كتاب

مؤسسة التسول ..

في رمضان وحين تغادر المسجد , متأخرا عن الجميع بحكم الكسل والصيام ..غالبا ما يداهمك (متسول ) مدججا بعبارات وأدعية تخرجك عن طورك أحيانا ...

يبدو أنه جاء متأخرا قليلا , وكنت الضحية الأولى التي يشاهدها ...سلم علي مباشرة , وأخرج ورقة , وأخبرني أن ابنته مصابة بالسرطان ...ورشقني بوابل من الأدعية , أقسمت له قائلا :- (والله ما معي فكة) ...ووضعت يدي في جيبي , كي أتملص منه ..لكنه قال لي :- (بفكلك) ...

ضحكت وأخرجت ورقة من فئة (العشرين) ,وكانت هي الوحيدة معي وقلت له :- (خذ ليرة بس) ..وفعلا جلس وأخرج من جيبه رزمة من الأوراق النقدية ثم سألني :- (بدك ليرات؟) ...وأكمل العد , وبعد ذلك رجاني بأن أجعل المبلغ (ليرتين) ...وتجادلنا واتفقنا على دينار ونصف .

في الأردن المتسول في جيبه ما يقارب ( 100) دينار, والمواطن معه فقط (20) دينارا , وعليك أن تدفع له ..أمام هذا الكم الهائل من الأدعية ..وحتى لو حاولت التملص فسيرافقك حتى السيارة .

سألته حين شاهدت هذا الكم الهائل من القطع المعدنية والأوراق النقدية :- (هاي غلة اليوم ؟) ...قال لي :- الله ايكثر أولاد الحلال .

في كل دول العالم , المتسول هو المحتاج والمواطن الأصل أن يكون مكتفيا إلا لدينا , فقد شعرت أمس بأني أنا المتسول وهو المواطن .

ومضيت وهو مضى , وفكرت في الأمر ..واكتشفت أن التسول أصبح مؤسسة مهمة , خصوصا في رمضان ...فمن الممكن أن تذهب لأي واحد منهم وتطلب (فكة) ومن الممكن أن تستدين ...وأنا في لحظة إعادة المبلغ لي سألته بدافع المزح :- (اتديني خمسين دينار ) ..قال لي :- (إبشر ع حسابك والله عحسابك) ...

يبدو أن هنالك قاعدة إجتماعية خاطئة في الأردن وهي :- حين تزداد معدلات التسول يزداد الفقر , الأصل يزداد الثراء وليس الفقر ...فهو يجني مئة دينار من التسول في اليوم الواحد ...ونحن نجني الخيبة و (القشل) ...

حماك الله يا بلادي