سامح المحاريق
تعيش دول الخليج العربي مرحلة مضطربة من التحولات الجذرية، ومع أن بعضاً من الدول الخليجية كانت أعلنت أنها لم تعد جزءاً من أي مشروع قومي عربي وخاصة بعد حرب الخليج الثانية والغزو العراقي للكويت، إلا أن التكلفة التي تكبدتها نتيجة ذلك تجاوزت كثيراً تكلفة المشروع القومي، ولم تستطع هذه التكاليف الباهظة للغاية أن تؤسس شيئاً يمكن التعويل عليه.
بالطبع لا يمكن أن ينكر أحد الدور الخليجي المهم في تمويل الدول العربية الأخرى، ولكن ذلك لم يكن يقوم على مبدأ المشاركة طويلة المدى، والواقع أن الاستثمارات الخليجية كانت الجزء الأقل مقارنة بالمساعدات التي بذلت على أساس الأزمة أو القطعة ودون أن ترتبط بأي رؤية، كما أن الالتزام بالمساعدات في مراحل مختلفة على امتداد الفترة منذ مطلع التسعينيات إلى اليوم لم يستطع أن يتقدم تجاه تطبيقات فاعلة ومعقولة ليتحول إلى سوق عربية مشتركة يمكن أن تحقق مصالح جميع الأطراف وأن تحقق الاستدامة للكثير من المشاريع الكبيرة في مختلف الدول العربية، وما زالت الأردن مثلاً، تعاني في التجارة البينية مع الدول العربية، وخاصة دول الخليج العربي، مع أن الأصل في الأشياء أن تكون السوق المفتوحة بين الدول العربية موجودة ومفعلة.
تتصدر دول خليجية وبمبالغ طائلة،بشراء الاسلحه ولكن الحرب لا تقتصر على توفر الأسلحة، فالزخم البشري يبقى مهماً للغاية، وكان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لا يتوانى عن تذكير دول الخليج العربي بأن اليمن هي المخزون البشري الذي يمكن الاعتماد عليه للتعامل مع القضية السكانية في الخليج، وهو الأمر الذي لم يكن صحيحاً ولم يخرج عن نطاق الابتزاز العاطفي في مرحلة ما بعد خروج العراق من المنظومة الخليجية أو لدقة التعبير الحسابات الخليجية.
خفتت الأصوات التي نادت بانضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي، واكتفت دول الخليج بأن تقدم للأردن مساعدات مشروطة ومجدولة مسبقاً، وربما ستتبين دول الخليج العربي أن التحالف الداخلي ضمن بنية مجلس التعاون لإجهاض محاولة إدماج الأردن كان بالفعل من الأخطاء التي يصعب تداركها، خاصة أن المجلس يعاني حالياً من تواصل التباين في وجهات النظر بما يؤثر على مستقبل التعاون في منطقة الخليج.
لا يعني وجود الأردن خارج حسابات دول الخليج بوصفها شريكاً محتملاً، أن يتصرف الأردن بنفس الطريقة مع الدول الخليجية، ولا يقوم ذلك على أساس الدعاوى أو الشعارات القومية، بل على اعتبارات استراتيجية بالنسبة للأردن الذي يحتاج لمتنفس خارج المنطقة المشتعلة من حوله، والحفاظ على استقرار الخليج يجب أن يكون أحد المحاور في القمة العربية المقبلة، لأن الكثير من فوضى المنطقة تأتت أصلاً من القلق تجاه أمن واستقرار منطقة الخليج، وأمام انتهازية الحكومات الغربية تكبد الخليج فواتير ضخمة وما زال يفتح فواتير متجددة، خاصة بعد مشاركة رئيس الوزراء البريطانية في قمة مجلس التعاون الأخيرة.
ليس أمام قمة عمان المقبلة الكثير لتطرحه، ومقدماً فالقمة تعتبر مجرد الانعقاد انجازاً، ولكن يجب أن يستمع الخليجيون لآراء الدول العربية الأخرى وأن تستمع جميع الدول العربية للمخاوف والهموم الخليجية، خاصة أن كثير من الصراع في جوهره يعود لنقطة ومربع أمن الخليج والخوف من التوسع الايراني، وإذا لم يكن من الوارد أن تكون قمة عمان للقرارات فيمكن على الأقل أن تستثمر للمصارحة والمكاشفة.