ودَّعا ضيوفهما عند الباب معاً ودخلا، أشعل سيجارة، فيما انهمكت بترتيب البيت، جلس في مقعده المفضَّل ... نفث الدخان بعصبيّة، ثمّ قال بصوت لم يخلُ من حنقٍ: « لم يكن يجدر بكِ التدخّل في الحديث بهذه الطريقة، خاصة أنك امرأة .. والموضوع إنْ لاحظت كان يخصّ الرجال، ولا علاقة له بعالم الحريم ! «.
وضعت ما بين يديها جانباً، ووقفت تنظر نحوه بذهول ... فأضاف بثقة أكبر، وقد أحسّ أنه استجلب انتباهها: « كنتِ الوحيدة بين النساء التي تحدّثت ... استعراض المعلومات ذاك الذي مارسته، أمرٌ يثير حرج أيّ زوج ! «
شعرت بضيقٍ في النفس, فتلفّتت حولها كأنما تبحث عن موقع النافذة ... ثم سرعان ما أطرقت بأسى ... فقال بلهجة أبوية صارمة بعد أن نفث دخان سيجارته بهدوء : « يحب الرجل في زوجته أنوثتها الحقيقية ... لو تعلم المرأة قيمة الوداعة، والهدوء، والضّعف الجميل في شخصيتها، لضمنت كسب قلب زوجها إلى حين تقوم الساعة ! «
ثم أردف بمرحٍ مفتعل كأنّما أقلقه صمتها: « ولأني أودُّ أن تحتفظي بقلبي طويلاً ... أتوق إلى أن تظلي أنثى أصيلة، ورقيقة، وحقيقيّة ... «
مضى وقتٌ ما على هذه الحادثة، فعادت الحياة لتسير بإيقاعها العادي، إلى أنْ جاءها ذات يوم ليخبرها عن نيّته في السّفر، فقالت بقلق بالغ: « ولكن، هناك أمور لن أستطيع تدبّرها في غيابك .»
سأل باستغراب: « أمور؟ مثل ماذا ؟ « أجابت: «أمور عديدة مثل إيجاد ميكانيكي مناسب لتصليح السيارة، وشراء لوازم التمديدات الصحيّة التي اتفقنا على تجديدها، إضافة إلى ... « فقاطعها بعصبيّة : « والله عال، هل أُلغي سفري إذن ؟ ما هذا الضّعف ؟ اعتمدي على نفسك قليلاً وتصرّفي .. يجب أن تنوبي عني أثناء غيابي وتتابعي الأشياء كأنك رجل ! «
ولما أطرقت أضاف بحزم : « اعلمي أن الرجل يحبّ في زوجته أن تكون رجلاً ... رجلاً حقيقياً يعرف معنى المسؤوليات.. أريدك قوية شديدة مثلي تماماً ... هل تفهمين ؟ «
ولم يعرفْ لماذا كانت تنظر نحوه في ذهول ... ولم يفهم لماذا أطلقت بعدها ضحكة طويلة !