في بعض الدول توجد وزارات « للسعادة « و» الذكاء» ،وفي دول كثيرة ثمة وزارات ، تعنى بتنمية حياة الانسان على مختلف الصعد ، لكن من عجائب « عصر الانحطاط العربي» أن بعض الدول العربية أحدثت وزارة للهجرة ، وفي طليعة هذه الدول العراق، الذي يصنف في صدارة الدول الغنية اقتصاديا وبشريا ، وكان في مرحلة خلت يستضيف ملايين العرب.. عاملين وطلبة ولاجئين ، لكنه تحول بعد الاحتلال الاميركي عام 2003 والعملية السياسية والحكومات التي انتجها ، في طليعة الدول من حيث الفساد ، وقبل أيام أقر البرلمان العراقي موازنة عام 2017 ، وتقدر ب «68 مليار دولار»، وتبلغ قيمة العجز فيها « 21» مليار دولار.
« العراق الجديد « استحدث وزارة للهجرة ، للاعتناء بشؤون اللاجئين الذين اضطروا للهروب من ديارهم ،نتيجة لنقص الخدمات وارتفاع نسبة الفقر والبطالة ، أو بسبب العنف الطائفي والنهج الاقصائي، او نتيجة لسيطرة «داعش «على الموصل ومناطق أخرى ! وأزمة الهجرة تزداد خطورة خاصة في جيل الشباب، ما يهدد بإفراغ البلاد من أهم عناصر قوتها.
كانت الهجرة الفلسطينية بسبب الاحتلال الصهيوني تشكل مأساة العصر، لكن في السنوات الاخيرة ظهرت هجرات عربية أكثر مأساوية بحكم أن أسبابها داخلية ! وحسب أرقام الأمم المتحدة فان «90% « من إجمالي عدد المهجرين والنازحين داخل بلدهم في الشرق الأوسط وشمال افريقيا يعيشون في العراق ،وسوريا التي تشهد حربا أهلية طاحنة منذ أربع سنوات.
وتبين أرقام المنظمة الدولية أن العراق يتصدر دول العالم ، في عدد مواطنيه الذين أصبحوا لاجئين داخل بلدهم ، وبحسب هذه البيانات فان عدد العراقيين الذين تعرضوا للتهجير يتراوح بين « 3.5–6.5 « ملايين مواطن ، أما عدد العراقيين المهاجرين في الخارج، فيقدر بين « 2 -4 « ملايين شخص موزعين بين عشرات الدول العربية والاجنبية.
تتعدد الهجرات العربية انعكاسا للازمات والحروب الداخلية ، لكن الوجه الآخر المكمل للكارثة العراقية ، هو ما يحدث في سوريا من حرب أهلية وجرائم يرتكبها النظام، والقوى الدولية والميليشيات الداعمة له ، حيث تسببت هذه الحرب بتهجير نحو نصف الشعب السوري.
وحساب أرقام الحكومة السورية المؤقتة ، فان أعداد اللاجئين السوريين في دول الجوار والعالم، يتجاوز خمسة ملايين شخص ، وبحسب أرقام مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. فان عدد النازحين داخل سوريا: « 7.6 « مليون شخص.وكانت أحدث فصول هذه المأساة ،عمليات ترحيل سكان شرق حلب ، على الهواء مباشرة خلال الأيام الماضية.
تتفاقم أزمة الهجرة العربية داخليا وخارجيا ، وفيما تتجه أنظار العرب الطامحين بالهجرة الى أوروبا وأميركا وكندا، ينتعش في القارة الأوروبية وأميركا الاتجاه اليميني العنصري المتطرف والاحزاب الشعبوية ، التي ترفع شعار معاداة المهاجرين والمطالبة بترحيلهم ، أو دمجهم بصورة قسرية بالمجتمعات التي يعيشون فيها ، ووقف استقبال المهاجرين الجدد، وقدم دفعة قوية لهذا التيار انتخاب الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، بكل طروحاته اليمينية والعنصرية خاصة ضد الجاليات الاسلامية ومعاداته للمهاجرين ، ويقابل ذلك تحقيق اليمين الأوروبي المتطرف نتائج لافتة في الانتخابات في العديد من الدول الاوروبية ، ويمكن ملاحظة ذلك بقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ،حيث كانت قضية الهجرة أحد العناوين الرئيسية ، لتنظيم الاستفتاء.
وهي نتيجة قوبلت بترحيب أحزاب اليمين الأوروبية ، التي أطلقت دعوات لاستفتاءات مماثلة في عدد من الدول الأوروبية. للخروج من الاتحاد التي تعتبره يقيد الحرية والاستقلال الوطني.
وقبل أيام صوت الايطاليون بأغلبية كاسحة « بنسبة 60 % مقابل تأييد 40% « في استفتاء دعا له رئيس الوزراء « ماتيو رينتسي « ، لإجراء اصلاحات دستورية تدعو لتقليص صلاحيات مجلس الشيوخ في البرلمان ، واعتبر التصويت مقياساً للمشاعر المناهضة للمؤسسات الحاكمة في أوروبا ، وانتصارا لأحزاب المعارضة الشعبوية التي دعت إلى التصويت «بلا « في الاستفتاء، من بينها حركة «النجوم الخمسة « المناهضة للمؤسسة الحاكمة وحزب رابطة الشمال المناهض للهجرة.
Theban100@gmail.com
مواضيع ذات صلة