لن تُؤثِر كثيرا المقاطعة التي اعلنها ممثلو ما يسمى الجيش السوري الحر لاجتماعات استانا 3 التي تبدأ اليوم في العاصمة الكازاخية وتستمر ليومين، وبخاصة ان جدول اعمال هذه الجولة, يستهدف تحديد إحداثيات مواقع داعش والنُصرة التي حملت اسما جديدا اراد معسكر الداعمين والممولين لها في المنطقة, منهم بعض العرب وخصوصا تركيا, «تهريبها» وعدم إدراجها في خانة المنظمات الارهابية، لكن اللعبة لم تنطلِ على أحد, وباتت «هيئة تحرير الشام» الاسم المرادف للنصرة كذراع سورية لتنظيم القاعدة, في تلك القائمة السوداء التي لم تنفع كل محاولات تبييضها وإضفاء صفة الثوار على إرهابييها، تماما كما هي حال داعش الذي استولدته غرف العمليات السوداء واجهزة الاستخبارات الدولية والاقليمية، وعندما ادّى «قِسطه للعلى» ها هو يشهد آخر مراحله «العلنِية» بسقوط شعاره المعروف الذي ظن كثيرون ان التنظيم قادر على ادامته وهو: «باقية.. وتتمدد» فاذا به يصبح «زائِلة وتتبدّد» ولن يكون مصير النصرة/الهيئة مختلفاً, وهي التي تبنّت المسؤولية عن تفجيري باب مُصلّى بدمشق, الذي اودى بحياة 73 ضحية اضافة الى عشرات المصابين.
تذرُّع معارضة الفصائل المُسلحة بعدم احترام»النظام وروسيا» وقف اطلاق النار، و»اشتراطها» الحضور, بموافقة دمشق والضامن الروسي على تأجيل انعقاد الاجتماعات التي تبدأ اليوم، لم تُشكِّل حدثا لافتا او استدعت جهودا من اجل الضغط على ممثلي هذه التنظيمات لدفعهم الى الحضور، بل بدا هؤلاء وكأنهم يُطلقون النار على أرجلهم, لأن الاجتماعات ستبدأ كما كان مقررا ولن يتغير جدول الاعمال, بل سينخرط المشاركون في النقاش لتحديد مواقع داعش والنصرة واستعراض ما تم إنجازه في مسألة تثبيت وقف اطلاق النار، الذي ما يزال صامدا رغم بعض الخروقات التي لا تُغير من حقيقة الالتزام به شيئاً، فضلا عن ان التحضيرات لجنيف 5 ما تزال تجري وفق الموعد المقرر في الثالث والعشرين من الشهر الجاري, وان كان اركان منصة الرياض ما يزالون في حال تيه وتخبّط، بعد ان لم يعودوا يحتكرون تمثيل «المعارضات», وبالتالي لم تعد كلمتهم او موقفهم هو الحاسم,حيث هناك معارضون آخرون جلسوا على «طاولات» جنيف 4, اثبتوا حضورهم ودورهم, وكانت لهم مواقفهم التي أُخذَت في الاعتبار وبالتالي سقطت ذرائع منصة الرياض التي ما يزال ممثلوها يبدون «ندماً» ازاء اضطرارهم (كما يزعمون) على «مجالسة» ممثلي منصتي موسكو والقاهرة, وما يزيد من ارتباكهم هو ان «الإحاطة» التي قدمها دي ميستورا لمجلس الأمن، لم تأتِ كما تمنوا، بل كانت اكثر وضوحا في التأكيد على جدول اعمال جنيف 5 والقضايا «الاربع» التي ستُبحث فيه, وهي العملية السياسية الانتقالية والدستور والانتخابات والارهاب, حيث حاولت منصة الرياض التهرّب من عبء الملف الاخير بذريعة انه غير موجود في نص القرار 2254، لكنها فشلت في مسعاها لتجنب بحث مسألة الإرهاب, لان مجرد بحث هذا «الملف» سيكشف المزيد من ارتباطات هذه الفصائل بالمجموعات الارهابية ويضعها امام الحقيقة, التي حاولت الطمس عليها بمساعدة عواصم عربية واقليمية ودولية... ناهيك عن ان ممثلي منصة الرياض باتوا يغمزون من قناة دي ميستورا الذي قال في إحاطته «انه لن يكون هناك اي شيء... إلاّ بعد الاتفاق على كل شيء»، وهو يناقض ما يسعى اليه هؤلاء الذين يُركِّزون على مسألة الانتقال السياسي الذي يعني في نظرهم وكما قال يوم امس «كبير مفاوضيهم» محمد صبرا، لصحيفة الشرق الاوسط اللندنية: «هيئة حكم تكون بديلاً عن اجهزة السلطة، بحيث يتم (حلّ السلطة) وحلّ المعارضة, بمجرد تشكيل هيئة الحكم, التي ستغدو هي المعبّر عن مفهوم السيادة في الدولة السورية».
هذا المفهوم القاصِر يكشِف – ضمن امور اخرى – مدى السذاجة والمراهقة السياسية التي تهيمن على عقول الملتحقين بِمنصة الرياض, وحال الإنكار التي يعيشونها, بعد الهزائم التي مُني بها معسكر داعميهم وانفراط عقدهم, وهو ايضا الذي يحكم تصرفات وسلوك ممثلي الفصائل المسلحة الذين هالهم هم ايضا حجم التقدم الذي احرزه الجيش السوري في أرياف حلب ودمشق وخصوصا حمص, ولهذا فهم يواصلون همروجة «حي الوعر» الذي لم يعد امام الإرهابيين المتمركزين فيه, سوى الإستسلام او توقيع اتفاق «المصالحة», الذي لا يختلف عن تلك الاتفاقات التي وقّعها «اقرانهم» في كثير من البلدات والمدن السورية وبخاصة في ضواحي دمشق.
سيضطر مسلحو الفصائل المسلحة للإلتحاق بمسار استانا, سواء في نسخته الثالثة الراهنة ام في نسخة لاحقة، ولن يخرجوا عن «المقررات» التي ستسفر عنها الاجتماعات التي ستنتهي غداً, حيث لا خيار أمامهم، ولن يفيدهم مواصلة «الطخ» الإعلامي على روسيا واعتبار وساطتها في اتفاق حي الوعر الحمصي او غيره, وكأنه «تواطؤ»مع دمشق بل هو مسعى حميد تريد موسكو عبره تجنيب السوريين المزيد من الخراب والدمار والدماء، والتأسيس لحل سياسي يتوافق فيه السوريون انفسهم على مستقبل بلادهم, والكيفية التي يريدون جميعا – بلا إقصاء او وصاية او إحتكار – ان تُدار بها سورية الجديدة، المدنية والديمقراطية والتعددية.
اما غير ذلك فان معارضات الفصائل المسلحة ومنصة الرياض, انما يُقصُون أنفسهم اذا ما واصلوا الإعتقاد, انهم قادرون على وقف قطار الحل السياسي الذي انطلق وان ببطء، لكنه سيصل محطته الاخيرة, بالرغم منهم ومِن... مُشَغِليهم.
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة