كتاب

خالد الغزاوي المهني الملتزم

جاءني نبأ وفاة صديقي وأخي أبي زياد قبل أيام، ولا أكتم حزناً شخصياً عليه، فلقد احسست طيلة علاقتي معه، بصدق الكلمة ووفاء الأخ حضورا وغياباً، وكنت أبادله نفس المحبة، تعود علاقتي مع أبي زياد الى فترة الستينات، عندما كنّا نسكن سوياً في القسم السابع في راغبة خاتون في الأعظمية، كان يدرس الفيزياء في السنة الرابعة وكنت في السنة الاولى-لا زال رسمه وهو يحمل منشفته على كتفيه، ونلتقي كطلاب، جاء بعد ان كان معلما ليكمل دراسته، تخرج أبو زياد وعمل في سلك التربية، كنّا نجتمع في دروس نتلقاها كمحاضرات دينية، ونبيت سوية-عمل مديراً لمديرية شؤون الموظفين في التربية، كان في ذلك الوقت يعرف تفاصيل ملفات موظفي التربية، وعرف عنه، أنه واضع أسس لكل عملية ترفيع او إعارة أو نقل على أي مستوى من المستويات، يطلب منه الوزير أيا كان رأيا-فيضع رأيه مكتوباً ضمن أسس العدالة، التي يستطيع ان يدافع بها عنه-كقرار مدروس، لا يخضع للعشوائية او المزاجية فهو يحافظ على حقوق الناس دون ان يعرفهم شخصيا، وعندما يخالف رأيه رأي الوزير يبقى ثابتاً على موقفه، ويقول للوزير هذا رأيي مكتوباً، فيتخذ الوزير قراره، وإن كان مخالفا لرأيه، يعود الوزير مرة أخرى ويتراجع عن رأيه أمام الأسس التي يضعها بميزان العدالة، دون أن يصطدم او يعاند، ولكنها الأسس والتعليمات فيطمئن الجميع الى حقوقهم دون افتئات لأحد على اخر.

لم أكن اعلم انه كان قد ترشح لمنصب مستشار ثقافي في القاهرة، وهو الموقع الذى شغلته إلا بعد ان تم تنفيذ القرار، وكتابته بخط يده الا بعد صدوره، فاتصلت معه، ودعوته الى الغداء في فندق عمون واعتذرت منه، ان لا علم لي برغبته، ولَم يؤثر ذلك على علاقتنا راجعني بخصوص معاملة لابنته وانا في التعليم العالي، فلبيت طلبه، وقال لي، لو كنت مكانك، لما اتخذت القرار، ولكنني اعلم ان ابا زياد يستحق ان يلبى طلبه، وهو الذي خدم الآلاف بشرف وأمانة، تم تكريمه في حكومة دولة الدكتور عبد السلام المجالي وزيرا للعمل، وهو يستحق ذلك، كان عضوا في مجلس التربية والتعليم، العالم بقوانين التربية والحريص عليها وأكثر من ذلك كانت اللغة العربية بالنسبة له، كقانون الفيزياء، لا يجوز ان يخطئ فيها، كنّا نلتقى بالمناسبات، وكان على رأس احدى الجاهات وافتتح كلمته بقوله تعالى (الحمد لله فاطر السموات والأرض، جاعل الملائكة رسلا أولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء) وأكمل حديثه بسلاسة وبلاغة كان يزورني في مكتبي بشكل مستمر ونلتقي ويقول لولا صعوبة الحركة لأتيت اكثر، بين الفينة والفينة، كنت ألتقيه نتذاكر ونتناصح، وعندما لا نلتقي نتهاتف لا يهم من يبدأ بالسؤال، وعندما بدأت في تشكيل حزب الوفاء الوطني اتصلت به، فلبى، واستلم كتابة نظام الحزب من أوله الى آخره، فكان من أفضل الأنظمة التي قدمت لوزارة الداخلية، ورفض ان يستلم منصبا قياديا في الحزب واكتفى ان يكون نائبا لرئيس مجلس الشورى وحضر اللقاء الاول لإشهار الحزب، وبَقى يسأل ويتابع ويطمئن، اخفى علي مرضه في أيامه الاخيرة، فهو الصابر المحتسب، أبو زياد نموذج لجيل حريص منتج، جيل مؤسس يغار على المصلحة العامة ومصلحة البلد، نفتقد بوفاته، معانٍ كثيرة، كما افتقدته معان افتقدته الاردن، وافتقده اصدقاؤه، رحم الله ابا زياد وبارك في ذريته.

وهذه هي الدنيا ومآلنا فيها، وتبقى السيرة الطيبة العطرة.