قال تقرير صادر عن المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية إن عمال مهاجرين من الجنسيتين البنفالية والهندية يعملون في مصنع القمة (شركة قمة الخياطة لصناعة الألبسة) في مدينة الحسن الصناعية يتعرضون لانتهاكات.
ورصد التقرير من خلال زياراته للمصنع ولقاءه مع العمال الانتهاكات، التي دفعت العمال إلى الدخول في إضراب عن العمل، اتجاجا على ظروف عملهم ومعيشتهم.
وقال التقرير إن هنالك قضية "شبهة اتجار بالبشر" ضد هذا المصنع منذ ما يقارب العام، ولم يتم البت فيها حتى الآن، الا أن أي شكل من أشكال الحماية للعاملين والعاملات لم يتم تطبيقها منذ ذلك الوقت.
ويوصي المرصد العمالي الأردني بضرورة تنفيذ كافة معايير العمل اللائق على جميع العاملين، ووقف جميع هذه الانتهاكات فوراً، وإعادة جميع العمال إلى أعمالهم، وعدم إنهاء خدمات أو تسفير أياي منهم.
ويطالب المرصد بفتح تحقيق مستقل لأداء موظفي الجهات الرسمية ذات العلاقة، لافتا إلى أن العمال ذكروا أن السفارتين الهندية والبنغالية لم تتخذا اي إجراء لدعمهم ومساندتهم.
وجاء بالتقرير الذي أعلن اليوم أنه " بعد ان فقد العمال القدرة على تحمل الانتهاكات التي يتعرضون لها منذ سنوات من قبل ادارتهم، قرروا الدخول في اضراب عن العمل احتجاجا على ظروف عملهم ومعيشتهم الصعبة، أملا في لفت الأنظار لمأساتهم وإيجاد حلول لها".
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من ان الاضراب مستمر منذ حوالي اسبوعين، الا أن لا استجابة لمطالبهم، بل تحاول إدارة المصنع التضييق عليهم اكثر، في ظل تراخي الجهات ذات العلاقة عن أداء الدور المتوقع منها في مثل هذه الحالات.
لقاءات مع العمال وزيارت ميدانية، أعدها المرصد العمالي الأردني، تؤكد إن ظروف عملهم غير مناسبة وتخالف المعايير الانسانية، الانتهاكات بحسب التقرير زادت بحقهم بعد دخولهم في اضراب عن العمل بدلا من إيجاد حلول لمشاكلهم مع الإدارة، في حين لم تتخذ وزارة العمل أي اجراء ملموس بحق إدارة المصنع رغم تأكدها من وقوع انتهاكات على العمال وثقها مفتشوا الوزارة.
وقال التقرير إن اضرابهم عن العمل هذه المرة، بدأ بعد أن تم الطلب من بعضهم انتاج ما لا يقل عن (80) قطعة ملابس يوميا، في حين انهم ينتجون حاليا (40) قطعة، وعندما رفضوا ذلك كونهم يدركون ان هذا شيئا مستحيلا، لانهم حاليا يعملون باقصى قدراتهم،ويعلمون انهم ان لم يفعلوا ذلك سيتعرضون للاهانات والخصم من اجورهم، لكن كان رد الإدارة، عن طريق المشرفين بالصراخ على العمال الذين قرروا تقديم شكوى بحق المشرفين،
وبين التقرير أن الإدارة استدعت في اليوم التالي أربعة من العمال،واخبرتهم انها ستسفرهم الى بلادهم لانهم من يحرضون العمال على عدم الاستجابة لمطالب الإدارة، مهددة إياهم باتهامهم بالسرقة اذا تسببوا بأي ازعاج ولم يستجيبوا لقرار تسفيرهم، وبذلك بدأ هذا الاضراب.
ويضرب العمال وفق ما أفضى بذلك عامل للمرصد العمالي، تأكيدا على مطالبهم السابقة التي لم يحصلوا على شيء منها، رغم ان اضرابا خاضوه العام الماضي (شهر آب 2016)، انتهى توقيع اتفاقية بين ادارة المصنع والعاملين ووزارة العمل، يتضمن تحسين شروط العمل والسكن، الا أن الادارة لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه حتى الان.
العمال يطالبون بإيقاف العنف الجسدي واللفظي الذي يتعرضون اليه بشكل مستمر من قبل مديري الإنتاج، لحثهم على العمل بشكل اسرع، حيث لجأت إدارة المصنع في الأشهر الأخيرة لالغاء جزء كبير من ساعات العمل الإضافية، واجبار العمال على انتاج عدد اكبر من قطع الملابس ضمن ساعات عملهم الرسمية.
يقول احد العمال" الإدارة رغبت في التوفير ماليا، لذلك نتعرض للاهانات والمضايقات لانتاج كميات اكبر، خلال ساعات العمل، حتى لا تضطر الإدارة لدفع بدل ساعات عمل إضافي لنا، يتم التضييق علينا حتى في الدخول الى الحمام او الذهاب للتدخين، الأمور تزداد سوءا يوما يعد يوم".
وأشار التقرير إلى أنه في الوقت الذي يطلب من العمال بذل جهود جبارة في العمل، لا تقدم لهم الإدارة وجبات طعام مشبعة وكافية ومتنوعة، ورغم ان عقد العمل يشير الى ان على الإدارة تقديم ثلاث وجبات طعام يوميا، الا ان العمال يؤكدون انهم يضطرون في اغلب الأحيان لشراء الطعام على حسابهم نتيجة قلة الكميات وعدم تنوعها.
ورصد التقرير أن الفطور اليومي عبارة عن رغيف خبز صغير وبيضة واحدة، اما الغداء فيكون شوربة عدس ورز وفي بعض الأحيان تتوفر قطع صغيرة من الدجاج او اللحم او السمك، ووجبة العشاء التي تكون بانتظار العمال في السكن، تضعها الإدارة ما بين الساعة الثالثة والرابعة عصرا، رغم ان عمل العمال يستمر حتى السادسة وأحيانا الثامنة مساء في المصنع، وبذلك تكون باردة، واحيانا يجدون فيها حشرات نتيجة بقاءها لساعات طويلة خارجا.
ولفت التقرير إلى معاناة العمال في السكن واصفا إياه "بجحيم آخر بعد المصنع"، حيث مياه الشرب موضوعة في عبوات بلاستيكية في الطابق الأرضي للمبنى، ولا تتوفر دائما، ولا يوجد مطبخ في السكن، ولا أجهزة تلفزيون، ولا يوجد خزائن للملابس في سكن العمال الذكور، مما يضطرهم لتعليق ملابسهم بشكل عشوائي في السكن، ناهيك عن بعدها عن مكان العمل في المصنع ما يقارب كيلومترين، يسيرها العمال صباحا ومساء، دون توفر وسيلة نقل تقيهم الأمطار والبرد في فصل الشتاء.
وأضاف أن إدارة المصنع لا توفر أي مستلزمات للعمال من اغطية وشراشف ووسائد النوم، مع العلم انه لا يوجد به أي نوع من أنواع التدفئة، باستثناء مدافىء كهربائية صغيرة واحدة في كل غرفة، ولا يوجد ايضا مراوح في فصل الصيف، وسقوف السكنات تتسرب منها المياه، كما لا يتم توفير مستلزمات التنظيف للسكن والنظافة الصحية للعمال من صابون وغيره.
وقال التقرير إن هذه الأوضاع تعرض العمال لامراض متكررة، خاصة في فصل الشتاء، وبالرغم من أن عقد العمل الموحد يلزم أصحاب الأعمال بتوفير خدمات صحية شاملة للعمال، الا ان العيادة التابعة للمصنع، لا توفر الا الادوية الخاصة بالصداع في أحسن الحالات، وعادة ما تطلب من العمال الذهاب لطبيب في القطاع الخاص، ولكن ادارة المصنع لا تقوم بتغطية نفقات العلاج أي كانت.
يضاف الى ذلك عدم اعتراف إدارة المصنع بأي نوع من الاجازات المرضية، وفي حال اضطر أحد العاملين أو العاملات وتغيب عن العمل، يتم خصم يومين من راتبه بديل لكل يوم تغيب فيها حتى وان كان مرضيا.
وأفاد مجمل العاملين والعاملات الذين تم مقابلتهم أن إدارة المصنع قامت في بداية اضرابهم الحالي بقطع الكهرباء عن أماكن السكن لما يقارب 40 ساعة،مما أدى الى عدم قدرتهم على تشغيل مدافىء الكهرباء الصغيرة التي لديهم، في ظل أجواء باردة جدا.
كذلك قامت بقطع المياه لمدة يومين، ليعيش العمال اسوء أيام حياتهم حيث اصبح مجرد الذهاب لقضاء الحاجة في الحمام امرا صعبا نتيجة عدم وجود المياه، واضطرارهم للذهاب لسكنات أخرى لهذه الغايات.
وافاد العاملون والعاملات الذين تم مقابلتهم، أن "موقف ممثلي وزارة العمل غير منصف، ولا يضغطون على إدارة المصنع لتنفيذ معايير العمل المتعارف عليها، حتى أن بنود الاتفاق الذي تم في بداية شهر أيلول 2016 مع ادارة المصنع وقد مضى عليه خمسة اشهر، وحتى الان لم يتم تنفيذه، دون أن تتخذ الوزارة اجراءآت فعلية بحق ادارة المصنع، الأمر الذي دفع الادارة للتمادي في الاعتداء على حقوقنا كعاملين". مؤكدين كذلك أن "بعض موظفي وزارة العمل يقفون الى جانب الادارة ضد مطالبنا".
وعن رأيهم بموقف نقابة العاملين في قطاع الغزل والنسيج، التي تمثل مصالحهم، يؤكد العمال ان "النقابة دائما تطلب منهم العودة للعمل دون ان توفر حلولا لمشاكلهم"، وقال احدهم ان مندوب النقابة قال لهم بعد اجتماعه مع إدارة المصنع في بداية الاضراب ان "الحل يكمن في تسفير العمال الأربعة والادارة ترجعكم الى أعمالكم" والان يقول ذات المندوب " الحل في تسفير تسعة من العاملين"، كما تريد الادارة. ولخصت احدى العاملات موقف النقابة بأنها "وسيط" وليست "ممثل" للعمال.
ويتساءل التقرير : ما الذي يجبرالعمال على البقاء في مثل هذه الظروف، ولماذا لا يتركون العمل ببساطة ويعودون الى بلادهم؟ إجابات العمال أوضحت انهم دفعوا لاصحاب مكاتب التوظيف في بلدانهم مبالغ مالية تتراوح ما بين 300-1000 دينار لتوفير عقد لهم للعمل في الأردن، وبما ان غالبيتهم من الطبقة الفقيرة جدا في بلدانهم، فمعظمهم اكدوا انهم استدانوا هذا المبالغ ويسددونه حاليا من اجورهم التي يتقاضونها.