تصريحات الرئيس الاسد الأخيرة لوسائل اعلام فرنسية كانت لافتة ، حيث بدا الرجل « مهزوزا» ومستعدا للمرحلة التالية ، كما يريدها « الوصي» الروسي ، فقد أعلن أنه مستعد للتفاوض «على كل شيء».
وهذه العبارة يمكن قراءتها ضمنا ،الاستعداد على التفاوض بشأن توقيت رحيله ، وفي كل الأحوال فإن تسوية الأزمة السورية ، لن تخرج عن هذا التصور ، وكان ذلك واضحا منذ البداية بأن الحل العسكري غير وارد ، لكن السؤال المر: لماذا بقي الأسد يكابر ويقاتل شعبه ، وفتح أراضي سوريا وأجوائها لكل الملل ، وأذل نفسه الى هذا الدرك وأصبح أضحوكة ، حتى أن الروس والايرانيين هم من يتفاوضون باسم سوريا ، وعلى مصيرها والنظام آخر من يعلم.. كان بإمكانه أن يخرج بكرامة ويسجل موقفا مشرفا ، لكنه أصر على تدمير البلاد وتهجير العباد..
المفاوضات التي تعقب الحروب المختلفة ،سواء كانت بين الدول أو أطرف حرب أهلية تبدأ بسقوف عالية ، والحرب السورية ليست استثناء ، حيث بدأ السجال والمساومات مبكرا ، والاتهامات المتبادلة بين النظام وحلفائه من الميليشيات وبين قوى المعارضة المسلحة بشأن خروقات الهدنة ، وتلويح بعض أطراف المعارضة بالانسحاب من اتفاق وقف النار، وتهدد بعدم المشاركة بمفاوضات «استانا » المرتقبة الشهر المقبل.
وبغض النظر عن ذلك ، فإن القوى الحقيقية الفاعلة ، التي رعت اتفاق الهدنة « روسيا وتركيا »، هي صاحبة الكلمة الحاسمة المعنية بالوصول الى تسوية للصراع ، رغم ضبابية موقف ايران صاحبة المشروع الطائفي، وهي قوة رئيسية في الحرب الى جانب النظام ،وأدواتها الحرس الثوري ، والميليشيات الطائفية التي تخرق الهدنة ، مثل حزب الله والجماعات الشيعية التي جلبتها من العراق وافغانستان وباكستان. بل أن التقاير الواردة من الميدان تشير الى انشغال ايران، بإعادة «الهندسة الديمغرافية » للعديد من المدن والمناطق السورية ، بإحلال « مستوطنين » أجانب من الطائفة الشيعية مكان المواطنين الأصليين الذين تم تهجيرهم قسرا وجميعهم ينتمون للطائفة السنية، أو من خلال عمليات تبادل السكان على معايير طائفية وقيام النظام بعمليات تجنيس مقاتلين ينتمون للميليشيات الطائفية هم وعائلاتهم ، وإسكانهم مكان المواطنين الأصليين.
ربما وصلت روسيا الى قناعة بضرورة التخلص من عبء هذه الحرب ، بعد «محرقة حلب » ونتائجها الكارثية ، التي اعتبرتها « انتصارا « لها ، ومن خلفها النظام والميليشيات الطائفية ، فعندما بدأت موسكو تدخلها العسكري لحماية النظام ،أعلنت أنها ستنجز أهدافها خلال عدة اشهر بذريعة «محاربة الارهاب» ، لكنها في الواقع دمرت البلاد والعباد وارتكبت مجازر و«جرائم حرب » ، وكان مشهد تهجير سكان شرق حلب قسرا نموذجا على ذلك، ولإن الحرب طالت بعكس توقعات الكرملين ،واستنزفت الكثير من الأموال والقوة النارية، فلا بد من نقطة تتوقف عندها.
من حيث المبدأ نجحت موسكو في استعراض قوتها العسكرية ،وكانت سوريا ميدانا لتجريب أسلحة جديدة، أمام أنظار واشنطن التي تقود منذ عامين ونصف تحالفا لمحاربة « داعش» دون جدوى ، وفي مواجهة الفشل الاميركي تستطيع روسيا التباهي سياسيا وعسكريا ب»نصرها» على المدنيين ! وتوجت ذلك بالاتفاق مع تركيا على وقف اطلاق النار ، باعتبار الرئيس بوتين الممثل الشرعي للنظام السوري، حيث جرت المفاوضات على الهدنة بدون مشاركة النظام.
جوهر المفاوضات التي ستنطلق الشهر المقبل في «استانا «وربما تنتقل لاحقا الى جنيف ، سيتركز حول انتاج تسوية سياسية ، تتضمن «خارطة طريق « للمرحلة الانتقالية ، تقود الى إعادة هيكلة النظام بمشاركة المعارضة ، وهذه معادلة قابلة للجدل والمساومات ، و» بيت القصيد « فيها البحث في مصير الأسد ، لجهة تقليص صلاحياته بحيث تصبح رمزية، ولفترة محدودة يتم خلالها وضع دستور جديد ، ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية دون مشاركة الأسد بالترشح ، وبتقديري أن روسيا ليست معنية بالتمسك ببقائه ، بعد أن أثبتت قدرتها العسكرية والزعم انها «انتصرت » سياسيا.
Theban100@gmail.com
مواضيع ذات صلة