وهي النوبة التي تتجلى في رعشة البدن مع ارتفاع في درجة حرارة الجسم وفي الوقت ذاته تبدأ أوعية الدم في الأطراف بالتقلص حتى لا تفقد الحرارة. والواقع أن ارتفاع درجة حرارة الجسم هو أمر مفيد لدعم قدرة الجسم على الشفاء من مسببات الالتهاب.

وهنالك بعض الأمراض التي تستثير رعشة الجسم، بما في ذلك نزلات البرد، والتهاب الرئتين، والأنفلونزا، والتهابات المعدة والأمعاء، والتهاب القصبات الهوائية، والأمراض المدارية، والتسمم، والالتهابات الحادة عموما، ومعظم الأمراض المعدية، وضربات الشمس.

معالجتها

وللتخلص من الرعشة الناجمة عن مرض، ينبغي ببساطة التركيز على معالجة ذلك المرض المسبب لها.

فعلى سبيل المثال، إذا كانت الرعشة مصاحبة لارتفاع في درجة حرارة الجسم، فعلى المريض في مثل هذه الحالة إبقاء جسمه دافئا كي لا يفقد الحرارة. وينصح في مثل هذه الحالات بأن يتدثر المريض بأغطية مناسبة للحفاظ على حرارة الجسم، وكذلك تناول الكثير من السوائل والمشروبات الساخنة التي تساعد على تدفئة الجسم. ففي مقابل ارتفاع بمعدل درجة مئوية واحدة في حرارة الجسم، يجب على المريض أن يشرب لترا من السوائل أكثر من معدله المعتاد، ويُفضل شرب الماء أو الشاي بدلا من السوائل الأخرى. وفي حال استمرار رعشة البدن لأكثر من 24 ساعة، فيجب على المريض مراجعة طبيب فورا لتشخيص أسباب ذلك. وغالبا ما يتم التشخيص من خلال معاينة دقيقة للجسم، إلى جانب تحليل عينات من الدم، مع فحص وأخذ صور بأشعة طبية للجسم.

رعشة الأطفا ل... وضربة الشمس

رعشة البدن الناتجة عن ضربة الشمس تنطوي على أو تنذر ببعض الخطورة على الأطفال خصوصا.

تظهر غالبا بعض الأعراض مثل احمرار بعض مناطق العنق والوجه، بالإضافة إلى ظهور آلام الرأس والعنق، وكذلك ظهور أعراض الدوخة والتعب والتقيؤ واختلال في عمل الدورة الدموية. فيما لا تظهر أعراض الحمى وارتفاع درجات الحرارة إلا متأخرة عند الأطفال بعد التعرض لضربة شمس.

وينصح الأطباء بالذهاب فورا إلى طبيب الأطفال لفحص الطفل اكلينيكيا عند ظهور هذه الأعراض.

ولتفادي إصابة الطفل تحديدا بضربة شمس، يُنصح بإلباسهم ملابس تسمح بتمرير الهواء إلى الجسم، وقبعات تغطي الرأس وتظلل الوجه والرقبة، إلى جانب استخدام دهانات «كريمات» واقية ضد أشعة الشمس، مع تجنيب الطفل التعرض المباشر لأشعة الشمس الحارة في فترة الظهيرة.

اصطكاك الأسنان... ما فائدته؟

لعلك لاحظت أن أسنانك تصطك ببعضها البعض عندما تتعرض لجو بارد، خصوصا عندما تنخفض درجة حرارة الجو إلى اقل من 9 درجات مئوية. والواقع أن اصطكاك الأسنان على نحو متكرر وسريع هو شكل من أشكال الارتعاش الذي ينجم عادة عند تعرض الجسم لبرودة شديدة نسبيا وتفوق قدرته على التحمل. فلماذا يحدث ذلك الاصطكاك؟

الإجابة ببساطة هي أن اصطكاك الأسنان هو احدى الآليات التي يقوم الجسم بتفعيلها في مواجهة تأثيرات البرودة على غرار ما تفعله آليتي القشعريرة والارتعاش. وبتعبير آخر، تكمن فائدة تلك الحركة الاصطكاكية السريعة في حقيقة أن الحركة الاحتكاكية تخلق طاقة حرارية. وبما أن الفك السفلي يحوي عضلات قوية مخصصة للمضغ علاوة على مرونة حركته بفضل وجوده بين مفصلين، فإنه يبدأ بالحركة السريعة مسبباً بذلك اصطكاكاً للأسنان. وبفضل حركة الاصطكاك، تتحرك عضلات الفك السفلي فتتدفق اليها الدماء بشكل أفضل محملة بمزيد من الطاقة الحرارية اللازمة لإبقاء الوجه دافئا ومنع تجمد الدم في عروقه.

*كاتب في صحيفة الراي العام اليومية -الكويت

إضاءات

القشعريرة في القرآن الكريم... انسجام مع الطب الحديث

على نحو يتوافق مع ما ذكرناه آنفا في تقريرنا الرئيسي، جاء ذكر القشعريرة البدنية في سياق القرآن الكريم، إذ قال الله سبحانه وتعالى في الآية 23 من سورة الزمر: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ).

وانسجاماً مع الحقائق الفسيولوجية التي ذكرناها آنفا في سياق تقريرنا الرئيسي، تشير هذه الآية الكريمة بوضوح تام إلى أن القشعريرة البدنية تحصل بشكل مباشر بسبب مشاعر الخشية التي تنشأ في قلوب نفوس المؤمنين لدى تلاوة القرآن والتفكر في آياته.

ومن المعروف أنه في القرن السابع الهجري، لم يكن علماء الطب قد اكتشفوا آنذاك أن هناك عضلة متناهية الصغر (العضلة الناصبة) تتصل بكل شعرة من شعرات الجسم وتتحكم فيها عند الضرورة، وهي عضلة لا إرادية تتقلص وتنقبض عند وجود أي سبب من مسببات القشعريرة (بما في ذلك الخشية والوجل)، فتكون نتيجة ذلك أن يقشعر الجلد بحكم كون الشعر نابتاً منه.

ولأنه من المعلوم أن العضلات الناصبة المتحكمة في الشعر تعود إلى ارتخائها سريعا فور انتهاء نوبة القشعريرة، فإن وجه التوافق بين الآية وحقائق الطب الحديث يكمن في كون الآية المذكورة تنسب القشعريرة إلى الجلد صراحة ثم تعقب ذلك بأن الجلد يلين (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ)، أي أنه يرتخي وينبسط من بعد الانكماش والانقباض الذي تسببه القشعريرة.

القشعريرة... وجلد الأوزة!

تاريخياً، اكتسبت القشعريرة لقب «نتوءات جلد الأوزّة» (Goose bumps) في عدد كبير من ثقافات الدول الغربية. وترجع تلك التسمية إلى حقيقة كون ريش الأوز ينبت من حويصلات في الجلد شبيهة بالفقاعات الصغيرة. فعندما يتم نزع ريشة من جلد الوزة، يظهر في مكان الريشة المنزوعة نتوء صغير شبيه بالنتوءات الصغيرة جدا التي تظهر على جلد الإنسان عندما تنتابه القشعريرة. ومن هنا اكتسبت نتوءات القشعريرة هذا اللقب.

لكن ليس معروفا على وجه الدقة لماذا وقع الاختيار على الأوز تحديدا في هذه التسمية، خصوصا إذا علمنا أن جميع الطيور تقريباً تظهر في جلودها تلك نتوءات عند نتف ريشها.