أ. د. كميل موسى فرام
تجسد الأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني تصورا شاملا لاستقراء المستقبل من زاوية الواقعية، بهدف بناء الأردن النموذج، ففي كل منها الرؤية لمفصل مهم من مفاصل الدولة الحديثة بعد استعراض لحقب التاريخ باستنتاج يحدد مواطن القوة والوهن، فجلالة الملك يعمل لنا وحريص على ديمومة وطننا بشكله العصري الحضاري وسط محيط ملتهب اختلطت أوراقه وتبدلت أولوياته، فمحور الورقة النقاشية الأولى يحمل مفهوم مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة، بينما حملت الثانية مفهوم تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين والعبرة هنا تتحدث عن ذاتها لأن الديمقراطية بمفاهيمها الصحيحة هي الحاضر ودرع الأمان للمستقبل، فكانت حاضرة بمحتوى أولى الأوراق النقاشية والثانية على الترتيب، نقطة الانطلاق للمحطات التالية فكانت الورقة النقاشية الثالثة دعوة استنفار للهمم عندما ركزت على أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة، وتلتها الرابعة بمحتوى مكمل نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة لتؤسس لتعميق التحول الديمقراطي: الأهداف، والمنجزات، والأعراف السياسية، وللوصول لقواسم نجاح مشتركة بترجمة المحتوى لواقع فلا بد من ضمان على أرض الواقع والديمقراطيات الناجحة في العالم تستمد عزيمتها من كنف ورحم القانون العادل فكانت الورقة النقاشية السادسة التي تتحدث وتركز على أهمية سيادة القانون؛ أساس الدولة المدنية وتبعها توأم التميز للأمم بالورقة النقاشية السابعة عن بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية، جوهر نهضة الأمة، وهنا مربط العبرة والعظمة للشعوب التي تطمح بالتقدم على السلم البشري عندما تُمارس الديمقراطية بأصولها وأبعادها وترتكز عى بناء هرمي من القانون والتعليم؛ حكمة ولا أروع، تبعث على الفخر ورسالة لكل منا بأن دورنا الصحيح بتنفيذ المطلوب.
لقد أعاد جلالة الملك الأضواء من جديد إلى أهمية الأوراق النقاشية التي بادر بها جلالته وقدمها للشعب والدولة، وكل أصحاب القرار، فحديثه لرؤساء اللجان النيابية وانزعاجه بعدم إدراك بعض المسؤولين لدورهم من خلال مواقعهم، ذكرنا من جديد أن أوراقة النقاشية تهدف:
- إثراء النقاش بين أفراد المجتمع والدولة والأجهزة المختلفة كافة، بهدف نسج التوافق والتكامل بخارطة طريق نحو مستقبل أفضل للشعب والدولة؛ المواطن والأمة، يشارك فيها الجميع بحضن العدالة الدافئة.
- استشراق مستقبل الأردن ودول المنطقة والعرافة في العالم، والتأكيد على قدرتنا بالمنافسة على مركز متقدم في الطليعة كمحصلة للإنتماء والاخلاص لوطننا.
- البحث عن سبل الاصلاح وتطويرها خصوصا في بناء الدولة المدنية الحديثة لتحقيق التوازن بين فئات المجتمع وتقوية الروابط الاجتماعية، فالدولة الحريصة على تطوير القضاء واستقلاله، وبناء نظام تعليمي وتربوي يعتمد على محاكاة الفكر، وتوفير الظروف والبيئة الصحية، والحرص على معالجة أسباب الاثارة وعلاقة ذلك بالفقر والبطالة، كلها تُجسد حدود متينة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
- تعد الأوراق النقاشية من كنوز الحكم والنطق والوثائق الهاشمية، استمراراً للنهج الهاشمي الحريص والمتابع، وهي مرجعية الملك في التأسيس للوعي الاجتماعي والسياسي والاصلاح ومستقبل الأردن؛ الشعب والوطن.
- يرى جلالة الملك أن عالمنا يحتاج لتكاتف الجهود وتغليب لغة الحوار وتأسيس بنية النقاش بين الأجيال التي تؤسس لعدالة في سبل التعايش.
- من المهم أن تكون ادارة الدولة متحدية للظروف وغير سابتة في خندق الخوف على حلم بحدوث بركان معجزات مخلص، فما يحيط بالأردن والبلاد العربية والعالم من أزمات وتحديات يُوجب لأداء المهمة للأفراد كل ضمن موقعه بشجاعة وإخلاص، فتكون مقاصة الحرص ترجمة رؤية القائد بأيد أردنية تنقل الوطن للصفوف الأمامية بين شعوب السعادة والرخاء.
قراءة عميقة للأوراق الملكية النقاشية تجعل اليقين بضرورة توفر أساسيات البناء السياسي والتعليمي والفكري تحت مظلة العدالة الاجتماعية بأنموذج غير موجود في المنطقة، دليل استشعار لجلالة الملك أن هناك تضارب وتأخرابترجمة الرؤية الصحيحة لآسسس الواقع الذي يجب أن يشعر الفرد بتكافل توفر وسائل السلم والأمان والحياة الكريمة كمنظومة واحدة متداخلة دون فصل مفرداتها أو الاكتفاء بجزئية منها، وربما أجتهد بالتفسير للقول أن الأوراق النقاشية الملكية بأحد أبعادها رسالة تنبيه بواقع عجز أصحاب القرار وعدم قدرتهم على التطبيق والموازنة بالرغم من لغة الخطابة والمبادرة والوعود، فهي أوراق يحمل العامل المشترك فيها على منطق الرؤية والاستشراق بمفاصل البناء وتفاصيلها، فهناك واقع علينا الاعتراف به بالتراجع الاداري والتربوي والسلوكي، وتخبط في رسم الخطط المستقبلية القابلة للتطبيق بدون العبث بأبجديات أحلام الشعب، سياسات غذت في المواطن أشتال الشك والتشكيك بالقدرة على التغير للأفضل. فهناك واقع غير معلن ويناقش بصالونات السياسة والاقتصاد والتربية والتعليم والاستشمار ويصطدم بقواعد التطبيق ليسبب اضطرابات بالأداء خصوصا عندما يكون هناك تناقض بالمسار وانتصار البيروقراطية القديمة صاحبة سيف الخوف.
التحذير الذي أطلقه جلالته بعدم الاقتراب من القضاء والتربية خصوصا من فئة اجتماعية متنفذة يجب أن يطبق على أرض الواقع فورا بدون تأخير فوجود السلطة القضائية المستقلة صاحبة الولاية بحماية حقوق المواطنين يجب أن يكون محفزا للجرأة بالعمل الصحيح، وربما علينا واجب وطني بدثر مفهوم اجتماعي متوارث وخاطىء بوجود دور للواسطة والمحسوبية في تغيير مفاهيم العدالة والحقوق، ولكن الواقع الصحيح والبرهان هو عكس هذه المفاهية التي سقطت بالتقادم، ففرسان العدالة في السلطة القضائية قد نذروا أنفسهم بالمحافظة على حقوقنا، على أن أذكر وأركز على دعوة جلالته لكل مسؤول عاجز عن أداء عمله بالشكل الصحيح للاستقالة، واننا ننتظر من هذه الفئة المبادرة بالاستماع للنصيحة وتنفيذ محتواها قبل أن تحاسب بظروف الأيام القادمة، فدعوة وتأكيد جلالته للسادة النواب ان الاعتماد على الذات لن يتم الا بتعزيز عملية ترشيق الدولة واجهزتها وسعي الاردن نحو التخلص من الحمولة الزائدة في المؤسسات لدى الموظفين غير الفاعلين مع ربط ذلك بحماية الطبقة الوسطى والفقراء، ويهمني التأكيد على محتوى الرسالة واللقاء بأن الأجهزة التنفيذية في الدولة الاردنية لم تلتقط الاشارات الملكية بضرورة عكس الافكار الملكية التي تم طرحها من قبل جلالته الى برنامج عملي يساهم في تحقيق مزيد من الاصلاح الشامل والتوازن بين اركان العملية السياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وظهر بوضوح انزعاج جلالته من عدم تطبيق مثلت خريطة طريق لمفهوم الاصلاح الشامل الذي يستهدف كافة نواحي الحياة في الدولة الاردنية، فكان واقع استغلالها وتطبيقها أقل من قدر الطموح من قبل المؤسسات المختلفة، سببا كافيا للتشخيص والانزعاج بأن منظومة العمل العام تعاني ومقيدة يرافقها بالتوازي غياب المؤسسات والمسؤولين القديرين والذي يساهم في التلكؤ والتباطؤ في مسيرة الاردن الاصلاحية التي يطمح لها الاردنيون.