كتاب

عمان.. طموح القمة الصفر

قبلت الأردن أن تتولى أمر التدبيرات اللازمة لانعقاد القمة العربية المقبلة، وبما يعني ضمنياً أن تتحمل مسؤولية العمل على إعادة العمل العربي المشترك ومعها الجامعة العربية إلى نقطة الصفر، ولا يعني ذلك تراجعاً، فنقطة الصفر هي طموح يحمله المؤمنون بجدوى العمل المشترك لما يمثله الوضع الراهن من تمركز عبثي في ما دون الصفر بكثير.

القمة الأخيرة في موريتانيا انعقدت بعد اعتذار مغربي مفاجئ وصادم لدولة طالما اعتبرت ضمن المتحمسين للجامعة العربية ومشروعها وسبق أن تقاسمت مع مصر والسودان والأردن قمماً عربية ساخنة أصبحت محطات في تاريخ العمل العربي، وعلى الرغم من الجهد الذي بذلته موريتانيا في ظل إمكانياتها المتواضعة، إلا أنها قمة نواكشط أتت مخيبة للآمال للدرجة التي اعتبرها البعض دليلاً واضحاً على انهيار ما يسمى بالمنظومة العربية، وبعد القمة أتت اليمن لتعتذر لأسباب منطقية ومفهومة عن استضافة القمة القادمة ليكون الأردن الدولة التالية حسب أسلوب التناوب القائم حالياً.

ستواجه الأردن تحديات كبيرة من أجل الخروج بقمة تعيد بعضاً من المكانة للجامعة العربية ولفكرة العمل العربي المشترك بشكل عام، ومستوى الحضور هو أحد التحديات التي تلفت الانتباه في القمم العربية، فحضور رأس الدولة يختلف كلية عن حضور نائبه أو رئيس الحكومة، وما يقل عن ذلك من مسؤولين في القمم الأخيرة، وتغيب رؤساء الدول العربية يعطي انطباعاً بأن القمة لا تستطيع أصلاً أن تتخذ قرارات مهمة، وأنها مجرد احتفالية روتينية ثقيلة.

ستتمكن الأردن من التعامل مع مشكلتي الحضور والتمثيل بالنسبة للدول العربية، وغالباً ما سيكون التدخل الشخصي للملك عبد الله الثاني عاملاً مهماً في تعزيز الحضور، ويتوقع أن تحضر الأردن للقمة مجموعة من المبادرات التي ستتفاعل حولها وقائع القمة المزمعة في عمان، وذلك سيكون في جانب منه مسؤولية الدبلوماسية الأردنية في المرحلة المقبلة، خاصة أن التواصل مع بعض الدول التي تحمل وجهات نظر متباينة تجاه الأزمات الجارية في المنطقة مسألة ضرورية لضمان عدم تحول اجتماعات القمة إلى منصة للتراشق بين المشاركين.

القمة مهمة بالنسبة للأردن من أجل وجود تسويق مجموعة من القضايا ذات الأولوية القصوى بالنسبة للأردن والتي تراجعت مكانتها على الأجندة العربية نتيجة الظروف الراهنة، ومن أهمها القضية الفلسطينية التي تشهد تطورات متسارعة لا تجد أمامها سوى ردود أفعال أردنية تبقى مهما كانت عالية النبرة في حدود الأردن، ولا سيما أن الأسرائيليين يعلمون تماماً أن الأردن لا يلقى الحد الأدنى من الدعم في القضايا الرئيسية وفي مقدمتها قضية القدس.

لا يمكن التعويل بالطبع على نتائج ملموسة، ومهما كانت الأوراق التي ستطرح في قمة قادمة بعمان فإن شيئاً لا يمكنه أن ينقل فكرة التضامن العربي بين عشية وضحاها إلى خطوات عملية على الأرض، وقصارى الطموح الأردني، ومن منظور الواقعية السياسية، يتمثل في الوصول إلى الصفر وهو قمة غير قابلة للتفجير من الداخل تستطيع أن تستوعب حالة العزوف والإحجام الذي شهدته القمم السابقة، وتمكن من التأسيس لمرحلة جديدة ستنتظرها الكثير من الملفات الساخنة على جميع المستويات، ومرة أخرى، ودون إفراط في التفاؤل والسذاجة، فإن القمة لن تكون نقطة تحول كلية ونهائية، ولكنها ستوفر في الحد الأدنى شروطاً أفضل للتفاوض في ملفات واستحقاقات إقليمية ولا يمكن تأجيلها.