سامح المحاريق
بينما يطرح البعض حلولاً تتعلق بمزيد من الاقتراض لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة، فإنهم يغضون الطرف عن أن الحصول على القروض لا يمثل استجابة آلية من قبل المقرضين لرغبات المقترض وأمنياته، ولكنه نتيجة دراسة في أوضاعه تستهدف التأكد من قدرته على السداد، ومع أن الصورة ليست قاتمة لدرجة توقع امتناع المقرضين من داخل الأردن وخارجه عن تلبية الحكومة، إلا أنها أيضاً لا تبشر بالخير، فما هو الموقف في السنة المقبلة؟ وإلى متى يمكن متابعة الاقتراض، لا أحد يفعل ذلك إلى ما لا نهاية.
في المقابل فالمزيد من الضرائب يعني الدفع بالسوق لمزيد من التباطؤ ويعمق حالة الركود القائمة أصلاً، وسيؤدي مع الوقت إلى تناقص الغلة الضريبية لأن الحركة التجارية ستعاني من وراء ذلك، والتاجر ليس عدواً للمواطن أو للدولة، وخاصة التجار الصغار الذين يعتبرون من الطبقة الوسطى، ويتسمون بالضعف والهشاشة تجاه التحولات الاقتصادية.
ضريبة المبيعات قطعاً ليست هي الحل، والسوق يحتاج إلى التحفيز من خلال تخفيض الضرائب على المبيعات، والأصل في الأشياء التأكيد على النظر في ضريبة الدخل على الشركات الكبرى، ومنها البنوك، وخاصة الأجنبية التي حصلت على المزايا والمكتسبات من تواجدها في السوق الأردني، بينما لم تقدم شيئاً في المقابل لتطوير القطاع المصرفي، وبعضها أتى ليمثل قطاعات مصرفية في دول أخرى لم تصل بعد إلى تراكم الخبرات الموجودة في السوق الأردني.
وبعد الشركات المساهمة العامة التي تخضع حساباتها لتدقيق مستمر ومتواصل، يجب الالتفات إلى كبار التجار والوكلاء الذين يبيعون نفس السلعة من المستوردة من مصدر واحد بأسعار تفوق كثيراً الدول الأخرى، وهذه الفئة من التجار والوكلاء التجاريين الذين يعملون في مجالات الاستيراد عالية الكثافة، وهو ما يسهم في تعميق أزمة ما تبقى من القطاعات الانتاجية في الأردن.
المواطن ليس هو العنوان الصحيح للاصلاحات الاقتصادية مع أن ما يجري لا يمكن أن يوصف بالإصلاح الاقتصادي ولكن تحرياً للدقة الجرعة العلاجية الصعبة اللازمة من أجل عبور هذه المرحلة، وكذلك ليست الحلقات التجارية الوسيطة والصغيرة، لأنها ببساطة تمثل مع الموطن القوى الاستهلاكية الضرورية من أجل استمرار العجلة الاقتصادية وتحقيق القيمة في التبادلات، وهذه القيمة هي التي تؤدي في النهاية لتغطية تكلفة الحكومة، ويجب على الحكومة أن تظهر في المقابل نواياها الصادقة في تقليص نفقاتها، ليس لأنها تمثل جزءاً معتبراً من الأزمة الاقتصادية، فالحقيقة غير ذلك، ولكن لأن أي تحرك ايجابي من الحكومة يوحي بمصداقيتها تجاه تخفيض النفقات والمصاريف الاستفزازية أحياناً سيخلق حالة التحالف الاجتماعي هي ضرورية في هذه المرحلة تحديداً، خاصة في ظل التفاعلات التي تحدث اجتماعياً ضد القرارات الحكومية المتوقعة.
لنفترض أن الحكومة وصلت لهذه المرحلة من المديونية والعجز نتيجة تراكمات، وليكن المواطن مطالباً اليوم بالتصرف بمسؤولية، ولكن ما هي الرؤية التي يمكن أن تقدمها الحكومة للخروج من المأزق، وفي أي إطار زمني، وما هي الضمانات التي يمكن أن تطرح للحيلولة دون الوصول إلى هذه الحالة، وما هي جرعة الشفافية الضرورية لتعميم ليس النتائج فقط، ولكن البحث أيضاً في مسببات الأزمة الراهنة وخلفياتها، ودروسها المستفادة، بدلاً من الإقامة الطويلة في عنق الزجاجة.