عمان -بترا
واكبت صحيفة المستقبل الباريسية مجريات الثورة العربية الكبرى خلال الفترة بين 1916 و 1919، مبرزة الاحداث العسكرية والسياسية بكثير من التوازن والتدقيق رغم الالتباس في توجهاتها القومية.
يسرد بحث للدكتور مؤيد العقرباوي تحليلا ومضمونا وقائع الثورة قبل وبعد انطلاقها والمواقف حيالها، مشيرا الى ان جريدة المستقبل صدرت في ظروف سياسية وعسكرية معقدة، بالتزامن مع الحرب العالمية الاولى، والتي كانت من أسباب صدور الجريدة كما أفصحت حين صدورها.
وصدر العدد الاول من الجريدة في 7 جمادى الاولى 1334 هـ "3 آذار 1916"، وبدأت تصدر كل يوم جمعة من باريس، ثم أصبحت تصدر مؤقتا في 10 و20 و30 كل شهر، وتزامن صدورها قبل ثلاثة اشهر من انطلاق الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران 1916 مع نهاية مراسلات الشريف حسين – مكماهون في 30 كانون الثاني 1916، وفي إصداراتها الاولى اوضح (مكماهون) في الرسالة الرابعة ان بريطانيا وافقت على مطالب العرب في تحقيق الاستقلال في مناطق الحجاز وبلاد الشام والعراق كما ورد في رسالة الشريف حسين الاولى.
وجاءت هذه المطالب بناء على ميثاق دمشق الذي عقد عام 1915 ورسائل النواب العرب في مجلس المبعوثين في البرلمان العثماني وعددهم ثلاثة وثلاثون نائبا، اما بالنسبة لمضمون مراسلات الشريف حسين – مكماهون فقد نشرتها الجريدة تحت عنوان "انكلترا وعرب الحجاز" تعريبا عن جريدة الطان الصادرة في 18 ايلول 1919.
وقد اوردت الجريدة خلاصة العهود بين الحكومة الانجليزية وشريف مكة الحسين، الذي صار فيما بعد ملكا على الحجاز، بشأن الحدود العربية في الشرق، وهي محصورة في ثماني رسائل او أسناد حررت بين تموز 1915 وكانون الثاني 1916، وفي تموز 1915 تعهد الشريف بعضد الحكومة البريطانية عضدا حربيا لقاء "استقلال العرب في الحدود الآتية شمالا، في منطقة ذاهبة الى مرسين وأدنة ومن ثم الى الدرجة السابعة والثلاثين عرضا حتى حدود فارس وخليج البصرة، وجنوبا الى الاقيانوس الهندي وعدن مستثناة، وغربا الى البحر الاحمر وبحر الروم حتى مرسين"، وفي 30 آب 1915 اشتمل جواب السير هنري مكماهون "على ابهام كبير، وإشارة الى ان المناقشة بشأن الحدود المقبلة لم يأت وقتها".
وعند موافاة وزارة الخارجية بالرسالة أضاف السير هنري مكماهون عليها النص التالي: "إذا احتلت فرنسا الاقضية العربية البحتة الآتية وهي حلب وحماة وحمص ودمشق، ستصير مقاومة عنيفة من الجهة العربية، والغرب قابلون ببضع تبديل في الحدود الشرقية والجنوبية التي اقترحها شريف مكة شريطة استثناء الاقضية الاربعة المذكورة من كل مناقشة".
وفي 24 تشرين الاول 1915 بعث السير هنري مكماهون، بأمر من حكومته، برسالة الى الشريف تحتوي على المذكرة الآتية: "ان قضاءي مرسين والاسكندرية والحدود السورية الواقعة غرب اقضية دمشق وحمص وحماة وحلب لا تحسب عربية بحتة، بل ينبغي استثناؤها من الحدود التي ستصير قيد المناقشة"، وقد كلفت الحكومة البريطانية عميدها في مصر بإعطاء التأكيدات الآتية جوابا على رسالة الشريف فيما يختص بالأراضي الداخلة في هذه الحدود، والواقعة تحت نفوذ بريطانيا العظمى، دون ان يلحق من دخولها تحت النفوذ البريطاني إجحاف بمصالح حليفتها فرنسا، وهذه التأكيدات هي: "تعاهد بريطانيا العظمى العرب بالاعتراف بهم ومساعدتهم على الاستقلال في داخلية الاراضي والحدود المذكورة في اقتراح شريف مكة على شريطة التقيد بالتغييرات المذكورة في صدر المذكرة هذه".
وفي 5 تشرين الثاني 1915 أجاب الشريف حسين على رسالة السيد البريطاني، "يعترف فيها باستثناء مرسين وأدنة من الشروط، ولكن يطلب دخول الاراضي الاخرى في الشروط وفي جملتها بيروت خاصة"، وفي 13 كانون الاول 1915 اعترف السير هنري مكماهون باستثناء مرسين وأدنة من مطالب الشريف، وفي الأول من كانون الثاني 1916 تراجع الشريف عن عزمه المطالبة بلبنان، "كي لا يعكر صفو المصالحة بين فرنسا وبريطانيا واعلان انه يأتي على ذكر حقوق الحجاز في لبنان بعد نهاية الحرب".
وفي 30 كانون الثاني 1916 بعث الشريف برسالة الى السير هنري مكماهون تفيد بأنه (الشريف حسين)، "يتحايد كل ما من شأنه الإضرار بمحالفة فرنسا وانكلترا وإنذار للشريف بأن الصداقة بين فرنسا وانكلترا ستظل على حالها بين الدولتين".
ويقول الدكتور العقرباوي ان المتأمل في أعداد جريدة المستقبل التي صدرت قبل انطلاق الثورة العربية الكبرى من العدد 1- 19 يلحظ ان بعض الفاعليات العربية التي كانت تتوجه الى فرنسا مطالبة بالدفاع عن حقوق العرب في سورية، ويقصد بسورية هنا سورية الطبيعية (بلاد الشام) "لم تؤكد على مطالب الثورة العربية الكبرى، ويبدو السبب هو ان هذه المراسلات لم تظهر بعد على ارض الواقع لدواع امنية "خوفا من كشف ذلك التحالف من قبل حزب الاتحاد والترقي فتزداد وتيرة الانتقام على العرب".
وتحدث اول مقال في هذه الجريدة للكاتب احمد الهادي بعنوان "مستقبل سوريا"، وبدا واضحا أن الكاتب "لا يعلم شيئا عن اهداف الثورة العربية الكبرى ولا يعرف مصير مستقبل سوريا، حتى انه لم يعرض حلولا لمستقبل سوريا، غير انه اكد ان سوريا مريضة وداؤها أنها تحت سيطرة الاتراك، ولكنه فشل في ايجاد الدواء لها".
موقف جريدة المستقبل من الثورة العربية الكبرى بعد انطلاق الثورة في 10 حزيران 1916
وكان العدد 20 من الجريدة الصادر في 14 تموز 1916 هو أول عدد يتناول ثورة الحجاز (الثورة العربية الكبرى)، اي بعد انطلاقة الثورة العربية الكبرى بأربعة ايام حيث بدأ الاهتمام بأخبارها والحديث عن شخصياتها وزخم عن احداثها، وتضمن عناوين منها "الشريف علي حيدر الذي تم تعيينه بدلا من الشريف حسين"، وتناول تأصيل الثورات العربية بقيادة الاشراف ضد الدولة العثمانية، مستعرضا ثورة 1854 بقيادة الشريف عبد المطلب، والتي استطاعت الدولة العثمانية القضاء عليها.
كما تناول العدد مقالا آخر بعنوان "اليوم جاء الشريف حسين بن علي ليعلن الثورة الثانية على الاتراك" والذي اطلقت عليه الجريدة (صاحب الدولة والسيادة)، وكذّبت الجريدة ما نشره الترك من ان "الشريف حسين بن علي موالٍ لهم ومخلص لعهدهم وأنه اتخذ الوسائل اللازمة لإخماد نار الثورة، فإذا كان هذا صحيحا"، على حد قول الجريدة، "فلماذا عزلوه وعينوا الشريف علي حيدر بدلا منه؟"، ورأت الجريدة في هذا المقال "انهم ارسلوا الشريف علي حيدر من قبلهم من اجل معرفة مطالب وشروط الشريف حسين بن علي".
وكتب احمد الداري مقالة بعنوان "المسألة العربية" ذكر فيها ان البرقيات توالت في الايام الاخيرة حول حدوث ثورة الحجاز وشبه جزيرة بلاد العرب وكربلاء. واستعرض الداري "تاريخ الثورات العربية خلال القرنين الأسبق والسابق واوائل هذا القرن وصولا الى نهضة صاحب السيادة والدولة حسين باشا شريف مكة المكرمة على الدولة التركية مهرا بلاد الحجاز من رجسها وشرورها وآثامها معلنا استقلال جزيرة بلاد العرب كلها"، واعتبر ثورة الحجاز امتدادا لثورة الامام يحيى في اليمن عام 1905 والاتفاق بين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب وثورات عسير والعراق.
وبدأت الجريدة تهتم بالنتائج الاولية التي حققتها الثورة من الناحية العسكرية الميدانية بامتدادها في بلاد اليمن والحجاز واستيلاء الشريفين علي وعبدالله على الحصون في الطائف وجوار مكة المكرمة وتضييق الشريف فيصل الحصار على الجنود التركية في المدينة المنورة، ولو شاء لاستولى عليها في يوم واحد الا ان احترامه لمقام جده فيها عليه الصلاة والسلام ورعاية لعادات العرب وعواطف المسلمين رفض اطلاق النار على من احتمى فيها.
ولم تقتصر الجريدة على نقل الاخبار من المصادر العربية، بل سعت الى ترجمة العديد من المقالات والاخبار التي تحدثت عن الثورة العربية الكبرى في الصحف الغربية، ونقلت جريدة المستقبل فحوى المقالين اللذين نشرتها جريدة باري ميدي عن ثورة الحجاز بتوقيع كاتب مستعار باسم لوسيان ثان كوستين، بحث فيهما اسباب ثورة العرب، قائلا "إنها اسباب معروفة لدى الجميع وهي ان ظلم الترك واستبدادهم كانا سببا في هذه الثورة"، وتوقع ان يكون لها تأثير كبير في مستقبل الدولة التركية بفقدها لقب دولة الخلافة واعتبار العالم الاسلامي لها.
ونقلت الجريدة باهتمام مدى تأثير الثورة العربية الكبرى على الواقع العربي، وافردت لذلك مقالا بعنوان "تأثير الحركة العربية في مصر"، كما بادرت الى استيضاح آراء بعض افراد الامة العربية، فكان منهم حضرة محمد بك وحيد الايوبي الذي وصفته بالحر الجريء، وكاتب صادع بالحق وموال لسمو الخديوي السابق ويتحدر نسبه الى السلطان صلاح الدين الايوبي حيث وصف هذا الرجل الشريف حسين بما يلي: "كان لخبر اعلان صاحب الشرف السمو الرسولي المكرم مولانا السيد الشريف المعظم استقلال الحجاز احسن وقع في نفوس المصريين الذين يشكر كل منهم مولانا الامير سليل قريش المعظم، من صميم القلب كل الشكران على عزمه الشريف وعمله الشرعي المنيف في سبيل تطهير البلاد المقدسة من الظالمين والطغاة الذين نزحوا من منغوليا واندسوا بين اسيادهما العرب الكرام حتى حكموا بهم. ان المصريين بل المسلمين عموما لداعون بكل قلوبهم بأن يؤيد المولى تعالى خادم حرمه وسليل رسوله أعظم تأييد وينصره النصر الباهر المجيد".
كما اهتمت الجريدة بما نشر عن الشريف حسين من اوصاف خلقية وعلمية، وتحت عنوان "شريف مكة" نشرت جريدة المستقبل مقالا لعلي بك لطفي صاحب جريدة المرصاد المصرية، في جريدة المقطم عن حضرة صاحب الدولة والسيادة حسين باشا شريف مكة وصفا دقيقا قال فيه، "ان الشريف حسين باشا امير مكة يبلغ من العمر الثانية والستين مملوء الجسم لا بالقصير ولا بالطويل اشيب اللحية ابيض قصيرها، مستدير الوجه واسع العينين حاد النظر كبير الرأس، يعتمّ بعمامة بيضاء ويرتدي جبة وقفطانا، ويشد وسطه بحزام من الحرير على زي العلماء في مصر".
وأضاف، "ويجيد من اللغات غير العربية التركية والفارسية قراءة وكتابة، ويتكلم الانجليزية والفرنسية والروسية، وقد درسها وهو في الاستانة في قصره بنيوكدره على ضفاف البسفور على اساتذة خصوصيين قبل تعيينه في امارة مكة. وهو أول امير شريف يعرف هذه اللغات، ناهيك عن براعته في علمي التاريخ والجغرافيا، علاوة على الهندسة والحساب وعلم الفلك. اما العلوم الشرعية واسرارها فحدث عنه فيها ولا حرج، فإن كبار العلماء في مكة والمدينة والطائف يرجعون اليه في جل ما يغمض عليهم منها وله ميل عظيم الى قرض الشعر خصوصا الحماسي منه. ولقد عني سيادته بتربية انجاله الكرام تربية عصرية حسنة فتعلموا اللغات والعلوم العصرية حتى انهم يعدون من انبغ اهل الدراية والفكر في هذا العصر".
اما انجازات الثورة العربية الكبرى فقد تابعتها الجريدة بكل اهتمام تحت عنوان "في ميادين القتال"، ووصفت تلك الانجازات بقولها، "كما يربح دولة الشريف امد الله بروح جده ونصر من عنده الحجاز منهم. فقد جاء في انباء الصحف ان حامية المدينة المنورة المحاصرة فيها حاولت الخروج منها فقتل منها العرب 2500 رجل واضطرت ان تعود الى حصونها ولكن لا بد لها من التسليم القريب".
كما اهتمت الجريدة بالخطوات الجريئة للشريف حسين لحسم الانتصارات في الميدان وإنهاء العلاقة مع الاتراك، وسردت اوامر الشريف حسين الى نجله الشريف فيصل بمهاجمة المدينة المنورة من اجل ايقاف النجدات التركية ومنعها من الوصول اليها. وعمل الشريف حسين على زيادة قوته العسكرية قبل ان يتوسع في البلاد العربية، وسعى الى تلك القوة ومدها بالمعدات وتوحيد كلمته في شبه الجزيرة وخارجها.
وأشارت الجريدة الى ان الاستانة فاوضت الشريف حسين على الصلح ووعدته بمنح الولايات العربية العثمانية استقلالا اداريا واسعا واعطائه الامتيازات التي يطلبها في الحجاز، ولكن سيادته كان اعلم من سواه بما ينويه الاتحاديون للعرب فرفض طلبهم رفضا تاما ولم يعبأ بما قالوا، وقال لهم "لقد ارتكبتم من الفظائع في سورية والعراق ما جعل الصلح محالا فيما بيننا اليوم وفي مستقبل الايام وقد حكم المدفع في الامر وسيصدر حكمه قريبا ان شاء الله".
وهذا يؤكد ما كذّبته الجريدة سابقا في مقالة تحت عنوان "الشريف علي حيدر"، من ان الشريف حسين بن علي كان مواليا لهم ومخلصا لعهدهم، وانه اتخذ الوسائل اللازمة لإخماد نار الثورة بأنهم هم الذين فاوضوا الشريف حسين من اجل التراجع عن قراره بالثورة ضد الاتراك ولكنه رفض ذلك، وتابعت جريدة المستقبل نقل اخبار الحجاز، حيث نقلت عن جريدة المقطم ان قوات الشريف حسين بقيادة الشريف عبدالله سيطرت على الطائف.
وبالنسبة لموقف فرنسا من الثورة العربية الكبرى نقلت الجريدة حقيقة موقف فرنسا في البداية تجاه الثورة العربية الكبرى، وافردت جريدة المستقبل مقالة بعنوان "الحكومة العربية الجديدة" في صحف باريس. وارسلت وفدا من المسلمين في مراكش والجزائر وتونس يعربون له عن امانيهم الخاصة نحو العرب والحكومة العربية الجديدة.
وذهبت الجريدة الى نشر تاريخ حكم الاشراف في مكة المكرمة منذ ان كانت الحجاز ولاية عام 922 هـ / 1516 م، وتناولت الجوانب الادارية في الحجاز وعدد سكانها وأهم القلاع فيها، وفي الجزء الثاني استعرضت حكام وأشراف مكة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم عندما ولى عتاب بن اسيد وصولا الى الشريف عبدالاله باشا ثم الشريف حسين بن علي.
ثم تناولت الشريف حسين بن علي، عوائده ومواكبه وألقابه، ووصفته تحت عنوان "محلية الشريف حسين" بسيادة شريف مكة واميرها، بطل الاستقلال العربي، من خلال نقل خبر عودة الوفد الذي اوفدته حكومة فرنسا الى الشريف حسين الى باريس .
واهتمت الجريدة بإجراء بعض المقابلات مع بعض قيادات الأشراف الاداريين في مناطق مختلفة من بلاد الحجاز، ومن ضمن هذه اللقاءات اللقاء مع الشريف محسن مندوب امير مكة في جدة، وتناول اللقاء الحالة الامنية في جدة والطريق الواصل الى مكة ومدى تأثر الحالة العربية بهذه الثورة والجانب الصحي التعليمي في جدة.
وفي مجال متابعة اخبار الثورة نشرت الجريدة تحت عنوان "في ميادين القتال" وصفا للانتصارات الجديدة للبطل الهمام والقائد الكبير سمو الامير فيصل وسيطرته على بئر عباس يوم 8 ذي الحجة 1334 هـ / 6 تشرين الاول 1916.
وتحت العمود "أخبارنا الخصوصية" نشرت جريدة المستقبل كتابا من جلالة ملك الحجاز والذي وصفته في البداية بأنه صاحب الجلالة الهاشمية وواسطة عقد السلالة النبوية، ملك الحجاز وسيد الجميع.
وكان مضمون الكتاب الذي ارسله في غرة صفر 1335 هـ /27 تشرين الثاني 1916 م من مكة المكرمة رد على ما ارسله كما وصفه الشريف حسين بالأديب الألمعي الشيخ علي الغاياتي وهي عبارة عن ثلاث مقالات له نشرها في جورنال دي جنيف.
وأوضح الشريف حسين المقصود بالنهضة التي قامت من اجلها الثورة العربية بأنها "خدمة الاسلام بالعرب عندما اظهر الاتحاديون عداءهم للإسلام والعرب، وأن الهدف هو جمع العرب في البلاد العربية بعيدا عن التفرقة المذهبية وأن البلاد استقلت فعلا والدليل على ذلك سيران موسم الحج على اكمل وجه وان الحجاج شاهدوا دلائل النهضة واطمأنت قلوبهم وطابت نفوسهم بتلك الدلائل، واشاد الشريف حسين بما اورده علي الغاياتي من اسباب النهضة في مقالاته وانه استطاع ان يصل الى الحقيقة والصواب".
وقد علق علي الغاياتي على هذا الكتاب بما يلي: 1- يرى منه نور الديمقراطية العربية الاسلامية يتجلى بأكمل معانيه من خلاله. 2- ان الجواب كان صريحا وصادقا وفيه روح التساوي الذي جاء به الاسلام، وكأنما ابن الخطاب هو المتكلم .
3- كان خطابه خطاب الملك العظيم كخطاب أخ لأخيه او صديق لصديقة .
4- يفرق بين الصفات التي يمتلكها الشريف الحسين وقادة الثورة من الكبرياء وورم الافوال والاعمال وهذا لم يمتلكه الترك. والحمد لله الذي ارسل الحسين بن علي بعد ان بلغ من ظلم الحكام وغلوائهم. فجاء الشريف بن الشريف مجددا لعهود اجداده الامجاد .
5- ان اسباب النهضة التي تحدث بها الشريف حسين تثلج الصدر وتقر العيون، وابرزها خدمة الاسلام بالعرب وازالة شر مؤامرات الاتحاديين بثورته صونا للجامعة العربية بعيدا عن التفرقة المذهبية. فليس اليوم بين الناطقين بالضاد مسلم ولا مسيحي ولا يهودي وانما هم جميع عرب تظلهم راية ملك عربي غايته القصوى الدفاع عن جامعتهم .
وتحت العمود " اخبار العالم الاسلامي " نشرت جريدة المستقبل بيانا ثالثا لشريف مكة وملك الحجاز وهذا مضمونه .
1- استعرض طريقة العنف والقوة التي استخدمها الاتراك ضد العرب بشكل عام .
2- محاولة حل جميع الاشكاليات مع الاتراك بالطرق السلمية ولكن دون نتيجة .
3- استعراض الاحاديث النبوية التي تؤكد على وجوب رفع الظلم والوقوف امام الظالم وازالته.
4- دعوة الى جميع افراد الامة العربية من اجل المشاركة في عملية النهضة التي قامت بها الثورة العربية.
5- ان حكومته ستعمل على اسباب الارتقاء خاصة بعد فتح ابواب المدارس للأطفال وستكمل افتتاح ابواب المدارس التجارية والزراعية والصناعية والطبية والهندسية وجميع جوانب الحياة الجديدة والعمران الحاضر على الطراز والوجه المناسب لقدسية بلادنا .
وتحت العمود "اخبار العالم الاسلامي"، نشرت جريدة المستقبل بيانا رابعا من حضرة صاحب الجلالة الهاشمية ملك الحجاز المعظم ونشر من مكة المكرمة في 10 جمادى الاولى سنه 1335 هـ/ 4 اذار 1917 م ومضمونه ما يلي: هذا البيان كان ذا طابع ديني فقد استشهد بالعديد من الآيات القرآنية التي تعد المؤمنين بالنصر والتمكين وان الظالم سينتهي ولو بعد حين وهذا ما تم بعدما ظلمت الطورانية والآن تسقط بعد هذه الثورة .
- المواقف السياسية لجريدة المستقبل والدول الغربية من الثورة العربية الكبرى بعد انجازاتها العسكرية وقرب تحقيق اهدافها: وما ان احتلت بريطانيا فلسطين في 8 كانون الاول 1917 ودخول الجنرال الانبي وبعثته العسكرية المصرية القدس في 11 كانون الاول 1917 حتى بدأت جريدة المستقبل تتبنى مواقف بريطانيا وفرنسا اللتين بداتا تنكثان عهودهما للعرب ممثلة بمراسلات الشريف حسين مكماهون من خلال توقيع اتفاقية سايكس بيكو في 16 ايار 1916 م واصدار وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 وفي الوقت نفسه كانت قوات الثورة العربية الكبرى قد احتلت مدينة العقبة.
ونشرت الجريدة الكتاب الذي رفعه الحاج ميرزا حسن رشدية مؤسس المدارس الحديثة في بلاد العجم الذي ارسله الى الجريدة وفيه مدح وشكر للشريف حسين ويتمنى له التوفيق بتحقيق اهداف النهضة العربية .
وقد رحبت الجريدة بالأمير فيصل الذي زار فرنسا في اواخر شهر نوفمبر 1918 بقولها "حل حضرة صاحب السمو الامير فيصل، ثالث انجال ذي الجلالة حسين الاول ملك الحجاز وقائد الجيوش العربية المحاربة في فلسطين وسوريا تحت امرة قائد جيوش الحلفاء العام، ضيفا كريما على فرنسا في اواخر الشهر الفائت وكان قدومه اليها على ظهر بارجة انكليزية ولما انتهى الى ثغر مرسيليا حطت للقاء سموه السلطة العسكرية والمدنية واحتفل به وقد ذهب منها الى مدينة ليون حيث صار له احتفال عظيم جدا اشتركت فيه المدينة.
وقد كتب علي الغاياتي مقالا كاملا تحت عنوان "الامير فيصل في فرنسا" الذي اغدق عليه بالأوصاف ومنها الامير العربي الهاشمي الجليل فيصل ووصف حالة الترحاب التي وجدها الامير في فرنسا ودوره في ارساء قواعد تاريخ النهضة الحجازية وانه كان في طليعة الامراء همة واقداما ثم تحدث عن خط سير المعارك التي قادها الامير فيصل الذي كان على راس الجيش الاولي بدءا بمحاصرته المدينة حتى وصوله الى الطفيلة.
ثم تناولت الجريدة انجاز الامير فيصل السيطرة على دمشق في 30 ايلول 1918 التي دخلها الشريف في 1 تشرين الاول 1918 واستلم فيها مقاليد الحكم والادارة وعين شكري باشا الايوبي الحاكم العربي الاول ودخلها الامير فيصل في 3 تشرين الاول 1918 على حصان وتجول في شوارعها.
اما على صعيد انتصارات الثورة في الحجاز فقد نقلت خبر الحامية التركية التي سلمت المدينة المنورة لجلالة ملك الحجاز حسين الاول شريف مكة المكرمة والذي صار طبقا لشروط الهدنة المعقودة مع الدولة التركية .
ونقلت الجريدة زيارة الامير فيصل مندوب مملكة الحجاز في مؤتمر السلام مجلس الشيوخ الفرنساوي فاستقبله المسيو انطونسان ديبوست رئيس المجلس لم تحدد الجريدة تاريخ هذه الزيارة ولكن يبدو انها كان في يناير 1919 لأن الجريدة نشرت هذا الخبر في 20 يناير 1919.
المدقق لما نشرته الجريدة حول زيارة الامير فيصل يرى ان اعتباره مندوبا عن مملكة الحجاز وليس مندوبا علن العرب عامة لدليل على ان هذه الجريدة تسير الى عدم تحقيق اهداف الثورة العربية الكبرى في جانب الوحدة العربية بل الاستقلال كلا على حدة.
- موقف جريدة المستقبل والدولة الغربية من تحرير سوريا ولبنان من قبل الثورة العربية الكبرى وقيام الحكومة العربية في دمشق: اولا: تحرير سوريا ولبنان وقيام الحكومة العربية في دمشق.
هذه الاسباب جعلت والي الشام يسلم المدينة لجيش العرب ونشر الراية العربية ففي 1 تشرين الاول 1918 ارسل الامير سعيد الجزائري حفيد الامير عبدالقادر تلغرافا الى عمر الداعوق رئيس بلدية بيروت بأمر من الامير فيصل يطالبه فيه ان يستلم زمام الحكم في بيروت الى ان يصل الحاكم الجديد المعين من الامير فيصل. وارسل تلغرافا اخر الى والي بيروت يخبره هزيمه الالمان والاتراك وتسليم مدينة الشام وان العساكر العربية زاحفة على بيروت فترك والي بيروت المدينة حالا منهزما مع الاتراك والالمان، وتبعهم الجيش الذي كان في عالية وصوفر وبيت مري، تبعوا العسكر المنهزم الى حلب وفي 2 تشرين الاول 1918 نشرت الراية العربية فوق السرايا.