سلوكيّات صائم (10)
د.فوزي زايد السعود - هناك ارتباط وثيق في أذهان بعض الصّائمين، وهو مدى العلاقة بين الصّوم والنّوم والسّهر في هذا الشّهر الكريم، وأتناول هنا موضوع النّوم وسبق أن تحدّثت عن السّهر، وأقول بدايةً أن النّوم آيةٌ من آيات الله عزّ وجل «ومن آياته منامكم بالليل والنّهار «(الروم ،23 ) وقوله تعالى : « وجعلنا نومكم سباتا «(النبا ،9)، والسُّبات هو راحة الأبدان، وقيل: قطْع الحركة لتحصل الرّاحة (تفسير ابن كثير ،1166) والنّوم قد يكون في الليل أو النّهار، إلا أنّ الوقت الطّبيعيّ هو الليل، كما جاء في النّصوص الشرعيّة، مع إمكانيّة النّوم في النّهار، ونخصّ هنا أيّام رمضان، والرّسول عليه السّلام يقول : « قِيلوا فإنّ الشّياطين لا تَقِيل « (الطبراني في الأوسط ،1 /13 ) والقيلولة معلومٌ أنّها في النّهار، وفي الحديث أيضاً : « ... وأصلّي وأرقُد ...»(البخاري ،3/3).
ولا شكّ أنّ هناك فوائدَ كثيرةً للنّوم منها: زيادة مخزون الطّاقة في الجسم، وتجديد خلايا الأنسجة، والنّوم في غاية الأهمية لتنشيط الجهاز العصبيّ حتى يعمل بكفاءة، كما أنّه يقلّل من أعراض الشّيْخوخة، أضف أنه راحةً واسترخاء للجسم، ولا ننسى الأبعاد النّفسيّة كالتّخلّص من الهموم، والأوجاع والهروب من بعض الأزمات، ويؤكّد الأطبّاء على إيجابيّة النّوم على مرضى السّكري وتعزيز الرّوح المعنويّة لهم بشكلٍ عام .
وقد أجمع العلماء على صحّة الصّوم للصّائم النّائم في النّهار، لكن هذا لا يعني جواز الإسراف في النّوم، وذلك لما يترتّب عليه من سلبيّاتٍ كثيرةٍ منها: تفويت مطالب الدّين والحياة، وتوليد حالةٍ من الخمول والكسل والرّكون إلى الدّعة، وهذا يوصل إلى حالة تستثْقل فيها العبادات، وصعوبة أداء الواجبات الشّرعيّة، نعم إنّ العلماء ينكرون على من ينام طوال النّهار، ويضيّع بعض الفرائض أو يؤخّرها، سواء كانت عباداتٌ فرديةٌ أو تحقّق مصالح جماعيّة، كخدمة النّاس وقضاء حوائجهم ومتابعة ظروفهم .
أخي الصّائم : ما معنى أن ينام الصّائم طوال نهاره ؟ وما الحكمة في ذلك ؟ وكيف نفسِّره ؟ وهل استشْعر معنى الصّيام وفضله وأسراره ؟ وهل تذوّقنا طعم الجوع ، والصبر على العطش وتحمّل المشاقّ ؟وهل تبصّرنا بأحوال الجياع والمعوزين والمعدمين في بيئتنا ؟
إنّ ما نلاحظه ونشاهده بأمّ أعيننا في بعض المساجد، وحيث حلقات العلم ودروس الوعظ والتّوعية، وتلاوة الذّكر الحكيم ...أن نجد بعض الناس قد غطّوا في سُباتٍ عميقٍ وهم في بيوت الله تعالى، ألا يضيع هؤلاء الأخوة هذا الزّمن الشّريف العظيم الذي يفتح للصائم أبواباً من الخير والحسنات وفيوضات من الرحمن الرحيم ، قد لا تتكرّر مرّة أخرى ؟
إنّ رمضان فرصةٌ لاستثمار الأوقات ، واستثمار الأعمار، فهل ندرك ذلك ؟ فننفض عنّا غبار الكسل والتراخي ونلحّ على الله تعالى أن يرزقنا الجدّ والاجتهاد، وأن يرزقنا القوّة والنّشاط، وأن نكون من عُمّار بيوت الله وعلى الدّوام ، اللهم آمين
