هي أشبه بلوحات فنية مزخرفة تلفت النظر .. فيها متعة للفرجة المجانية !! .. إنها مَشاهد من أكوام وصناديق الخضار والفواكه المعروضة في محلات وبسطات أسواق الخضار القديمة في عمان .
الكثير من الناس يجدون راحتهم النفسية وهم يتجولون للتبضع في تلك الأسواق .. إنها أوقات قليلة ولكنها مفرحة عندما يمشون في تلك الاسواق , وهم يشاهدون كل أنواع الخضروات والفواكه بألوانها الجذابة والمتعددة من أحمر بندورة , و أخضر خيار , و أبيض لفت , و أصفر موز , و بني كستناء , وبنفسجي باذنجان , وغير ذلك .
و وسط أجواء من التشتت اللذيذ عبر أصوات الباعة وهم يتنافسون على تدليل بضائعهم الطازجة و أسعار معروضاتهم .. تسير الطفلة (سمر) مع أمها في سوق الخضارالموجود بجانب سوق السكر في وسط البلد في عمان .. وهي تحمل كيساً خفيف الوزن من التفاح الاحمر كانت اول ما اشترته أمها من هذا السوق عند دخولهما قبل عشر دقائق.
أخذت سمر التي تسير بجانب أمها تدندن بأغنية او نشيد كانت قد حفظته قبل شهر من قناة تلفزيونية .. حيث أخذت تهمس قائلة :
الفواكه حلوه كتير
موز و خوخ و منجا و تين
الفواكه حلوه كتير
عنب و تفاح و بطيخ
الفواكه حلوه كتير
كيوي و مشمش و برتقال
الفواكه حلوة كتير
أناناس و جوافه و ليمون
مين زينا ... مين
فينا معادن و فيتامين
خس وطماطم وجزر
نحمي الاسنان من الخطر.
قبل خمسين سنة !
و أنا أيضا ً لا زلت أتذكر تلك الاوقات السعيدة وسط البلد في عمان .. فكل أسبوع , أو كل مرتين في الاسبوع - في ستينات القرن الماضي - عندما كنت أرافق أمي .. وكانت أمي تدللني بأن تشتري لي بعض الحاجيات التي أطلبها من السوق حيث باعة الكبدة من الملاحم , باعة الهريسة والفلافل و السمسمية ... الخ .
وبعدها بسنوات صرت أرافق أبي الى سوق الخضار- الكائن مكانه ولا زال ما بين شارع الملك طلال وشارع سقف السيل - بعد ان تقلص حجم السوق قليلاً - حيث أدركت أنني أحب الذهاب إلى الأسواق وبالذات الى سوق الخضار , وأنا صبي صغير يكبر في عمان .
فقد كان أبي يشتري الكثير من الفواكه والخضار لمدة اسبوع , ويتفق مع (حمَّال ) معه سلة بوص كبيرة يحملها على ظهره ,كي أمشي معه الى بيتنا في منطقة رأس العين , ثم أعطيه أجرته المتفق عليها في آخر المشوار عند وصوله لمنزلنا .. أما أبي فقد كان يذهب بعد ذلك لصلاة الجمعة في المسجد الحسيني القريب جدا من سوق الخضار .
حوار الخضروات والفواكه !
وهناك من جانب آخر أفراد أسرة عَمَّانية يتحاورون في البيت قبل النزول الى السوق .. ماذا نشتري اليوم ! وأية طبخة نطبخ ! و هل يحب فلان البامية وفلان آخر من نفس العائلة لا يحبها ! وما الحل هل نطبخ بامية أم لا ! هل نطبخ كوسا وباذنجان محشي !
أم فاصوليا أو لوبيا خضراء ! لا خلاف حقيقي في ذلك !! فمن لا يرغب طبخة معينة من أفراد العائلة ليس له الحق ان يُحرم الآخرين من صنعها وتناولها ! .
إذن لهذا الفرد تقدم له ربة الأسرة طعاماً آخر سريعاً مثل البطاطا المقلية وعمل صحن سلطة .. لذا لا بد من شراء مادتين أساسيتين من الخضار دائمتي التواجد في البيت وهما : البطاطا والبندورة للظروف الطارئة .
ثم لا غِنى للبيت من تواجد بعض أنواع الفواكهة : موز , تفاح , برتقال , دراق , جزر , وأخرى حسب تواجدها بالنسبة لموسم ظهورها صيفاً أم شتاءً .
أهمية الخضار والفواكهة
ومن المعروف ان الفواكه والخضار تحتوي على بعض العناصر الغذائية الأكثر حيوية لصحتنا، ولكن دراسة من جامعة جونز هوبكنز أظهرت أن 11 في المئة فقط من البالغين أكلوا الموصى به : ثلاث حصص من الخضار واثنين من حصص الفاكهة يوميا.
فماذا يمكن أن يحدث إذا كنا لا نحصل على ما يكفي من الخضار والفواكه ؟ ! .
إن تناول كمية قليلة جدا من الفواكه والخضار يمكن أن يؤدي إلى نقص المغذيات في الجسم .
وهل سمعنا عن (الاسقربوط ) وهو المرض الذي يؤثر على البحارة بسبب الرحلات البحرية الطويلة، والذي يسببه نقص فيتامين C.
وعلى الرغم أن هذا المرض غيرمألوف في أيامنا الحاضرة ، فإنه لا يزال الاسقربوط ممكن الحدوث !!! إذا لم نحصل على ما يكفي من فيتامين C، مع أعراض مثل نزيف اللثة والشعيرات الدموية.
وهناك فقر الدم وتدهور الجهاز الهضمي من نقص الفولات والاكتئاب والارتباك الناجم عن نقص فيتامين ب 6 , والعمى الليلي من نقص فيتامين (أ), والضعف العام من نقص المغنيسيوم , والنزف من نقص فيتامين K , وعدم انتظام ضربات القلب من نقص البوتاسيوم.
لذا يمكننا أن نحصل على بعض من هذه العناصر الغذائية من الأطعمة والفواكه والخضار التي تحتوي على تركيزات عالية، فهي مصادر كبيرة لذلك .
ويُقال ان الذي يأخذ كمية مناسبة من الفواكه والخضروات هو في مأمن من الأمراض. والخضروات تشكل النظام الغذائي الصحي الذي يحافظ على معدتنا لفترة طويلة .
ونتيجة لذلك، فإن لتناول الخضار فوائد صحية عظيمة , في غذائنا مثل البندورة والثوم والقرنبيط والجزر والسبانخ ...الخ .
طبخ الخضروات.
وعند طهي الخضروات يجب الحرص على تقطيعها قطعاً كبيرة، لتقليل كمية الفيتامينات المهدورة عند تعرّضها للهواء.
ثم الحرص على إبقاء أوعية الطهي محكمة الإغلاق , لعدم تسرّب الحرارة والبخار إلى الخارج , بالإضافة إلى عدم المبالغة في طهي الخضروات.
مع ملاحظة استخدام كميات قليلة من الماء عند الطهي , و الحرص على أكل بعض الخضار نيئةً وإدخالها بالسلطات, و استخدام بقايا ماء الطهي للشوربات والصلصات واليخنات.
التعامل مع الفواكه
يُفضل الحرص على أكل الفواكه الطازجة بدلاً من العصائر الطبيعية , للاستفادة من أليافها الغذائية , مع اختيار الفواكه الغنية بالبوتاسيوم، مثل الموز، والخوخ، وعصير الخوخ، والخوخ المجفف، والمشمش، وعصير البرتقال.
ويجب غسل الفواكه جيداً بالماء قبل تحضيرها أو أكلها , مع فركها باليد لإزالة الأوساخ والكائنات الدقيقة السطحية , وتجفيفها جيداً بقطعة قماش نظيفة.
والحرص على حفظ الفواكه بعيداً عن اللحوم النيئة والدواجن والمأكولات البحريّة أثناء إعدادها أو عند التسوّق أو عند تخزينها.
الشعراء و التفاح !
إن التفاح من أقدم أنواع الفاكهة التي عرفها الانسان، ويقال ان رمسيس الثاني فرعون مصر زرع أشجار التفاح في حديقته .
و يُقال ان التفاح زُرع في أوروبا وأمريكا منذ ألفي سنة، وكثرت أنواعه حتى بلغت اليوم أكثر من 6 آلاف صنف.
وقد تغنى الشعراء بالتفاح، ومما قاله جالينوس في حكمته:
لك في التفاح فكر وعجب
هو روح النفس من جوهرها
وبها شوق إليه وطرب
ومزاج القلب ينفى همه
ويجلى الحزن عنه والكرب
الرمان في حدائق بابل
و الرمان شجر مثمر و قد زُرع في حدائق بابل المعلقة في العراق ، كما ذكر في القرآن الكريم ثلاث مرات , في سياق تذكير رب العزة والجلال لعباده بنعمه عليهم في الدنيا، وفي تبشيره سبحانه لعباده المخلصين ببعض ما أعده لهم في الجنة.
وتبارى شعراء العرب في وصف الرمان، فهذا أبو الهلال العسكري يقول
حكى الرمان أول ما تبدى
حقاق زبرجد يحشون درا
فجاء الصيف يحشوه عقيقا
وتكسوه مرور القيظ تبرا.
عنب الدوالي
هو أحد أشهر أنواع الفاكهة، وورد ذكر العنب في القرآن الكريم احدى عشرة مرة في جملة النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى على عباده في الدنيا والجنة .
وقال العرب الشيء الكثير عن العنب في اللغة والنثر والشعر، ومما قاله الخليفة العباسي ابن المعتز في حبة عنب:
وحبة من عنب من الجنى متخذة
كأنها لؤلؤة
في بطنها زمردة
الصين في المشمش
والمشمش نبات قديم، فقد كان معروفا في الصين قبل ميلاد المسيح بألفي سنة وكان ينبت برياً على جبال بكين.
ودخلت زراعة المشمش أوروبا منذ الفي سنة تقريبا.. والغريب ان المشمش لم يستقبل فيها بالارتياح، إنما نظر اليه الأوروبيون نظرة خوف وحذر وأطلقوا عليه اسم الفاكهة الملعونة , وفي فرنسا استمرت هذه النظرة الى المشمش حتى القرن السابع عشر الميلادي.
أما العرب فقد عرفوا المشمش وقدروه واحتفوا بشجره وزهره وثمره , وتغنى به شعراؤهم، ومما قاله الشاعر الخليفة ابن المعتز في وصفه:
ومشمش بان منه أعجب العجب
يدعو النفوس الى اللذات والطرب
كأنه في غصون الدوح حين بدا
بنادق خرطت من خالص الذهب.
وفي الأدب الصيني القديم هناك إشارات إلى ثمر اليوسفي (الفواكه المتعلقة الجريب فروت) تحية للأباطرة.
حمضيات قديمة
ان ثمار الحمضيات ، كانت مواضيع شعبية في عالم الأدب منذ العصور القديمة. ففي الهند ، العديد من النصوص المقدسة المكتوبة بالسنسكريتية تذكر الليمون , وحتى قبل أوقات الأدب المسجل، كانت الحمضيات مركزية في العديد من أساطير اليونان القديمة , فقد تم الاحتفال بزواج زيوس في حدائق هسبريدس التي تحيط بها الفواكه الذهبية (البرتقال).
الطعام وصحتنا النفسية
الباحثون بدأوا بالنظر في العلاقة بين ما نأكل وصحتنا النفسية , وكشفت دراسة كبيرة من اسبانيا مؤخرا أن الناس الذين يعانون من نظام غذائي مرتفع في الفواكه والخضروات شهدت لديهم انخفاض معدلات الاكتئاب.
و ليس من المعروف حتى الآن بالضبط لماذا الفواكه والخضار قد يكون لها تأثير وقائي على الصحة العقلية، ولكن الباحث العلمي مور يقول : أن أوجه القصور في المواد الغذائية مثل حمض البانتوثنيك وفيتامين B6 يمكن أن يكون سبباً للاكتئاب عند أولئك الذين لا يتناولون ما يكفي من الخضار والفواكه .
ومن أجل زيادة الاستهلاك الخاص بك حتى إذا كنت لا تحب طعم فاكهة او خضار ما .. فحاول مع العصائر، او الحساء ، او إضافة الفاكهة إلى السلطة، أو في الصلصات أو البطاطا المهروسة.