اثارت التعليمات الجديدة لتنظيم عملية منح المحاكم الشرعية اذن الزواج لمن اكمل الخامسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة تحفظ المدافعين عن حقوق الطفل والمواطنين الذين عبروا عن استيائهم من فكرة الزواج المبكر والتعليمات الجديدة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تخل خلال اليومين الماضيين من تعليقات وانتقادات اعتبرت في مجملها ان الزواج المبكر مرفوضاً فكرة وتفصيلا كونه يتناقض مع الطفولة والمرحلة العمرية التي من الطبيعي الا تخوض الفتاة فيها تجربة الزواج وتربية الاطفال.
وعكست التعليقات استياء واضحا لفكرة الزواج المبكر فالبعض علق ان حفلات الزواج ستكون في اماكن لعب الاطفال والبعض الاخر اعتبر ان السماح بالزواج المبكر يعني الحكم بالاعدام على الفتاة وحرمانها من حقها بالتعليم خاصة وان غالبية المدارس ترفض ان تمارس الفتاة حياتها التعليمية بشكل طبيعي على مقاعد الدراسة وهي متزوجة او تحمل في احشائها جنينا.
التعليمات الجديدة تبعا لمستشار قاضي القضاة المدير الاعلامي لدائرة قاضي القضاة الدكتور اشرف العمري والذي صرح امس الاول الى ( الراي) قائلا ان هذه التعليمات جاءت كغطاء تشريعي يعطي صفة الالزامية لدورات التدريب للمقبلين على الزواج والتي تهدف لرفع الوعي بعدد من القضايا الزوجية ومهارات التواصل بين الزوجين وما يتعلق باقتصاديات الاسرة والمسائل الطبية امر كان يجب ان يعالج من خلال التعليمات خاصة وان تعديل قانون الاحوال الشخصية المؤقت الذي سيتم عرضه على مجلس النواب في دورته العادية يحتاج لفترة زمنية لا يمكن معها الانتظار للمضي في مشروع التوعية والتدريب.
وبين في تصريحاته ان التعليمات التي كان معمولا فيها من عام 2011 لا تشتمل على المنظومة الجديدة من مكاتب الاصلاح والوساطة والتوفيق الاسري ومديرية شؤون القاصرين ومعهد القضاء الاسري والتي تم استحداثها بعد عام 2011.
وتبعا للاخصائيين الاجتماعيين فان الزواج المبكر يعتبر انتهاكا صارخا للطفولة خاصة وان اتفاقية حقوق الطفل اعتبرت ان من هم دون سن الثامنة عشرة اطفالا وتضمنت الاتفاقية حق النماء للاطفال وهو ما لا يحققه الزواج المبكر.
واشاروا ان تحديد فرق العمر بين المقدمين على الزواج بخمسة عشر كحد اقصى يتيح لرجل بالثلاثين من عمره ان يتزوج فتاة بعمر الخامسة عشرة اي ضعف عمرها مؤكدين على ان اتفاقية حقوق الطفل تنظر للزواج المبكر بانه يسهم في ايجاد وتعزيز ظاهرة الام الطفلة وهو ما يتنافى مع الاتفاقية وبنودها.
واعتبر الاخصائيون الاجتماعيون بان التعليمات الجديدة لم تحدد الفئات التي يسمح لها بالزواج بهذا العمر المبكر خاصة وان اي تشريع يوجب به تحديد الفئات التي تنطبق عليه وتشمله كقانون الاحداث الذي حدد الفئات التي تحتاج للحماية والرعاية معتبرين ان التعليمات تضمنت حق التعليم للفتاة فيما لم تتطرق للجوانب الصحية وتاثير الزواج المبكر على صحتها.
و كانت الامم المتحدة قد حذرت من المخاطر المترتبة على زواج الصغيرات وحملهن قبل سن 18 واعتبرته بمثابة اعدام لهن من خلال تقرير الامم المتحدة حول حالة سكان العالم عام 2013 الذي اصدره صندوق الامم المتحدة للسكان تحت عنوان امومة في عمر الطفولة مواجهة تحدي حمل المراهقات مؤخرا والذي اظهر ان نسبة زواج القاصرات خلال عام 2012 بلغت 13%.
وطالب التقرير الاممي بوضع التشريعات التي تمنع الزواج تحت سن 18 عاما لتلافي الاخطار الصحية والجسيمة على صحة الفتاة.
وتبعا لخبراء في مجال الطفولة المبكرة فان التعليمات الجديدة ستلاقي قبولا من بعض الفئات مثل الاجئين السوريين وبعض الاسر في القرى التي لا تزال تؤمن بالزواج المبكر معتبرين ان وجود كاللاجئين السوريين على الاراضي الاردنية يجب الا يكون دافعا للسماح بالزواج المبكر الذي تنتج عنه اثار صحية واجتماعية خطيرة.
واشاروا ان التعليمات اشترطت افهام المخطوبة لحقها في اشتراط اي شرط يحقق لها المصلحة متناسين ان الفتاة بهذا العمر لا تعي حقوقها كاملة وان اسرتها وولي امرها من يتحكم بزواجها ووضع الشروط التي عادة ما تنصب بالجانب المادي البحت والذي لا يحقق اي مصلحة للفتاة كاستكمال تعليمها.
كما طالبوا باهمية وجود قانون اجرائي لحماية الطفل متسائلين كيف يمكن اعتبار من لم يكمل الثامنة عشرة غير مسموح له بالقانون الادلاء بصوته الانتخابي في حين يسمح له بالزواج وهو القرار الاخطر والاكثر تعيقدا لحياته.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي والخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة قال ان الزواج المبكر يعتبر انتهاكا للمبادئ الاساسية للصحة الانجابية والمتمثل بتوفر العلاقة الجنسية المتكافئة بين الزوجين والقدرة الجسدية على الحمل الطبيعي والولادة الطبيعية والقدرة على اتخاذ القرار بتحمل مسؤولية رعاية الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية.
واضاف ان منظمة الصحة العالمية عرفت « الصحة « بانها اكتمال المعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية وليس مجرد انتفاء المرض وذلك يعني ان زواج الطفلة او اليافعة لا يتصف باي حال من الاحوال بالمعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية ولا يحقق مبادئ الصحة الانجابية الاساسية.
واكد جهشان ان الزواج المبكر يشكل انتهاكا صارخا للقيم الانسانية لها علاقة بالطبيعة البشرية وهي القرار الناضج بحياة زوجية والوعي بالانجاب والذي من المستحيل توفره لدى الطفلة.
واشار ان الفتيات اللواتي يتزوجن بعمر مبكر لا يكن قادرات على استخدام وسائل تنظيم الاسرة بسبب عدم معرفتهن بها او بسبب ارغامهن على الحمل القسري خاصة وان الزواج المبكر مرتبط بظروف اجتماعية تتصف بالجهل وغياب التعليم والفقر والانعزال الاجتماعي مشيرا الى ان العواقب الاجتماعية للزواج المبكر كبيرة تشتمل على القضاء على فرصهن بالتعليم والعزلة الاجتماعية للفتاة واحتمالية حدوث الطلاق الفوري الذي يرتبط بتعرض الفتاة لمخاطر التشرد وتعرضها للاستغلال الجنسي.
واشار الى اهمية ايجاد برامج موجهة في المجال التشريعي تضمن ان نصوص القانون والانظمة والتعليمات النافذة تحدد الحد الادنى لعمر الزواج بحيث لا يقل عن 18 عاما وتمنع زواج الاطفال بشكل قطعي ودون استثناء الذي قد يستغل سلبا للسماح بالزواج المبكر.
اضافة الى اهمية ايجاد برامج اجتماعية موجهة للمراهقات والفتيات تعمل كوقاية لهن وتسهم في بناء الثقة بالنفس وتحسين مهارات التواصل والمعرفة والصحة والقدرة بالمطالبة بحقوقهن وخاصة بحقهن الشرعي القانوني بقبول او رفض الزواج معتبرا ان غالبية الازواج المبكرة تتم بتحكم من اسرة الفتاة واجبارها على الزواج والتظاهر بالرضا.
وكشفت اخصائية نسائية وتوليد الدكتورة وفاء محسن بنتائج الزواج المبكر على الفتيات المتمثلة بالاعباء الجسدية الكبيرة عليهن وعدم تحمل اجسادهن للزواج والحمل خاصة اذا حدث الزواج في عمر الخامسة عشرة وقبل الثامنة عشرة.
واشارت محسن الى ان هناك فتيات يتعرضن لمخاطر كبيرة اثناء الحمل والولادة تهدد حياتهن بشكل كبير فالفتاة بهذا العمر ليست مؤهلة للزواج والحمل نظرا لانها تمر في مرحلة النضج الجسدي وهناك فتيات يتأخرن بالبلوغ لعمر الخامسة عشرة وهي المرحلة التي تحتاج الفتاة بها لتقبل مرحلة البلوغ والتعامل معه
واضافت يحتاج الحمل السليم الى صحة الام السليمة والتي لا تتناسب مع عمر الفتاة الصغير فالفتاة قبل عمر الثامنة عشرة هي بمرحلة النضوج واعضاؤها تكون غير مكتملة وغير مؤهلة للحمل مما يضاعف خطورة الحمل عليها الى جانب امكانية تاثر الجنين بشكل كبير وولادة اطفال يعانون من مشاكل صحية كبيرة.
وحذرت محسن من جهل الاسر واقدامها على تزويج بناتها خاصة في المجتمعات المنغلقة على ذاتها والتي لا تزال ترى بتزويج الفتاة بعمر مبكر الحل الامثل لحمايتها متجاهلين كل ما يمكن ان يلحق بها من اضرار صحية خطيرة.
واشارت الى ان هناك حالات عديدة لفتيات تزوجن بعمر مبكر يراجعن العيادات النسائية والمراكز الصحية يعانين من متاعب كبيرة من الحمل وينهين فترة الحمل قبل أوانها بحيث يولد الطفل قبل انقضاء تسعة شهور مما يعرضه هو ايضا للخطر لعدم اكتمال اعضائه وحاجته للرعاية الكبيرة التي لا توفرها اسرة الطفل لارتفاع تكاليفها المادية.
وان كانت مقاعد الدراسة تنتظر ان تملاء بالفتيات اللواتي من اولويات حقوقهن التعليم والتوعية لا ان يحل مكانهن فتيات متزوجات يحملن اطفالا غير قادرات على رعاية اطفالهن فان الزواج المبكر لا يحتمل استثناءات مهما كانت اسبابها.
ليبقى السؤال المطروح ان كانت الفتاة بعمر الخامسة عشرة لا يحق لها الانتخاب وتعد طفلة في الاتفاقيات الدولية والمعايير الدولية والاجتماعية والصحية فكيف نزج بها الى حياة تخلو من ادنى حقوقها ونحملها اعباء صحية ونفسية واجتماعية اكبر من طاقتها تحت مسمى الاستثناءات التي في كثير من الاحيان وامام حالات عديدة تحولت الى سلوك من قبل اسر كثيرة تاخذ بالسماح لتزويح الفتاة بهذا العمر غطاء قانونيا لا يحاسبون على الاقدام عليه.
