كتاب

نهاية حقبة كلينتون

كانت الأحداث التي تتابعت في أوروبا الشرقية ووصلت إلى ذروتها بتفكك الاتحاد السوفييتي تعلن بداية عصر جديد في الولايات المتحدة الأميركية، عصر ينتج سياسييه وقادته الجدد، ومن بينهم كانت هيلاري كلينتون زوجة حاكم أركنساس في ذلك الوقت بيل كلينتون، وصاحبة الدور الكبير في مسيرة زوجها السياسية.

كلينتون مثلت طبقة كاملة من المهنيين الأميركيين الذين وجدوا العالم أمامهم مفتوحاً لتكوين امبراطورية جديدة لن تحتاج إلى جيوش كبرى أو حروب طاحنة، أو حتى استثمارات كبيرة في البنية التحتية كما كانت تفعل الشركات الأوروبية في مستعمراتها، فكل ما يريده العالم في المرحلة الجديدة هي أختام الجودة الأميركية، ومن يستطيع أن يستحوذ على هذه الأختام سوى الشباب الذي تكونت شخصيته في سنوات الحرب الباردة.

بينما كان زوجها بيل كلينتون حاكماً في أركنساس لم تتوقف السيدة كلينتون عن ممارسة العمل بالمحاماة واستطاعت الحصول على عقود كبيرة بناء على علاقات مرتبطة أصلاً بوضعها السياسي، وشهدت تلك المرحلة تكوين طبقة سياسية جديدة من النيوليبراليين الذين رأوا نجاحات مارجريت تاتشر ورونالد ريجان ولكن سعيهم كان مرتبطاً بإعطاء هذه التوجهات لمسة إنسانية أنيقة، وهيلاري كانت أحدى الشخصيات المؤثرة في العالم الأميركي الجديد.

أميركا أكثر انفتاحاً على العالم كانت تعطي مزايا لهذه الطبقة من أجل الحصول على فرص في كل مكان حول العالم، وحتى لو على حساب المواطنين العاديين في الولايات المتحدة، وقبلهم بالطبع جميع المواطنين الذين اعتادوا أن يعيشوا في نمط اقتصادي يقوم على الحماية ويسعى لتحقيق الرعاية لمواطنيه، وهرعت هذه الطبقة لتلتقي مع الشركات والتكتلات المالية لتقوم بتحريك جميع القوانين بما يحقق مصلحة هذه النخب، ولم تعد القصة ترتبط بجمهوري أو ديمقراطي في الولايات المتحدة، وإنما أصبحت تتعلق بقدرة الفريقين على تحقيق مكتسبات جديدة من الاستحواذ على مناطق متسعة في العالم.

كلينتون وبوش أحدثا تقدماً في السياسة التدخلية الأميركية، فتجاوزت فكرة الوكلاء المحليين مثل بينوشيه في تشيلي، لتنتقل إلى إحداث تغييرات جذرية وشاملة بأي طريقة ممكنة حتى لو كانت الحرب أو تنظيم الثورات العابرة للدولة المحلية باتجاه تكوين تكتلات كاملة لا تعمل من أجل الدفاع عن مصالح استراتيجية أو أمنية ولكن لبناء فرص جديدة في السيطرة على الأسواق والأصول الاقتصادية في العالم.

خسارة كلينتون في الانتخابات لم تكن ضربة موجهة للحزب الديمقراطي، أو انتصاراً للحزب الجمهوري، ولكن فرصة جديدة للالتفات للمواطنين الأميركيين الذين وضعهم ترامب أمام حقائق الاستيلاء على نمط حياتهم من أجل فتح الأسواق الأميركية أمام منتجات شركات أميركية تعمل في الخارج لتخفيض التكلفة، وتجني أرباحها في كل مكان وعلى حساب الجميع، ولا يعني ذلك أن ترامب سيقوم بدور ملائكي، ولكنه على الأقل، سيقوم بتحجيم طبقة الوسطاء والسماسرة واللاعبين على هامش هذه العلاقات الدولية المعقدة لمصلحة المنتجين المحليين وأصحاب المزارع والمصانع الأميركية، وسيجعلهم يحافظون على نمط حياتهم وسياراتهم ذات السعة الضخمة، وساندويش الهامبرغر الذي يكفي لعشاء أسرة كاملة في افريقيا أو آسيا.

بأفول عصر كلينتون يوجد من سيربح ومن سيخسر، ولكن حلقة الربح والخسارة لن تقتصر على الولايات المتحدة وحدها وستمتد لتشمل الكثيرين حول العالم كله.