«قلبي معكم وسلامي لكم
يا منزرعين في منازلكم
قلبي معكم وسلامي لكم»
من ينسى..
أو من يذكر شارة البرنامج الذي كان يبث على أثير عمان، لا بد أنه يعود بالمخيلة السمعية لهسيس الصوت الذي يفيض بالحنين، للإعلامية الراحلة كوثر النشاشيبي في «رسائل شوق».
بعد سنوات على رحيل الإعلامية والفنانة النشاشيبي ذات القلب الكبير، والصوت النبيل والروح الطيبة، ما تزال أصداء الكلمات تتردد ، وتحلق مثل طيور مغردة للحلم في المساحة التي تركها البرنامج الذي كان في مثابة «الديوان»، وما يزال الناس يذكرون المواقيت قبيل نشرة الأخبار حينما يجيء الصوت ببحته المحببة ولغته العربية الفصيحة، رسائل شوق» فيظن كل منا أنها رسائل موجهة له، لفرط ما تخاطب مقدمة البرنامج أرواحنا.
كان البرنامج جسراً، وفضاء للوصل ونقل المكاتيب ، وحتى بعض ما يمكن أن تقوله امرأة بسيطة لابنها المغترب وهي تذكره بما أرسلت له مع جارهم بعدد «تنكات الزيت»، ومرتبانات الزيتون والزعتر. يصغي لها المستمع ببهجة، وربما بحزن ما يشعر الأب بما تحيله الرسائل من شجن.
كان البرنامج يستحضر الشجن بصوت شجي، والشوق بما تختار من أغنيات وموسيقى تداعب الروح.يقول الروائي هزاع البراري في مقال بـ»الرأي» بقيت الإعلامية كوثر النشاشيبي الصوت الحي، الذي حمل أشواق وأحلام وآمال، من حالت بينهم وبين وطنهم فلسطين ؛جيوش الاحتلال وحقول الألغام والأسلاك الشائكة. غير أن النشاشيبي وعبر اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية ، قدمت صوتها العابر لكل تلك الحواجز، ليكون صوت الحق الذي لا يغيب، وصدى الصامدين في الأرض المحتلة، وعنواناً لمرحلة طويلة من النضال العربي، عندما كان لا سبيل للتواصل بين الأهل في الضفة الغربية، ومن بين من انتشروا في الضفة الشرقية والدول العربية، إلا من خلال صوتها.
كانت تنقل رسائل الأهل عبر أثير الإذاعة ، حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، فقد كان الصوت الشجي الذي تنتظره الآذان والمهج كل يوم، حتى أصبح هذا الصوت المحمل بأحلام المنتظرين، مكونا أساسيا في أثير كل عائلة، بل غدت ضمير المرسل ولهفة المتلقي، فسكنت القلوب ولم تغادر الذاكرة.
بدأت النشاشيبي العمل في إذاعة رام الله، من خلال تقديم برامج للأطفال، وانتقلت عندما أقنعها الشهيد وصفي التل للالتحاق بإذاعة عمان. وواصلت مسيرتها عام 1965 ولمع اسمها في فضاء الوطن، فكانت شاهدة عيان على أحداث مسارات فاصلة في تاريخ المنطقة الحديثة، و دخلت كوثر النشاشيبي كل بيت، وسكنت كل القلوب.
كتبت عدداً من المقالات، وقامت بتأليف مجموعة مسرحيات ناجحة، وشاركت بالتمثيل في عدد منها،: الأشقياء ، العز بهدلة ، علي بابا والأربعين حرامي ، وأعمال درامية في الإذاعة والتلفزيون، منها مسلسل « إبراهيم طوقان ، وضم كتابها» منار» خبراتها في الحياة والعمل، وأطلق عليها زملاء في الوسط الإعلامي لقب» أم المذيعين الأردنيين ، والناطقة غير الرسمية باسم المبعدين واللاجئين الفلسطينيين».
غادرت الحياة مترجلة إلى القدس ، مسقط رأسها في الثالث عشر من أيلول عام 2004 وبقي صوتها يردد
«قلبي معكم وسلامي لكم».
