كتاب

أربعون عاماً في (( الرأي ))..



في مثل هذه الأيام قبل اربعين عاماً كنت أدلف الى مكتب الراحل محمود الكايد رئيس تحرير (الرأي) لأسلمه سطوراً قليلة أنعي فيها الصديق يعقوب عويس الذي رافقته في تأسيس جريدة (الشعب) والكتابة فيها، هو في زاويته اليومية (تأملات) وأنا في زاويتي الاسبوعية (ابيض وأسود) ) وذلك على مدى 17 شهراً الى أن أغلقت بقرار (عرفي)! وجاء في تلك السطور المؤرخة في 31 /12 /1977: (يا رفاق يعقوب عويس واصدقاءه ! لماذا تستغربون أن يموت أبو خالد وتخطفه يد القدر من بينكم في هذه الايام بالذات؟ ! أنسيتم ان الهموم الكبيرة تقتل القلوب الكبيرة في اخر الامر؟ وكم من ( ابي خالد ) فجّرتْ قلبَهُ همومُ امته!.

وانت يا يعقوب، يا صاحب الضحكة المجلجلة والقلم الحاد والنكتة اللاذعة، منذ عرفناك تطرب للبلاغة في خطب مكرم عبيد في القاهرة، الى ان اصبحت تسخر من الارقام الوهمية في اول دائرة للاقتصاد الوطني في الاردن اوائل الخمسينات، ثم وانت تعود لمهنتك الصحفية حين كنت احد الطيور المهاجرة في مصر، ثم وانت تشرف على الصحافة في الاردن من كرسي الوظيفة فتثور على نفسك وعلى المفارقات في حياتك!!

ثم لما اصبحتَ مسؤولا عن دائرة الاثار وكيف جعلت موظفيها يضحكون لاول مرة لانهم كانوا قبلك–على حد تفسيرك–يعتقدون أنهم في حضرة التاريخ ومقابر العظماء لا يحق لهم حتى ان يبتسموا !! فعلمتهم ان ( باب العزاء ) في اولئك العظماء قد أُغلق منذ زمان بعيد، وان استعادة تاريخهم وذكراهم الان شيء يُفرح ويُسعد واحيانا يبعث على الضحك!

وحين اصبحتَ سفيرا اطلقت ضحكتك وانت تتصور نفسك لابسا البدلة الرسمية التي يتوجب على السفراء ارتداؤها مع انك لم تهتم يوما بعقد ربطة عنقك بطريقة صحيحة!!

وبعد.. فليس مصادفةً يا رفاق يعقوب عويس أن تصيب النوبة القاتلةُ قلب أبي خالد وهو يشهد الخطر محدقا ( بعروبة) مصر ، اغلى وطن على قلبه بعد الاردن..).

وبعد أن قرأها أبو عزمي قال: لقد تابعتك في جريدة (الشعب) قبل ان تٌغلَق وانت من الآن معنا في (الرأي) ولم أغادرها حتى اليوم، وحين التقيت رئيس التحرير الحالي الاستاذ طارق المومني في مركز دراسات (الرأي) قبل عامين قلت له إنني في داركم منذ 38 عاماً قال ضاحكاً: وكمان 8 !

في العام الماضي صدر الجزء الثاني من كتابي (( بين الطب والصحافة) محتويا على مقالاتي في (الرأي) على مدى عشرين عاماً (1977 – 1997) ولقد وجدت من باب التواصل أن أقتطف مرة أخرى سطوراً من أحدها بتاريخ 27/ 4/ 1980 بعنوان ((أن يكون لك موقف) لعله يشي بصعوبة التحرك المحدود تحت سقف منخفض للتعبير في بيئة الحكم العرفي التي عادةً ما يشيع فيها النفاق وتطغى الانتهازية: ( لكل انسان في هذه الدنيا امال وطموحات يسعى لتحقيقها وهناك من الناس من يقنع بالذي يحققه ومنهم من يظل يصنع لنفسه التحديات ويتابع الكفاح في سبيل الوصول الى اهداف جديدة لا يتوقف عندها الا ليسعى الى غيرها.. وطموحات الناس تتباين وتختلف، فمنهم من يطمح لتحقيق دخل مالي افضل ويظل مسترسلا في هذا الطريق الى ان يصبح غنيا، ثم ماذا؟ تتراكم ارصدته في البنوك ويظل يلهث ليسجل ارقاما اكبر يستفيد منها البنك لا هو! ومن الناس من يعتقد ان الترقي في سلم الوظائف هو الهدف، حتى يصل الى اعلى المناصب، لا تسألوا كيف! ومن الناس من يشتهي الشهرة ولا يهمه اذا جاءت بطريقة مشروعة شريفة او ملتوية تخالف الضمير والنواميس!

قليلون هم الذين يتعظون فيدركون في الوقت المناسب معنى ان لكل شيء نهاية وان المال لن يرافق الميت الى قبره وان المنصب « لو دام لغيرك ما آل اليك « وان الشهرة العريضة سرعان ما تخبو اذا لم تستند الى زخم جاد وحقيقي.. فيتوقفون عن الجري وراء المال ويستريحون مع انفسهم في محاكمة مؤداها أن لا بد للانسان من قيم يعتمدها ومبادئ يعتنقها ويكافح من اجل تطبيقها حتى لو اضطر ان يسبح ضد التيار ويرفض ان يكون واحدا من قطيع يمشي دون ان يدري الى اين!.. والتاريخ مليء باصحاب المواقف الذين تكبدوا في سبيل مواقفهم الكثير لكنهم ظلوا في نظر الناس وامام ضمائرهم شامخين مرفوعي الراس).

وبعد.. سأختم مقالي اليوم بنفس ما ختمت به مقالي آنذاك لعله يصلح للتأمل في الوقت الحاضر:

ان يكون لك موقف في هذه الحياة او لا يكون.. تلك هي القضية!؟