الأغنية العراقية الحديثة تتخلى عن جذورها وتلحق بالموجة السائدة

الأغنية العراقية الحديثة تتخلى عن جذورها وتلحق بالموجة السائدة

عمان - سارة القضاة -  وصلت الأغنية العراقية ـ ما بعد الاحتلال - إلى مرحلة صار لا بد من البحث عن حلول لها، تنشلها من الانحطاط الثقافي والانحلال من العادات والتقاليد العربية ، فقبل أشهر قليلة اكتسحت أغنية «البرتقالة» الفضائيات العربية،  لتلحقها أغنية «اليوسف افندي» برقصها الماجن، ونافستهم «التفاحة» بنفس المواصفات والمقاييس، واليوم قد لا تكون مفاجئة أن نجد الأغنية العراقية تغازل وتتغنى «بالبيتنجانة» السوداء، فهي بالنهاية نوع من أنواع الخضروات والفواكه، وتستحق أن تدخل عالم الفن من أوسع أبوابه.
ولا يجد المتابع لهذه الأغاني نفسه إلا مذهولا بما يراه ويسمعه، ويطلق العديد من المشاهدين العرب تعليقات ساخرة تهزأ مما يحصل للأغنية العراقية، التي ظلت لعقود طويلة رمزا للأصالة، وشاهدة على الحضارة العريقة، بمنأى عن كل ما يحصل للأغنية العربية بشكل عام من انحدار وهبوط في مستوى الكلمة واللحن والأداء، وكانت الأغنية العراقية تحمل الكثير من عبق التراث، وتروي في كلمات أغانيها تاريخا لبلد ظل دائما رمزا للقوة، فلماذا نجد هذه الأغنية اليوم في انحدار ونقف متفرجين عليها، هازئين منها، وكأننا ننتظر اليوم الذي تسقط فيه. 
وان كانت الأغنية العراقية تعد سابقا ملح الكلمة الصادقة، فإنها اليوم، بسبب هذه الموجة من الأغاني الهابطة، غدت شاهدة على مرارة الاحتلال، ودليلا على أن الاحتلال اخذ من ثقافتنا كل ما هو جميل، ليبث سموم عولمته في أفكار الشباب العربي عموما والعراقي خصوصا، وعلى الرغم من أن أغاني الناس تبقى حاملة الأصالة وحبهم للوطن والحياة البسيطة، بكلماتها الصادقة التي تحمل النقاء والأداء المميز، إلا أن الألم الذي ينتاب المتلقي عند مشاهدة موجة الأغاني الجديدة تدفعنا لنسيان كل ما هو جميل، وتركيز أبصارنا على العطب الذي أصاب أغنيتنا.
ولعل أكثر ما يدعونا للحديث عن الأغنية العراقية، ومهاجمة الهبوط الذي انتابها، أنها اغنية ذات نكهة خاصة، وترتبط ارتباطا وثيقا بالموروث العراقي، وتصيب وجع الشعب العراقي دون استئذان، فهي لسان حالهم، والناطق الخفي عن أمالهم وأحلامهم، وهي تتميز عن باقي الأغاني العربية بكونها مستلة تدور في فلكها الخاص، تؤثر بمن حولها دون أن تتأثر بغيرها.
وأصبحت الأغنية العراقية، التي خرج من جلبابها أهم مغني المقامات العراقية، والأغاني الشعبية والتراثية أمثال ناظم الغزالي، حسين الأعظمي، سعدون جابر، ياس خضر، محمد القبنجي، سليمة مراد، زهور حسين وغيرهم من الأسماء الكثيرة التي استظلت بوارف أصالة الأغنية العراقية، تعاني من مرض العولمة الذي فتك في أعضاء الجسد العربي، وغدت كغيرها من الأغاني العربية، تلهث وراء الربح والشهرة السريعة، مستغلة جسد المرأة، والكلمات والألحان المبتذلة، متغافلة عن التاريخ الذي أسسه العراقيون لأغنيتهم.
والإجابة على كل من يقول أن الأغنية العراقية بخير هي: لا ليست الأغنية العراقية بخير، بل تخطو خطوات سريعة نحو الهواية، فالأغاني التي ظهرت مؤخرا لا تمت بصلة لما كانت عليه الأغنية العراقية سابقا، ويراه المشاهد العربي على الفضائيات العربية لا يمت بصلة للثقافة العربية، بل ما هو إلا تقليد للموجة السائدة في الأغنية العربية في الوقت الحاضر، والتي تفتقر إلى المضمون والحس الموسيقى العربي الأصيل، الذي ظل رمزا على التفوق الموسيقي العربي.