حين يطرح جلالة الملك عبدالله الثاني مع الشباب الأردني مواضيع في غاية الأهميّة، ضمن محاور قويّة بمنتهى الشفافيّة؛ فإنّ في ذلك ما يؤكّد على ثقة جلالته الكبيرة بهذا الجيل والشّد على أيديهم بألا يكون صوتهم خفيضاً؛ إذ لا بدّ من النقد الواعي البناء، ولا بدّ أيضاً من المكاشفة بأهميّة أن يستجيب النائب أو المسؤول لهذا النّقد.
ففي الجلسة الحواريّة الصريحة جداً لجلالته مع طلبة كليّة الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للدراسات الدّوليّة بالجامعة الأردنيّة، كان ثمّة نداء مُلحٌّ بأننا «لا بدّ من أن نسير إلى الأمام بالنسبة للإصلاح السّياسي»، ولا بدّ أيضاً من أن «نرى تشكيلة أحزاب»، في ظلّ وجود كتل ليست على مستوى «ما نتمنّى من الأحزاب».
يدرك جلالته أهميّة «أن تمثّل الأحزاب البلد»، في غضون ثلاث سنوات مثلاً، ومعنى ذلك من منظور جلالة الملك أنّنا لا نريد أحزاباً تتقوقع في الجغرافية أو العرق أو الديانة؛ ومن هنا، فإنّ أهميّة تمثيل «البلد» هي في تمثيل كلّ القضايا الاقتصاديّة مثلاً في التعليم والصحة والضرائب، وفي أن تنطلق الأحزاب من برامج كشرط رئيس وموضوعي للنجاح، مثلما ينبغي أن تكون موضوعيةً في عددها وأن تتفهّم معنى أن تكون أحزاباً يساريّةً أو يمينيّةً: «ما معنى أن أكون يمينيّاً أو يساريّاً كحزب؟!».. هل يمكن أن تكون الأحزاب بالنسبة للدفاع يمينيّةً وأن تكون في ما يتعلّق بالتعليم والصّحة يساراً؟!.. سؤال يطرحه جلالته لحثّ الشباب على مستوى متقدّم من التفكير بعد ثلاث سنوات من الآن، إذ يقول:» أنا يميني في الدفاع ويساري في الصحة والتعليم».
من هذا الفهم يكون الانطلاق للعمل على «برنامج للوطن لا للأشخاص أو المناطق»، كما يطمح جلالة الملك حين يرى كُتلاً قليلة، يشجعها لتكون أحزاباً، نحو طموح الثلاث سنوات القادمة للانتخابات، بطرح رؤيوي واثق ومتشوّق مع شباب متعلّم يفهم مقاصد الملك: «أنتم تمثّلون الشباب، وأنتم أغلبيّة .. وأفكاركم تريحني حين أجلس معكم لأنّكم بالفعل تعرفون ما هو المطلوب!». وبشأن اللامركزية والبلديات فإنّ الهدف هو أن يقرر المواطن ماذا يريد ويحدد أولوياته وبالتالي يخف الضغط على المركز.
إنّ ثقة جلالته بالشباب وحفزه لهم ومصارحته نحو مشاركة مجتمعيّة فاعلة مثّلتها بامتياز عبارة جلالته الإنسانيّة الأبويّة الأخويّة للشباب «نحن- جيلنا- والجيل الأكبر منّا ما نزال كلاسيكيين في أفكارنا؛ فهل يمكن أن نسير خلال ثلاث سنوات بالاتجاه المطلوب؟!».. ثمّ وبالمساحة غير المنتهية لآفاق جلالته تُطرح للنقاش مواضيع مهمّة جداً كالإصلاح الإداري وضرورة حماية الطبقة الوسطى: «لا بدّ من حماية الطبقة الوسطى والفقراء»، إذ يربط جلالته بين ذلك وبين الإصلاح الاقتصادي المنشود والسريع.
«أنا أعلم مقدار تعب أهلكم عليكم في الجامعات لكي تتخرّجوا» يقول جلالته ذلك، مصارحاً بأنّه من الأفضل أن نفكّر بالتخصص جيداً، لتقليل حجم البطالة مثلاً وإفادة المجتمع وتحقيق الطموح.
يكاشف جلالته مرّة أخرى بأهميّة نقد المسؤول، والضغط على هذا المسؤول، وألا نظل نحتمي بقوى تقليدية او عشائرية او مناطقيّة كمسؤولين أو وزراء، نحو «سيادة القانون»، وإلغاء الواسطة، وهو ما لا يتأتّى إلا بالشفافيّة العالية تجاه هذه الأمور كما أكّد جلالة الملك، إذ يظلّ السؤال: «لماذا لدى فلان واسطة ليست لدي؟!»، وهو ما يتطلّب تغييراً مؤسسياً لهذا الأمر. كما يدعو الشباب إلى ضرورة تغيير الثقافة والمفهوم إزاء النظرة لكثير من القضايا إذا ما أردنا التطوير.
«لا بدّ من النوعيّة لا الكميّة»، كان منطلقاً واقعيّاً لجلالته لمواجهة التحدي، وحفز طاقة الأردني التي لا تقلّ عن نظيره الأميركي أو الغربي، كما يؤكّد جلالته، في شرحه لأهميّة الأوراق النقاشيّة نحو علاقة واضحة بين المواطن والمسؤول، وسيادة القانون.، بقوله»لا أستطيع ان أقول لوزير أو حكومة اعمل هذا ولا تعمل ذاك، فالعلاقة يجب أن تكون مباشرة بين المواطن والمسؤول».
يركّز جلالته على ضرورة ممارسة الضغط من القاعدة لإحداث الإصلاح والتغيير المطلوب، مطالباً الشباب مساعدته في ذلك، وخاطبهم قائلاً»إذا أردتم التغيير والاصلاح فارفعوا صوتكم ولا تصمتوا واضغطوا على السياسيين والنواب والمسؤولين، فعليهم أن يتعلموا منكم».
لا بدّ من دور مهم للنواب، في ظلّ ضغط المواطن على النائب، والتحدّي أمامنا في الإصلاح واللامركزيّة والبلديات، وهو ما يجعلنا بصورة النائب الذي يكون للوطن في نهاية المطاف، كما حملت رؤية جلالة الملك، خصوصاً إذا ما تمّ التفكير بتقليص عدد النواب من 130 إلى 80 نائباً، فلا بدّ للحكومات والمؤسسات والمسؤولين أن يحسّوا بضغط المواطنين والنواب، فالنائب لا بدّ ان يكون للوطن وليس لمنطقة أو جماعة معيّنة.
«نحن كأردنيين لا ندافع عن أنفسنا تاريخياً» وتلك مشكلة كبيرة، يقول جلالته منتقلاً للحديث عن الإعلام «بالنسبة لي لا سقف للحريات ولكن لا بدّ من مسؤولية.. وهناك جزء من وسائل التواصل الاجتماعي يغتال الشخصيّة لتخويف المجتمع الأردني، وأنا ضد هذا الموضوع»، وهو ما يؤكّد من منظور جلالته ألا يكون الأردني ضد الأردني، في العرق والدين، فهو خطٌّ أحمر لا يجوز الاقتراب منه.
«القدس ليست لليهود وهو ما قلته في إسطنبول» يؤكّد جلالته ذلك، مستشرفاً آفاق أن نقنع الآخر، وأن يدافع المسلم والمسيحي عن القدس، «فلا بدّ من علاقة جديدة بين العالمين الإسلامي والمسيحي؛ لأنّ القدس للجميع!». يطرح جلالته ذلك، مثلما يضعنا بصورة الضغط المستمرّ للحكومة الإسرائيلية على الكنائس يومياً، ما يدعو إلى مخاطبة العالم الأوروبي مثلاً في اتجاه الدفاع عن القدس، ويضيف:»الضغط الاقتصادي الذي يمارس علينا بسبب مواقفنا السياسية، وأحياناً تصلنا رسائل امضوا معنا في موضوع القدس، وسنخفف عنكم»...»وعندما خضنا الحروب كأصغر دولة تقابل الأسلحة والإمكانيات المتوفرة لدى إسرائيل وحتى لدول عربية شقيقة مثل سوريا والعراق.. ولا يوجد خوف لدي على التماسك الأردني حال حدث شيء يستهدف ذلك».
«العالم يحب الأردن» يقول جلالته في حديثه عن علاقتنا الخارجيّة، وبالرغم من قلّة إمكاناتنا كدولة، لكنّ العالم يعلم أننا «على الخريطة أكبر من حدودنا»، و»الأردني لا يكذب ويظلّ محافظاً على كلمته التي يقول»...فما يميّز بلدنا عن باقي الدول أنّ الأردن في حالة الضغط عليه لا يوجد من هو أقوى منه، من منظور جلالة الملك في رؤيته الواثقة حول التحديات والتاريخ والموارد.
ويدفع جلالته باتجاه التغيير داخل المؤسسات وتنظيفها وتخليصها من العناصر المعطّلة وغير المنتجة حتى يكون من يتم استبعاده وتغييره عبرةً للآخرين، ويقول» بدأنا في عام 2017 بالإصلاح داخل القوات المسلحة والمخابرات العامة وبدأنا نركّز على النوعية وليس الكمية، ذلك أن التحدي الجديد بالنسبة للوضع الأمني يستوجب أن نكون أفضل وأقوى.. هناك نقص في الإمكانيات لكنّ الإنسان الأردني لديه الطاقة ذاتها التي لدى الأميركي والغربي».
يؤمن جلالة الملك بأهميّة توسيع المفهوم الثقافي نحو الإصلاحات والذهاب قُدماً باتجاه مستقبل أفضل ينبني على العقل واستثمار الفرص كمركز لدول العالم في أوروبا ودول شرقية وأميركا وإفريقيا، أمام التحدّيات والفرص وحالات التقدّم والنجاح. يقول جلالته: «طلبت من المسؤولين أن يتابعوا ما أنجزه على صعيد فتح أبواب للاستثمار مثل الهند، وأن يبعثوا بوفود لمتابعة الأمور وإنجازها».
جلسة حميمة لجلالته حرّكت لدى شباب مثقفين الهمّة نحو البناء وتشكيل الوعي ومناقشة االمستقبل بثقة عالية «خارج الصندوق» نحو الأردن الذي نريد، معرباً عن سعادته وتفاؤله وأمله عندما يجلس مع الشباب ويحاورهم:»فأنتم تعرفون ما هو المطلوب على كلّ الأصعدة أكثر منّا». وتلك هي الرؤية الواسعة لجلالة الملك في لقاءاته المتكررة مع الشباب ومع كلّ الأردنيين.
الملك: لا خوف لدي على التماسك الأردني
02:30 31-1-2018
آخر تعديل :
الأربعاء