المرونة.. وما أدراك ما المرونة؟

المقصود هنا ليست المرونة الجسدية التي يكتسبها المرء نتيجة التدرّب والتدريب على القيام بتمارين رياضية معينة من شأنها فكفكة المفاصل وتليينها مع تنشيط العضلات لتنتج مرونة جسدية، تجعل صاحبها يتثنّى ويتلوّى بكل الإتجاهات وبدون أدنى مشقة..

وإنما المرونة المقصودة هي الفكرية منها والتي لا تتعلق بالمرونة الجسدية، وإن كانت مرونة الجسد تشكّل نموذجا جيدا لأهمية وفوائد تدريب الجسم ليصبح بعيدا كل البعد عن كل ما هو جامد متحجر «مكلْبَش»... الخ جسديا وفكريا ومعنويا..

فالمقصود بهذه العجالة إذن: المرونة العقلية والفكرية حيث تُعتَبر هكذا مرونة أساس كل تفكير إبداعي..لأن مرونة التفكير هي مهارة مطلوبة لتحريك العقل وبنات أفكاره باتجاهات متعددة فيصبح من السهولة بمكان ايجاد الحلول للمشكلات بعكس التفكير الصارم المحدَّد باتجاه واحد..

والمرونة هي احدى المهارات الأساسية التي يتحلى بها كل مبدع بإبداع يتم وصفه (على أنه قدرة الفرد على الإنتاج إنتاجا يتميز بأكبر قدر من الطلاقة الفكرية، والمرونة التلقائية، والأصالة والتفاصيل)

ولعل الحديث النبوي الشريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدُكم عملا ان يتقنَه ) يلفت النظر الى أهمية العمل المتقَّن الذي يحبه الله تعالى.. والمفروض ان نحبه ايضا.. والحبّ لا يكون بالأقوال.. وإنما بالأفعال والأعمال.. بخاصة ان العملية التراكمية للعمل المتقَن ستجعله يرتقي الى أعلى مستويات الإبداع بشرط توافر المهارات الإبداعية وذلك عبر المثابرة – العناد الإيجابي -والتدريب..

وعلى ذكر صفة العْند والعناد والتي تتصف بها الصخور القاسية فتأبى الكسر، والمعادن الصلبة الرافضة للإنثناء، ناهيك عن المخلوقات الأخرى من إنسان وحيوان..فإننا ننأى بأنفسنا عن العناد السلبي مستجيبين للعناد الإيجابي الذي يتصف بالمثابرة على الدرْس والعمل والإنجاز والإبداع..

وعلى ذكر الإبداع.. فإنه ما دعاني للكتابة بهذا الشأن هو حضوري دورة – التدريب الإبداعي- والتي أقامها «مركز التفكير الإبداعي وصناع التغيير» استمرت أياما متعددة التزمتُ بالدوام لرغبة حقيقية بمتابعتها بالرغم من تزاحم وازدحام الانشغالات والواجبات وزحمة الشوارع والطرقات بفترة الأعياد..

نعم دورة بالتدريب الإبداعي.. وكلنا نعلم ما هو التدريب وأهميته من حيث رفع درجة ومستوى كفاءة العاملين والموظفين بمجالات متعددة كلٌ وتخصصه، بحيث تستطيع أية منشأة أو شركة تحقيق أهدافها إذا قام كل شخص فيها بعمله على أكفأ وجه، وحتى يمكن للعاملين القيام بذلك فهم يحتاجون بين الحين والآخر إلى تدريب جيد..

ولكن لماذا «التدريب الإبداعي» بالذات ؟

من اجل ربط التدريب اي تدريب بتنمية المهارات الإبداعية من «طلاقة ومرونة واصالة ومتابعة التفاصيل « وذلك لرفع كفاءة الموظفين لمستويات عليا عبر تدريب استثنائي و غير تقليدي..

ولكن صدقوني ان هذه المهارات الإبداعية من طلاقة وأصالة وتفاصيل، لا قيمة لها بدون اقترانها بمهارة «المرونة» بالذات، لأنه ما أحوجنا لإزالة الصدأ المعرقل لمفاصل المرونة.. وما أحوجنا للتخلص من الصمغ المحيط بها..فلا فائدة من الارتقاء بالتمارين والتدريبات ان لم نستطع قبل اي شيء آخر فكفكفة المفاصل العقلية لتسمح للتفكير بالحركة والإنسياب..

صدقوني الطلاقة هي مهارة ابداعية لا يمكن ان تتم بدون توفر «المرونة الفكرية».. كما أن الأصالة بأفكارها الجديدة البعيدة عن التقليد والتي لا تشبه افكار الاخرين لا يمكن ان تتولد بدون «مرونة فكرية».. كما ان مهارة العثور على التفاصيل وتوليدها والتعامل معها لا يمكن ان يتم ايضا بدون «مرونة عقلية فكرية»..

فالمرونة أساس كل تفكير ايجابي منطقي وعلمي وإبداعي يطلقون عليه «التفكير الناقد»، ليجعلنا نميز بين الصح والخطأ مهما بدا التشابه كبيرا بينهما ، وحتما هذا سيخرجنا من عنق الزجاجة المليئة بالمشكلات والتي طالما اقمنا بها دون القدرة على حلها والإنفلات من قبضتها كما أشرتُ له بمقالة سابقة لي من عام ونّيف بعنوان « هل التفكير الناقد مغضوب عليه» ؟

اقترحتُ بحينها بزيادة نسبة الذكاء عبر التعلم والتعليم بما فيها ايضا زيادة الإبداع لضمان النجاة من طوفان « اللغط الفكري « الذي لا يسمن ولا يغني من جوع بل يغرقنا بمهاتراته.. حيث يعتبر «التدريب الإبداعي « احد ادوات تنمية الذكاء..

ولكن حذار من الصلابة والتصلب إذ لا بد من التخلص منها اولا بأول لفكفكة مفاصل التفكير، عبر تدريبات عدة أسهلها قراءة الكلمات وكتابتها معكوسة كما نراها بالمرآة..ولطالما بالصغر تبارينا مع الآخرين للكتابة بالمقلوب.. او قراءة جملة ما من النهاية للبداية.. مثلا: ذهب الولد الى السوق.. تُقرأ على الوجه الآتي :

السوق الى الولد ذهب..

وهكذا تقنيات بسيطة تساعد على تكسير الجليد المجمِّد لانسيابية الأفكار مما يكسبنا المرونة الفكرية، دون إهمال شَقّ آخر وهو التدرب على احترام الرأي الآخر..

والحديث يتشعب ويطول نختمه بقول عليّ رضي الله عنه:

لا تكن ليّنا فتُعصَر ولا قاسيا فتُكْسَر !

hashem.nadia@gmail