استحوذت المغرب على حصة معتبرة من القمم العربية في المرحلة التي كانت القمة العربية تعتبر حدثاً سياسياً وإعلامياً على درجة كبيرة من الأهمية، ومع التغيرات التي حدثت في المنطقة، وتواصل محطات الفشل التي منيت بها منظومة العمل العربي المشترك من خلال الجامعة العربية أصبحت القمة العربية مثل كرة ملتهبة دفعتها المغرب بعيداً واعتذرت عن تنظيم القمة الأخيرة، وبشكل أو بآخر، أعلنت الرباط تأبين الجامعة العربية وتلقفت كرة اللهب نواكشط التي تبحث عن دور ما على خريطتي الحدث العربي أو الإفريقي.
تعرضت طموحات الموريتانيين للإحباط مبكراً، وكان تواجد القمة في الأخبار يأتي في سياق الانتقاد للقدرات التنظيمية المتواضعة لموريتانيا، والبعض تجاوز حدود اللياقة ليحول هذه النقطة تحديداً لموضوع للتندر والسخرية، وتقاطرت الوفود للإقامة في المغرب حيث تتواجد الفنادق والمنتجعات الفارهة، وذلك هرباً من مشاركة الموريتانيين في تحدياتهم الحياتية اليومية والتعامل مع البنية التحتية الضعيفة بما يتماشى مع الآداب التي يجب أن يبذلها الضيوف.
نواكشط كانت تأبيناً للجامعة العربية بتمثيلها المتواضع، واختزال الاجتماعات والشخصية الباهتة لأمين الجامعة وتغييب القضايا المهمة والحرجة لتجنب تفجير قمة ساخنة في غير توقيتها على الأقل بالنسبة لكثير من الأعضاء المؤثرين.
منذ اللحظة الأولى لم تكتسب الجامعة العربية الاستقلالية المطلوبة ولا حصلت على التمكين الضروري لأي منظمة إقليمية تسعى لأن تلعب دوراً مؤثراً في منطقتها، وواصلت الجامعة خضوعها للصراعات العربية والتنافس على الزعامة دون أن تعمل في المقابل على تحجيم النزعات الاحتكارية والتي شهدت فصلين مهمين كان الأول مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي تمكن فعلاً من توظيف الجامعة العربية لتصبح أحد أدوات مشروعه الشخصي وتصوره القومي، وأتى بعد ذلك الرئيس العراقي صدام حسين ليضع الجامعة في افتراق غير مسبوق وتنافس محموم على الزعامة مع مصر التي كانت خرجت من المقاطعة العربية واستعادت مقر الجامعة ومنصب الأمين العام، وتمكنت مصر في المقابل من توظيف الجامعة مرة أخرى لتفرض وجهة نظرها، وبحيث دخلت الجامعة في مرحلة من الموات الكامل مع الأداء المتواضع للرئيس مبارك على مستوى العلاقات العربية.
هل يعني ذلك ضرورة التخلص من الجامعة؟
من حيث المبدأ ربما يكون المخرج الوحيد المتاح هو تأسيس منظمة جديدة على أسس مختلفة وشروط مغايرة لتلك التي فرضتها مرحلة الاستقلال المبكر للدول التي أسست الجامعة في الأربعينيات من القرن الماضي، وربما أثبتت التجربة التاريخية ضرورة تغيير المؤسسة ذاتها في حال وصولها إلى الفشل الصريح أو إلى طريق مسدود تجاه إصلاحها وإعادة تفعيلها، وذلك ما حدث مع عصبة الأمم التي اختفت من الوجود لمصلحة ظهور الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من أنه ليس من الممكن أن توصف الأمم المتحدة بالمنظمة الفاعلة أو الناجحة، إلا أن وضعها الراهن يبقى أفضل بمراحل من الوضع الذي كانت عليه عصبة الأمم.
التحديات العربية في جانب كبير منها ذات صبغة إقليمية، فصعود القوى المنافسة والتي تطمع في مزارع استراتيجية مجاورة يشكل تحدياً ملحاً يجب التحرك تجاهه، وليس بالضرورة من خلال الحروب المباشرة أو غير المباشرة، والمشكلة أن الطموحات الإقليمية لا تتوقف اليوم عن تركيا وايران ولكنها أيضاً تشمل أثيوبيا المتطلعة لزعامة شرق افريقيا، وحتى دول شمال المتوسط وخاصة ايطاليا وأسبانيا التي تبحث عن دور مستقل عن الاتحاد الأوروبي.
متى يعلنون وفاة الجامعة العربية؟
12:00 7-9-2016
آخر تعديل :
الأربعاء