د.فوزي زايد السعود
سلوكيّات صائم (11)
يقول النّبيّ عليه السّلام:»كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه» (صحيح البخاري،1359) ولم يقل يمَسْلمانه، لأنّه حقيقةً وُلد على الإسلام جبِلّةً، مهما كانت عقيدة والديْه، وهذا أمرٌ قرّره قبل أن يُخلق الإنسان، وهو أن يُولد كلّ مخلوقٍ على الإيمان بوجوده والتسليم بعظمته سبحانه، ولكن البيئة المحيطة بالطّفل والمؤثّرات الدّاخليّة والخارجيّة (أسرة، رفاق، إعلام ...) لها الدّوْر الأعظم في تشكيل عقليّة الطّفل وسلوكه، وتنشئته الاجتماعيّة.
وإذا أردْنا أن نتكلّم عن رمضان، وأثره على أطفالنا، فإنّه من البداية يشعر الطفل أنّ أسرته تتكلّم عن ضيفٍ قادمٍ، وكيف نستقبله؟ وكيف نستعدّ له؟ وما هي متطلّباته؟ بل ويشارك الطّفل أحياناً في هذا الاستعداد، على شكل مجموعاتٍ أو فرادى، في الأناشيد والألعاب، والأضواء والفوانيس، وتركيب الأهلّة والنّجوم، على مداخل البيت وأسطحه وهكذا ... ثم مروراً بمتابعة ومراقبة المؤذّن والّتجمهر في صلاة التراويح وتشتدّ المشاركة الفاعلة والفرحة في ليلة القدر وأيام العيد، فلا أبهى ولا أجمل من رؤية أطفالنا في هذه الأيّام ..وهذا تعبيرٌ صادقٌ يؤشّر على أن أطفالنا لديهم قدراتٍ وطاقاتٍ عقليةً ونفسيةً لا يُسْتهان بها ..أضف إلى ذلك وهو السّلوك الأهمّ لأطفالنا وهو محاولة الصّوم، وتشجيع الأهل لهذا السلوك، ومساندة الطّفل ودعمه ليصوم ساعاتٍ من النّهار، إلى الضحى أو الظهيرة ...كأسلوبٍ متدرِّجٍ للوصول بعد سنواتٍ مثلاً إلى الصّيام الكامل، ولا بأس في هذا، فالتدرّج ملحوظٌ في تطبيق التشريع الإسلاميّ على الكبار والمجتمعات، مع مراعاةٍ قربها أو بعدها من معايير معينة، ومدى التقبّل وكذلك مراعاة الآثار المترتّبة على السّلوك الجديد والتغيير غير المألوف لما عليه عادات الناس وعقائدهم السابقة، والرّسول عليه السّلام يقول: « علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً « (صحيح الألباني،4026) وما بين السبع والعشر ، فترة ثريّة في التّعليم والتّدريب واكتساب المفاهيم والقيم ، وقد قال الشاعر :
وينشأ ناشئ الفتيان منّا على ما عوّده أبوه .
لذا أودّ أن أقدّم بعض التّوجيهات التربويّة للآباء والأمّهات نحو أطفالهم في رمضان :
= أن يكون الوالدان قدوةً لأطفالهما في الأخلاق والسّلوك والعبادة، فهما تحت نظر الأبناء، وينظرون إليهم نظرةً على أنهم آباء ومعلّمين ومربّين وأسوة ..ولا شكّ أنّ الطّفل يتعلّم بشكلٍ أساسيٍّ من خلال المُحاكاة والتقليد ، ومن أقرب النّاس إحاطةً به .
= ما يدور في البيت وما يُعرض وما يُسمع ...وطبيعة العلاقات بين كلّ مكونات الأسرة ، كلّ ذلك له أبلغ الأثر في حياة الطّفل ومستقبله، ومن هنا وجب على الوالدين إدخال الإيمان وغرس المعتقدات وتحبيب القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة، وممارسة الذّكر والقيام في رمضان، والاستقامة على أوامر الله ... وبأسلوب هادئٍ وسهلٍ و واضحٍ وبسيطٍ، نعم فإنّه يصنع طفلاً مستقيماً وملتزماً .
= مصاحبة الأطفال إلى المسجد، وحلقات العلم، والمشاركة في الشّعائر التّعبّديّة، ولو بصورةٍ جزئيةٍّ ، يؤدّي لمزيدٍ من تقدير الطّفل لذاته، واهتمامه بنفسه، وبيئته، ويجنّبه مرافقة أصحاب السوء وحياة الفاسدين، وفي الحديث: « إن الله تعالى يحبُّ معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها « (صحيح الجامع ،الألباني،1890) .
=تعزيز الطفل على أي سلوكٍ إيجابيٍّ صدر منه، أو مجموعة سلوكياتٍ طيبةٍ خلال الشهر، مثلا : تلاوة جزءٍ أو سورٍ قصيرةٍ من القرآن الكريم في اليوم، أو الالتزام بعددٍ من الصّلوات جماعةً في المسجد، أو تأدية بعض ليالي التّراويح، أو قدّم تبرّعاً لمحتاجين من توفيره، وليكن هذا التعزيز في وقته المناسب، وكما يقولون: اطرق والحديد ساخنٌ، فهذا من مبادئ التّربية الإسلاميّة .
إن مسؤولية الوالدين عظيمةٌ جدا، والتّربية هي المهمّة الأولى في سلّم الحياة والإعداد للآخرة « ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النّاس والحجارة ...» (التحريم،6) .
