كتاب

«الفيدرالية» مجرد «مَزْحَة».. لِمَ تغضَبون؟

اخيرا، وجدت «الفكرة» الثورية الهائلة, التي طرحها القيادي في حركة حماس موسى ابو مرزوق, (المرشَّح المنافِس لخلافة خالد مشعل في رئاسة المكتب السياسي، مع اسماعيل هنية, كما تروج الشائعات) بإقامة «فيدرالية» بين «دولة»غزة و»دولة»الضفة الغربية, باعتبارها حلاّ من الحلول «المُمكنة».. اذا تعذّر انهاء الانقسام بين حركتي حماس (التي تسيطر على غزة) وفتح التي تبسط سلطتها على الضفة الغربية من خلال رئيسها وكوادرها. نقول: وجَدَت «فكرة» ابو مرزوق, التي قوبلت برفض شديد محمولا على مفردات ومصطلحات غاضبة وصلت حدود التخوين باعتبارها «خيانة لا تغتفر» كما قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، مَنْ يُدافِع عن القيادي الحمساوي ويُبرِّر له اقتراحه المفاجئ بل الخطير, الذي ينسجم تماما مع مساعي اسرائيل وجهودها لإحباط قيام دولة فلسطينية مستقلة.

صاحِب التبرير هو احد الكتاب الصحافيين في غزة والمقرب جداً من حركة حماس وهو مصطفى الصواف الذي قال: ان «ابو مرزوق» اراد لفت الانتباه وتحريك المياه الراكدة, ولا يعدو اقتراحه محاولة لِـ»استفزاز» مَن يريد المصالحة, مُضيفا: ان حماس لا تفكِّر بخلق كانتونات ولا هي دولة في غزة ولا دولة في الضفة, وانما هذا الطرح «نوع» من «السخرية» من اولئك الذين يُعطلون المصالحة (كذا). ثم يستطرِد قائلاً, في تفسير متهافت: «وحدة غزة والضفة واقامة دولة فلسطينية وتحقيق اهدافها، هي «مشاريع» حماس التي ترفض الانفصال. الى ان يصل لِاستنتاجات يريد من خلالها (رغم انها قد تكون صحيحة.. في المحصلة) إبعاد الانظار عن خطورة «المزحة» التي ادلى بها ابو مرزوق في هذا الظرف الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية, على ابواب تسلُّم دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة, وخصوصا بعد ان بدأ الاسرائيليون يتحدثون في العلن, بأن «حل الدولتين» قد مات نهائيا, وانه «سيتم إسقاط فلسطين من جدول الاعمال في العشرين من الشهر الجاري، موعد تسليم ترامب منصبه بشكل رسمي. وان الدولة الفلسطينية قائمة في قطاع غزة» كما قال حرفيا وزير التعليم الاسرائيلي، زعيم حزب «البيت اليهودي» المتطرف نفتالي بينيت، الذي يدعو ايضا الى ضمّ المنطقة «C» من الضفة الغربية, والتي تُشكِّل 60% من مساحتها الى اسرائيل, ومنح سكانها الجنسية الاسرائيلية، علما ان عدد الفلسطينيين في تلك المنطقة لا يزيد على مائة الف مواطن، وهو رقم يستحق «المجازفة» في اسرائيل, مقارنة بمساحة الارض التي ستتم السيطرة عليها والاهم وأد اي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

استنتج الصواف في معرض دفاعه عن نكتة «الفيدرالية» التي طرحها ابو مرزوق التالي: «... عشر سنوات مرّت، وعباس يرفض اجراء المصالحة ويضرب عرض الحائط كل الاتفاقيات، ما يؤكد – والقول للصواف – انه لن يتم التوصل لاتفاق بشأن المصالحة خلال حكم عباس»..

هذا الاستنتاج يستبطن «ترويجاً» لفكرة الفيدرالية, باعتبارها خياراً وليس مجرد بالون اختبار أو استفزاز لحثِّ المُعطّلِين للمصالحة وانهاء الانقسام, على النزول عن الشجرة العالية التي صعدوا اليها, بافتراض ان فتح وحدها تتحمل مسؤولية الانقسام وان حماس بريئة من ذلك تماما, طوال عشر سنوات من الانقسام, افقدت الشعب الفلسطيني تفاؤله بقرب خلاصه, او ان القوى المتحكِّمة فيه, وخصوصا حماس وفتح, مستعدة للتخلي عن انانيتها الفصائلية وارتباطاتها الخارجية، كي تمنح الاولوية لتحرير الشعب الفلسطيني من ربقة الاحتلال, وتمكينه من تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة.

واذا كان للمرء ان يعود الى «المنبر» الذي اطلق منه وعبره، ابو مرزوق «مزحته» او «مشروعه»، فانه يبدو لافتا بالفعل وهو ان الفكرة» الثورية» هذه, اطلقها زعيم حماس المُقبِل (طبعا اذ رسى خيار قادة حماس, على ان يكون رئيس المكتب السياسي الجديد, من عناصر الخارج وليس الداخل, كما هي حال اسماعيل هنية الذي يشغل موقع نائب رئيس المكتب السياسي حاليا). اطلق ابو مرزوق مقترحه, من خلال حوار على قناة «الغد» التي تبث برامجها من القاهرة ولندن, والتي يعرف الجميع ان ممولها او رئيس مجلس ادارتها او صاحبها (سمِّه ما شئت) هو القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، الذي قال عنه الدكتور محمود الزهار: «انه مُعارِض لعباس ونحن نعارض عباس, ولا مانع لدينا من التنسيق معه في هذا الملف».

ثمة اذاً ما يدعو للشكوك والريبة في هذا «الاقتراح» غير المسبوق في معانيه ودلالاته,الذي لم يكن زلَّة لسان وبالتأكيد ليس سخرية او تحدياً او تحفيزا لمعارضي المصالحة في «فتح», بقدر ما هو بالون اختبار لرصد ردود الفعل، ثم لاحقا لجعله قيد التداول يمكن التعاطي معه على طاولة المفاوضات، اي مفاوضات تستطيع حماس ان تتصدر فيه المشهد، اذا ما وعندما تنضج ظروف اقليمية ودولية مناسبة لوضع هذا «الخيار» موضع التنفيذ، وهو امر خطير, يستدعي العمل بجدية ووطنية ومسؤولية لإحباطه ودفنه قبل ان ينمو ويكبر, وخصوصا ان حماس – حتى الان – لم تصدر اي بيان يدين «مزحة» ابو مرزوق او تعتبرها شأنا خاصا به، تنأى بنفسها عنها وتعلن تمسكها بالثوابت الفلسطينية المعروفة, وفي مقدمتها وحدة الارض ووحدة الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الخارج.

kharroub@jpf.com.jo