سامح المحاريق
يصدر ديوان المحاسبة تقريراً سنوياً يرصد فيه المخالفات التي ارتكبتها الوزارات والمؤسسات الحكومية، وأتى تقرير السنة الحالية، والمنشور على موقع الديوان الإلكتروني، ليتحول إلى مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أن المعلقين يمتلكون أسباباً وجيهة ليبدوا القلق ويسرفوا أيضاً في الانتقادات، إلا أن الافتراض بأن يصدر التقرير خالياً من المخالفات والملاحظات يعتبر ضرباً من الانفصال عن الواقع، فأي شركة صغيرة أو كبيرة تشهد مخالفات متنوعة من ذات العينة التي طغت على نقاشات وتعليقات مواقع التواصل، كما أن ذلك ينطوي على إغفال أن ضبط النفقات والصرامة الكاملة في تطبيق اللوائح لن يسفر إلا عن وفورات متواضعة قياساً بامتداد الأزمة المالية والاقتصادية ربما لن تصل في أفضل الأحوال إلى 1% من حجم الأعباء الملقاة على عاتق الأردنيين.
بالطبع يجب على الحكومة أن تتخذ جميع الاجراءات للحيلولة دون تكرار ملاحظات الديوان، وأن تبدي جدية كاملة في التعامل مع مثل هذه المخالفات، لأن التكلفة النفسية وما تستنزفه من رصيد الثقة والقناعة الشعبية يفوق كثيراً التكلفة المادية، وعلى الوزراء أن يطبقوا أعلى درجات الالتزام الذاتي في الحرص على المال العام، حتى بما تسمح به مزاياهم الوظيفية، ووقتها يمكن للمواطن أن يتفهم مدى ضرورة وجدوى الاجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة، وأن يتعاون في تطبيقها أيضاً.
الحكومة تمتلك أدوات مهمة للعمل على تصويب الأوضاع الاقتصادية، وتبقى قضية الشفافية والتواصل الفعال مطلوبة وضرورية، فالحكومة عليها من ناحية أن تبين للمواطنين جميع الاجراءات التي تتخذ حيال المخالفات، وأن تتخلى عن حرصها المبالغ فيه على هيبة الوظيفة العامة لأن البعض يتفهمها بوصفها حصانة وتصريحاً مفتوحاً بتطبيق الرؤية الشخصية وإنفاذ طلباته بوصفها أوامر، والشفافية في إجراءات التعيين والترقية وحماية الإدارات الوسطى ومناصب الأمناء العامين وممثلي ديوان المحاسبة وغيرهم، من شأنه أن يجهض أصلاً الحلقات الضيقة حول المسؤولين والتي تسعى لإرضائهم بأي طريقة ولو كانت على حساب التعليمات واللوائح وأيضاً سمعة أجهزة الحكم.
لا يمكن لوزير أو مدير في شركة عامة أن يدفع بنفسه لموقع الشبهات من أجل بعض المكتسبات البسيطة، ولكن من حوله ولإرضائه يتخذون بعضاً من الإجراءات التي تنطوي على مخالفات وإن تكن بسيطة في قيمتها المادية تبقى فادحة في دلالتها المعنوية، وربما كان المسؤولون الفاسدون أصلاً من الأكثر حرصاً على تجاوز هذه المطبات الصغيرة، وعلى إظهار صورة الحرص على المال العام والإفراط في المظهرية الزائدة بخصوصها.
الرقابة يجب أن تكون مستمرة ومتواصلة ويومية وأن تكون حاضرة في كل اجتماع ولقاء، وليست مجرد تقرير ينشر سنوياً ليقوم بمشاغلة الرأي العام لأيام بينما العديد من الملفات المهمة يجب أن تتخذ صفة العاجل والطارئ والبالغ الأهمية ومنها ملفات تتعلق بالفساد والهدر المالي الكبير والمؤثر.