لم تهدأ بعد الضجة التي اثارتها المندوبة الاميركية لدى مجلس الامن نيكي هالي, عندما اعلنت اعتراضها على تعيين رئيس وزراء السلطة الفلسطينية الاسبق سلام فياض، مبعوثا امميا في ليبيا, مُعَلِّلة ذلك بتفسير شكّل «مفاجأة» لدى سكرتير عام المنظمة الدولية انطونيو غوتيرس, وبخاصة عندما قالت في تفسير اعتراضها انه «...منذ فترة طويلة جدا، كانت الأمم المتحدة مُنحازَة الى السلطة الفلسطينية في شكل غير عادي، على حساب حلفائنا في اسرائيل».
ولِإن المسألة (على تواضع المنصب المراد اشغاله) اخذت بُعداً غير مسبوق, واستدرجت تصريحات فلسطينية تضجّ بالشكوى المريرة, وكأنها تستعيد الشِعار الخالِد «يا وحدنا», بعد ان اوصَلَت «مبادرات» السلطة الفلسطينية وخصوصا مساراتها التفاوضية والكيفية التي عالجت بها (او أدارت) صراع الوجود الى ما هو عليه الآن, مع المستعْمِر الكولونيالي الصهيوني, المنتشي بدعم الرجل الابيض الاميركي، وكيف بات الاستيطان اليهودي الآن «مُشرّعناً» بقانون في كنيست العدو، الذي لا يجد مَن يردَعه او يوقف عربدته, او يدفعه للإختيار بين «قانون التسوية» هذا, وكُلفته السياسية والدبلوماسية وخصوصا القانونية، فان ما ركَّز عليه المتحدثون الفلسطينيون وبعضهم في مواقع «رفيعة» كعباس زكي, الذي «يُتوَقّع» ان يُصبح الرجل «الثاني» في السلطة, بعد ارتفاع اسهمه والاحتمالات الماثلة لانتخابه «أمين سِرّ» للحزب الحاكم (حركة فتح), اي صاحب «الحظ» الأوفر في خلافة محمود عباس.
هؤلاء ركّزوا على كفاءة وخبرة سلام فياض, واهملوا عن قصد وربما عن عدم دراية بأبعاد «اللعبة» الجديدة التي افتتحتها ادارة ترامب،وهو البعد السياسي لهذه المسألة, والتي يُراد من خلالها «تأهيل» اسرائيل دبلوماسيا, كي تجد لنفسها مكانا مرموقا ورفيعا لدى المنظمة الدولية, التي ستغدو ساحة مواجهة اميركية مفتوحة مع اعضاء الأمم المتحدة, الذين تدور حولهم الشكوك الأميركية واللوبيات اليهودية وتلك المسيحية الأفنجيلية المُتصهيِنة, بانهم يُشكّلون أغلبية اوتوماتيكية عربية وخصوصا اسلامية وافريقية, لصالح الفلسطينيين وبالطبع ضد اسرائيل في شكل من اشكال «اللاسامية», وهي التهمة اليهودية الاميركية الصهيونية الجاهزة لرميها في وجه كل من «يُفكِّر» بقول: «نعم» ولو خجولة... للقانون والشرعية الدوليين.
يعرف الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة, ان سلام فياض يتمتع بكفاءة عالية وحِس مهني رفيع وشفاف, ليس فقط من خلال عمله في رِئاسة البنك الدولي(نائباً للمدير التنفيذي), وانما دائما عندما تم «ترشيحه» في العام 2002، تحت طائلة وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية التي كان يرأسها ياسر عرفات، كي يَتسلّم «وزارة المالية» وعندما تم للمانحين ما ارادوا, بعد ان أَنهكوا عرفات و»جَفّفوا» خزينة سلطته، قام فياض بإطلاق «إصلاحات لضمان مزيد من الشفافية في ادارة المال العام, ومكافحة الفساد في السلطة»، واستمر في عمله ثلاث سنوات (حتى 2005) ليُصبِح رئيساً لوزراء السلطة في العام 2007، حتى العام 2013.
لكن الكفاءة والمهنية ونظافة الكف والجيب، لا تُشكل هما للادارة الاميركية، بقدر ما تريد واشنطن ان تطمس على الهوية الفلسطينية وعدم تبلورِها على ارض الواقع، وفي شكل دولة مستقلة, تأتي نِتاج حق مشروع, يُمارِسه الشعب الفلسطيني المظلوم والمنكوب لتقرير مصيره، بل ان اقصى المُتاح الان... اميركيا ويهودياً, نعم يهوديا وليس فقط اسرائيليا, هو «حكم ذاتي» بصيغة كامب ديفيد سيء السمعة والمآلات, او في (افضل الحالات).. «دولة ناقص» كما «عَرَضَ» نتنياهو بِكرَم «شايلوكي», وكأن هناك في العالم «مصطلح كهذا».. فالدولة، إما أن تكون كاملة أو... لا تكون.
ما علينا..
آخر مبتكرات تصحيح الاختلالات في انحياز الامم المتحدة للفلسطينيين، والتي فجّرتها «مسألة فياض», هو ما انفردت به صحيفة يديعوت احرونوت (وما ادراك ما يديعوت في الدس والتدليس) حول «تفكير» سكرتير عام الامم المتحدة غوتيرس, بتعيين وزيرة الخارجية السابقة والنائبة عن المعسكر الصهيوني تسيبي ليفني, في منصب «رفيع» في المنظمة الدولية. هذا المنصب الذي قالت الصحيفة الصهيونية: انه على مستوى «نائب» السكرتير العام.
صحيح ان الناطق باسم الامم المتحدة «سارع» الى نفي الخبر، إلاّ أن «مسألة ليفني» باتت في التداول, وان اي تعيين الآن في مستوى «مُمثِّل خاص» في مناطق النزاع, والذي يتطلّب وفق قانون الامم المتحدة «اجماعا» من اعضاء مجلس الامن ال(15).. سيكون «مقايضة»خالِصة, اسرائيلي مقابل فلسطيني.. والغلَبة والرِفعَة في المناصب ستكون بالتأكيد من نصيب الاسرائيليين, الذين يعرفون كيف «يَصِلون» بدهائهم ومؤامراتهم ودائما في دعم الحليف الاميركي!!.
في السطر الاخير... تبدو مسألة فياض، فرصة لمعرِفة مدى صلابة وصدقية السكرتير الجديد للامم المتحدة, الذي يبدو انه لن يُعبِّر كثيرا عن «قلقه» كما كان يفعل سلفه بان كي مون طوال عشر سنوات عجاف في موقعه, وبخاصة في يوميات ووقائع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، إلاّ ان عدم اصراره على ترشيح فياض, سَيُؤشِّر الى ان الرجل لن يبذل جهدا للدفاع عن خياراته، وسيُفضِّل احناء رأسه للعواصف الاميركية.. التي بدأت بالهُبوب.
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة