الطلاق الصامت، الطلاق العاطفي، البخل العاطفي، ركود وملل يغلفان الحياة العاطفية بين الزوجين، الصمت الطويل بين الزوجين، روتين الحياة ، والأقوال والأفعال بعيدة عن مشاعر المودة والحب.
يرى مختصون أن الكثير من الأزواج يعانون الجفاف العاطفي، وهو «نوع من الملل والركود بالمشاعر والأحاسيس بين الزوجين».
وحدة
زوج «مرام»، وهي ربة بيت وأم لثلاثة أطفال، مشغول بالعمل والسهر مع أصدقائه، وأغلب وقته يقضيه مع أهله، وهي تشعر دائما بالوحدة.
وهذا، بقناعتها، يتنافى مع «أنوثة المرأة» التي يجب أن تثير الرجل دون أن تنوه له، وطبع المرأة تحب الغزل والكلام الجميل والرومانسية وتحب أن تسمع هذا الكلام من فترة لأخرى..
لكن، «للأسف، حياتي روتين قاتل لامشاعر.. علاقة صامتة.. لاجديد.. مشاعر جافة، وأشغل نفسي بأولادي وأنسى بأن لي شريكا».
الطلاق أفضل
لميس (الموظفة وأم لولدين)، تقول إنها تحاول إرضاء زوجها بشتى الطرق، لكنه للأسف «لا احساس لديه»..
وهي تصفه بـ»العملي والجاد.. ولم أسمع طيلة السنوات العشر كلمة بحبك أو الله يعطيك العافية، حياته عمله فقط»..
لذلك، الحوار «منعدم بيننا، وكل المسؤوليه أنا أتحملها: المنزل والأولاد، والسهر لوحدي». وعزاؤها الوحيد «عملي.. أتسلى وأضحك وأتحدث، أفرغ الطاقة الداخلية عندي».
فهي لولا أطفالها «لكان الطلاق أرحم من هذا الزواج الجاف الخالي من المشاعر والألفة (...) زوج غائب حاضر» على حد قولها.
خمس عجاف
«ملاك» (أم لأربعة أولاد)، تزوجت «عن حب» منذ 15 عاما، كانت العشر الأولى «كلها حب ورومانسية وزيارات وسهر وأحاديث لآخر الليل».
لكن آخر خمس سنين «صرنا غرباء لا حوار يجمعنا.. صمت قاتل؛ يقوم بواجباته فقط من مأكل ومشرب ومسؤولية الأولاد، وإذا تحدث معي.. فقط عن الأولاد وأوضاعهم، ودائما خارج البيت ويعود متأخرا، ويوم العطلة لا أسمع صوته أبدا ولا نتحادث».
برود المشاعر
لا يختلف الحال عند «أبو محمد»، (عنده ولدان)، الذي لا يستطيع التحدث مع زوجته أو يمازحها فهي «جدية إلى حد كبير وعصبية دائما وكثيرة التأفف وباردة الاحساس وتجلس لوحدها». وعندما يناقشها في هذا الوضع ترد: «هذا طبعي».
وهو يشعر بالغيرة عندما يرى معاملة زوجات اخوته أو أقاربه بحنان ومرح، ويخطر له دائما أن يتزوج.. «أريد أن أعيش حياتي.. أهدرت 20 عاما، ودائما بين عينيَّ ولديّ».
أهملت نفسها
مؤيد (ولديه ثلاثة اولاد) يحمّل الزوجة مسؤولية الجفاف العاطفي، «بعد الزواج والانجاب يصبح همها الوحيد أولادها والبيت وتنسى زوجها وتهمل نفسها وزينتها، ودائما تشكو التعب، مشاكل الأولاد، هموم البيت..».
فيصبح الزوج «لاوجود له ولا حياة زوجية ولا كلام جميل ولا سهر، وتتحول الحياة روتينا قاتلا والمشاعر تجف، وأنسى أن هنالك امرأة بحياتي، أي طلاق غير معلن، كل يعيش لوحده ببيت واحد..».
أسباب الجفاف
الطبيب النفسي محمد أبو شوك يرى أن المشكلة «مرهونة بالزوجين» فالحياة، حد وصفه، «طائر يطير بجناحين هما الزوج والزوجة، ولا يستطيع الطير أن يطير بجناح واحد».
ويعتقد أن تأثير هذه المشكلة على المرأة أكثر.. «لأنها تفكر بعواطفها أكثر، ولأنها كتلة من المشاعر، ويزداد الأمر سوءا إكثر إذا كانت لا تخرج من البيت وليس لها نشاطات خارجية فهنا يتفاقم الموضوع».
ويعدد أبو شوك أسباب الجفاف العاطفي، وأبرزها: التفكير كثيرا في أمور الحياة اليومية ومشاكلها وإعطائها حجما أكبر فتصبح الشغل الشاغل لهم في البيت وغرفة النوم.. ما يجعل الحديث بينهما نادرا، وتجنبه لعدم اثارة هذه المواضيع بسبب الملل منها فيتسيد الصمت مطولا لساعات.
وقد يصل الأمر لـ»الطلاق الصامت.. فالطلاق هو الانفصال الكلي، ولكن بالطلاق الصامت انفصال بالمشاعر والاحاسيس وحتى تصل للفراش مما يؤدي طبعا للطلاق الكلي أو الجفاء الذي قد يؤدي إلى الخيانة الزوجية.
ومنها أيضا أن الرجال «يريدون زوجاتهم جاهزات دائما مثل الفنانات والمشاهير أو على أقل تقدير مثل إحدى الموظفات لديه في العمل». بينما تريد المرأة رجلا «لا يغضب، كريما ومعطاءٍ، مستمعا ممتازا، مثل زميلها معها في العمل».
لكن، والحديث لأبو شوك، الحياة ليست ساعات فقط في العمل أو ظهور في لقاء، بل هي أكبر من ذلك بكثير.
والروتين القاتل في الحياة الزوجية، برأيه، سبب مهم، لذا، يحض على كسر الروتين، بالمبادرة إلى التغيير ولو قليلا وألا ينتظر أحدهما أن يبدأ الآخر، إذ أن «مشكلتنا بالتغيير أننا نريد الأمور كن فيكون، أو ذا تكلفة كبيرة».
ويلفت إلى أن التغيير البسيط له وقع كبير.. مثل الغداء خارج البيت في حديقة أو مطعم... التغيير في الاهتمام باللبس من المرأة وعدم لقاء زوجها بلباس البيت العادي.
وعليه، برأيه، أن من التغيير مفاجأة الرجل لزوجته «برسالة بسيطة أو كلمة يكتبها واضحة تعبر عن مشاعره أو هدية ولو رمزية ولا نرهق أنفسنا بالتكلفة المادية».
وينصح الرجل أن تكون الهدية مفاجئة وغير متوقعة «فانها ستثري العلاقة لفترة لا بأس بها وهكذا..».
وهنا يلفت ابو شوك إلى أن من الأسباب هو جعل فراش الزوجية وغرفة النوم مكانا للحديث في المشاكل اليومية (اقتصادية، عائلية، العمل...) ما يزعزع فكرة فراش الزوجية ويربطه ذهنيا بالمشاكل.
وعليه، وهذا موجود في علم البرمجة اللغوية العصبية، ينصح هنا ألا يتحدث الأزواج داخل غرف النوم بالمشاكل، وجعلها فقط للنوم وللمعاشرة الزوجية لعدم زعزعة فكرتها وتشويهها.
وللتأكيد.. كلما كانت العلاقة العاطفية بين الزوجين نشطة ومطبقة بطريقة صحيحة تجفف مشكلة الجفاف العاطفي.
ويتسبب تدخل كلا الزوجين في عمل الآخر، وخصوصا الزوجة، بالجفاف، ما يجعل الزوج يتجنب الكلام حتى لا يثار موضوع يكرهه قد يكون هارباً منه في العمل.
ويحض أبو شوك على اهتمام الزوجين بالنظافة الشخصية، وايضا اثراء الثقافة لايجاد شيء ما يتحدثان عنه للحرص على التقرب دائما من بعض.
وينبه إلى «النفاق الاجتماعي» على مواقع التواصل الاجتماعي الذي نراه بين الأزواج والاصدقاء على هذه المواقع مما يشعل الغيرة وبدء المقارنة دون الرجوع لظروف كل عائلة.
وغير ذلك من الانفتاح الالكتروني بين الرجل والمرأة.. والاسهاب في طرح مشاكلنا وبرود أزواجنا أو زوجاتنا، فتأتي الحلول عادة من طرف آخر مغلفة بنصيحة ولكنها مطعمة بالسم الذي يفتك بأساس هذا البيت.
النسبة لسنوات الزواج الطويلة ليست سببا ولا نقنع انفسنا بهذا السبب أبداً ولكن الروتين وعدم التجديد كما قال الخبير الكندي في التنمية الذاتية روبين شارما «من لم يتجدد يتجمد والجمود هو الموت».
فالأصل هنا «التجديد»، وكثيرون يعيشون طويلا معا ومشاعرهم متقدة دائما وإن كان الزواج تقليديا أو نابعا من حب يأتي هنا دورالشريكين في ادارة العلاقة بينهما.
البخل العاطفي
أهم أعراض الجفاف العاطفي هو الصمت الطويل بين الزوجين، والروتين الحياتي، والأقوال والأفعال الخالية من مشاعر المودة والحب المفترض أن تكون بين الزوجين، والتهاء الزوج بالسهر مع أصحابه أو تمضية أغلب وقته خارج المنزل.
وهذا ما تسميه أستاذة علم الاجتماع بجامعة العقبة للتكنولوجيا الدكتورة فاطمة العقاربة بمصطلح «البخل العاطفي»، مما يوسع دائرة الجفاف بين الزوجين وتتولد المشاكل غير المباشرة نتيجة للشعور بالنقص العاطفي من قبل الزوجة أو حتى الزوج.
وإلى انتشار «البخل العاطفي» هناك أسباب يعاني منها الرجل، خصوصا عندما يتقاعد من العمل، فيتولد لديه شعور بالنفور النفسي بأنه بات عالة، فيمضي وقته لتفريغ ما لديه من طاقة إما بمواقع «التواصل الاجتماعي» أو متابعة «المسلسلات العاطفية» المنتشرة بالقنوات العربية والاجنبية كالتركية والهندية.
وتوضح العقاربة أن تنشئة الزوج والزوجة لها دور أساس بحل مشكلة اجتماعية وعاطفية، «فالزوج الذي تربى في بيئة جافة عاطفيا يصعب عليه أن يوصل العاطفة والحنان لزوجته، لأنه نشأ على صورة «الأب القاسي» والأم التي تأمر وتنهى فقط، فلا مجال للحب والعواطف في هذا الأسلوب من التربية، وكذلك الأمر عند الزوجة.
وتؤكد أن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيرا بهذا الجفاف؛ فطريقة استغلالها من بعضهم تجعله انسانا مسخرا لهذه المواقع ومتعلقا بها نتيجة تورطه بعلاقات لملء الفراغ العاطفي.
هذا التورط يعطيه من الوقت ما يرتد عليه سلبا من سلوكات وتصرفات تتعدى حدود الأخلاق والأدب واحترام قدسية الحياة الزوجية التي كسر زجاجها المتين بالهروب من نفسية الانسان المتقاعد المتهم بالعجز الى الانسان المتفهم الراقي بتعامله مع الآخرين نتيجة عدم وجود من يعامله باحتواء ومحبة في بيئته المنزلية والاجتماعية.
وتبين العقاربة أن الجفاف العاطفي مسؤولية مشتركة بين الزوجين، وعلاجه أيضاً لا يتم إلا باتفاقهما على إعادة بناء ما تحطم بينهما من أواصر المودة والرحمة، وهو ليس مستحيلا، بل يمكن تحقيقه بالقليل من العزيمة والصبر، والكثير من المصارحة وحسن المعاشرة.
عدم تفهم الاحتياجات
المستشار الأسري والتربوي خليل الزيود يؤكد أهمية توفير مشاعر وعواطف متمثلة بسلوكات مثل الكلمات اللطيفة أثناء المخاطبة؛ كقول الزوج لزوجه: «حبيبتي.. حبيبي، أو غاليتي.. روحي» أو مثل هذه الكلمات التي تبث الدفء بين الزوجين، أو مسك يدها أثناء ركوبهما في السيارة.
ويحذر الزيود من أثر «برود العلاقة الجنسية وعدم معرفة الزوجين لطبيعة وحاجة كل طرف للمشاعر وأهمية المفردات والملاطفة وعدم البوح بالمشاعر وكتمانها وانتظار الطرف الآخر أن يبادر بها أو يطلبها».
وقد يصل سلبياته، والحديث للزيود، الى «الطلاق العاطفي»، وهو في حقيقته «البرود العاطفي» وهو أكثر خطورة من الطلاق الفعلي ويمكن أن يذهب بالعائلة الى انحرافات كثيرة وعلى رأسها أن تتحول العلاقة بين الزوجين الى علاقة أخوة.
ويؤكد الزيود أن «كلا الزوجين مسؤول لأنهما متضرران بالمحصلة».
ولا يستبعد أثر البيئة بالجفاف العاطفي، مثل الإقامة عند أهلها أو أهله وعدم القدرة أن يكون لهما مساحة خاصة لتبادل العواطف.
ويشير إلى خطورة أثر الوضع الاقتصادي، لأن الظرف المالي الصعب يجعل الزوجين يفكران في البحث عن كيفية تلبية حاجات البيت الاساسية وينسيان نفسيهما.
وينكر الزيود ان يكون طول فترة الزواج سببا للجفاف، فإن كان الزوجان مدركين لأهمية تجديد العلاقة بينهما من خلال الرحلة أو السفر أو ترتيب جلسة خاصة لهما يفضيان فيها الى بعضهما بالهموم والحب والمشاعر. وهو لا يقصر الأمر على العلاقة الجنسية فقط، رغم أهميتها، «فالكلام واللمس مهمان في بيان أن العلاقة العاطفية صحيّة».
وينصح الزيود بأن يثري الزوجان حياتهما العاطفية، بشراء ملابس جديدة معا من فترة لأخرى، وتبادل الكلام اللطيف أو النكت الرومانسية مباشرة أو عبر وسائل التواصل بشكل خاص.
ويوصي بمراجعة المختصين للوقوف على أسباب هذا البرود العاطفي.
ويشدد على أن الأمر «ليس ترفاً ولا بسيطا ولا يُحل مع الأيام، بل هو أمر أساسي، فالزوجان اللذان يشعران أن هنالك مشكلة يجب مواجهتها وحلّها.
عمان - جوان الكردي
مواضيع ذات صلة