كتاب

ثقافة الاختلاف لا الخلاف

- الإختلاف بين البشر أمرٌ طبيعي ، فقد خلق الله عزّ وجلّ الناس مختلفين ولا يزالون كذلك « ولو شاء ربُّك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مُختلفين « ( سورة هود118 ).

إنّ أهمية الإختلاف بين أجناس البشر ، يكمن أولاً في التواصل مع الآخر ، لا سيمّا لاكتشاف الآخر وما عنده من تنّوعٍ وغنىً.

ثانياً: وسيلة تكامل. لقد خلقنا الله تعالى مختلفين ، لنتعارف لا لنتعارك ، ولنتكامل لا لنتصادم... وإنّ هذا التكامل يفسرّ لنا كيف أن الإنسان لا يعيش منعزلاً عن المجتمع ، بل يُلبيّ حاجاته بالتعاون مع أفراد المجتمع. فعلى سبيل المثال: الرجل والمرأة مختلفان ، ولكن كلّ منهما يكمل الآخر على أكثر من صعيد.

ثالثاً: سبب ارتقاء: إن التكامل بين البشر يؤدي حتماً إلى الإرتقاء والتقدم ، وهذا ما يحصل ، في المجال العلميّ و التكنولوجيّ.

فاذا كان الإختلاف والتعددية بين البشر هاماً ومفيداً ، ولا سيمّا لجهة التقرب من الآخر والتكامل والإرتقاء إلاّ أن عدم استيعابه والقبول به يقودان حتماً إلى نشوء الخلافات والنزاعات والصراعات على أنواعها. ومن هذا المنطلق ، يمكننا أن نقول: إنّ أسوأ العقول هي من تحّول الإختلاف إلى خلاف « فالإختلاف في الرأي ينبغي ألاّ يودّي إلى العداوة ، والإّ لكنتُ أنا وزوجتي من ألدّ الأعداء « كما قال غاندي.

وعليه ، فالإختلاف بين البشر بنّاء ، وأمّا الخلاف فهدّام ، الإختلاف دليل صحةٍ وعافية بين الناس ، وأمّا الخلاف فمؤشّر انحطاطٍ و تخلّفٍ في المجتمع الإنسانيّ.

وعلى الرغم من تعدّد الأسباب المباشرة للخلافات ، يمكن للإنسان العاقل أن يعمل على احتوائها والتخفيف من حدتّها ، بوسائل عدة ومنها: اللجوء إلى الحوار ، واحترام الآخر في اختلافه. فالحوار لغة الإنسان العاقل ، ووجه من وجوه المحبّة ، ووسيلة حضارية للتعّرف على رأي الآخر وفهم أفكاره.

فما أحوجنا في هذه الأيام أن نتعلم ثقافة الإختلاف لا الخلاف ، وهذا لا يتم إلاّ عبر التلاقي والحوار، ومهما اختلفت وجهات نظرنا وآرائنا ، تجمعنا الإنسانية والقيم المشتركة ، ويقربنا التفاهم والتعاون.