هذا عنوان كتاب الأستاذ عبد اللطيف يوسف الحمد رئيس مجلس إدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، الرجل شخصية اقتصادية عربية مرموقة لها بصمات بارزة في مجال التنمية العربية والتعاون العربي المشترك.
في كتابه السابق الصادر عن دار الشباب للنشر 1987/ الكويت يُقوّم الكاتب «تجربة التضحية العربية من منظور الاعتماد على الذات». يفعل ذلك برؤية قومية رشيدة تضع التعاون الاقتصادي العربي المشترك في أولوياتها.
«إن نظرة خاطفة على أحوال وطننا العربي، تجعلنا نكتشف أهمية تبنّي «الاعتماد على الذات» كطريق ملائم وممكن لبناء مشروعنا التنموي الحضاري العربي». ص8
مثل هذا المشروع يحتاج في نظره إلى دعم من «دول الوفرة المالية» والمعني طبعاً الدول النفطية.
بتحقيق هذا المشروع التنموي الحضاري العربي يقلّ «تزايد اعتمادنا على العالم الخارجي تمويلياً وغذائياً وتجارياً وتكنولوجياً».
يناقش عبد اللطيف الحمد مفهوم التنمية العربية والاعتماد على الذات مناقشة موضوعية تتوخّى الوصول إلى «نمط جديد للتنمية العربية الجماعية من حيث استهداف حصر الموارد العربية وتخطيط استغلالها وتنميتها بأقصى درجة ممكنة من الكفاءة وأعلى مستوى من التشغيل لتحقيق أهداف تنعكس إيجابياً على جميع الأقطار العربية ومقوماتها الاقتصادية». ص11
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا لا يحصل مثل هذا الحلم العربي على النحو المنشود؟
لماذا نشهد اليوم مأساة عربية وإسلامية مريعة يتم من خلالها تبديد الطاقات العربية بدلاً من حشدها لمثل هذا المشروع التنموي الحضاري العربي؟
عبد اللطيف الحمد الغيور على مستقبل أمته العربية والإسلامية يدعو إلى «تنمية جماعية: تتم على نحو غير عشوائي مُفتقر إلى برمجة عربية مشتركة. التنمية العشوائية لن تثمر الخير المرجوّ، سرعان ما تفشل وتعترضها معوقات كثيرة. وفي ظل الظروف العربية الحالية فإنه يدعو إلى ضرورة «قيام تنمية عربية جماعية تتكامل مع جهود التنمية القُطريّة» وحتى ننجح عربياً في ذلك ينبغي «توطين قاعدة علمية تكنولوجية عربية بهدف تعظيم الإنتاج العربي وتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الذات». ص14
هل تبقى هذه الرؤية الواقعية لِـ «مفهوم التنمية العربية» مجرد حلم أم أنها يوماً ما ستتجاوز هذا «الحلم» ؟
ينتقد عبد اللطيف الحمد الواقع الحالي للبلدان العربية. فهي من حيث «التقنية والمعرفة الفنية» تعتبر «مستهلكة وليست منتجة» لها، علماً بأن إمكانات التمويل متوفرة لها لتحقيق ذلك!
وهنا يدعو هذا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة «توجيه استثمارات ضخمة إلى مجال البحث والتطوير العلمي لاكتساب المهارات واستيعاب المعرفة الفنية اللازمة لإنتاج الآلات والمعدات بدلاً من استيرادها والاكتفاء بتشغيلها»! ص20
«إن التنمية الاقتصادية الشاملة تعتمد على الثورة الفنيّة. وبدون ذلك لا يمكن أن نتوقع للوطن العربي أن يصل إلى مرحلة الانطلاق الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثمّ تحقيق تنمية تعتمد على الذات». ص20
ينتقد المؤلف إخفاق كثير من الاتفاقات الاقليمية والثنائية العربية التي طالما ركّزت على تحرير التجارة العربية البينية وإزالة العوائق أمام توسيع نطاق تلك المبادلات. ينتقدها لأنها «بقيت بعيدة عن الوصول إلى غاياتها».
والسبب – كما يرى – هو «غياب التنسيق والتكامل في خطط الإنماء الاقتصادي والاجتماعي العربي». ص21
وهذا يعني غياب الاستراتيجية القومية التي يؤدي غيابها إلى تعثّر جهود السعي للتكامل والاستغلال المشترك للموارد. وقد أدّى ذلك بالضرورة إلى «تعميق التبعية بكافة أشكالها للأسواق الخارجية». بقي أن أتساءل متى ننجح عربياً في إنهاء هذه التبعيّة !