عندما يتاح للدارس فرصة الاطلاع على الأرشيف الصحفي المبكر للقرن التاسع عشر الميلادي، تصيبه الدهشة من البدايات المبكرة التي لا نعرفها ولم ندرسها بعد، ويكتشف الباحث في صحف ومجلات مصر وبلاد الشام تحديدا، إن تاريخ المرأة العربية محفوظ في هذا الأرشيف المتاح في مراكز البحوث والمكتبات الجامعية، وتصبح عندها المقولات التقليدية عن تخلف المرأة العربية آنذاك، مسألة فيها نظر بكل تأكيد، هكذا استهلت د. هند ابو الشعر كتابها «المرأة العربية في القرن التاسع عشر».
توقفت د. أبو الشعر عند عدد من مفاصل هذا القرن لتحديد ملامحه من خلال عرض حراك المجتمعات العربية وحال المرأة العربية منها: أن هذا القرن شهد حركة التنظيمات العثمانية، بعد الهزة الكبيرة التي أحدثها محمد علي باشا في كل من مصر وبلاد الشام، كما شهد هذا القرن ايضا بناء المؤسسات مع انتشار الأمن في الأطراف خارج حدود العاصمة الأستانه «استنبول» مع منتصف القرن التاسع عشر، واقرار قانون الولايات العثماني عام 1864 وأعيد تنظيم الإدارة وتأسيس المحاكم المدنية وتأكيد سلطة القضاء.
كما يعتبر هذا القرن له حضور الدولة بامتياز في ميادين التعليم والصحة، وتاتي بداية الاهتمام بتوفير الكتب الدينية ونشرها بين أبناء الطوائف المتنافسة، ووضعها بين أيدي الطلاب كان سببا في الاهتمام بالطباعة، وهذا القرن هو قرن الصحافة بامتياز، وقرن المطابع وتبادل الأفكار، وأخطر ما حمله هذا القرن بداية تحقيق الحلم الصهيوني الاستيطاني بعد مؤتمر بال بسويسرا.
وسجل هذا القرن الانفتاح الكبير الذي شهدته مصر وبلاد الشام على الحضارة الغربية، وكانت بداية الهجرة الواسعة التي بدأت ببلاد الشام نحو العالم الجديد، وباشرت الجاليات العربية في تشكيل حياة جديدة، كما عرف القرن التاسع عشر انتقالا واضحا نحو العلم وسجل اختراعات علمية وتقنية كبيرة، كما ظهرت خلاله الأفكار الاشتراكية والنظريات السياسية التي أثارت الجدل الفكري وظهر الصراع المادي والجدلي، وحصلت المرأة الغربية على حقوقها بشكل مؤثر.
وختمت د. أبو الشعر مقدمة كتابها الواقع في 503 صفحة من القطع المتوسط بالتأكيد على أنه :»لم ندرس المرأة العربية بعمق، لم نقرأها مبدعة ومفكرة ومشاركة في صناعة الحياة الفكرية في القرن التاسع عشر، وها نحن نعيد قراءة حال المرأة، ونضع بين ايدي القارىء التاريخ المخبوء في مجلات الفكر في القرن التاسع عشر».
قسمت أبو الشعر الكتاب الصادر حديثا عن امانة عمان الكبرى إلى ثلاثة أبواب هي:»قضايا المرأة العربية في القرن التاسع عشر/ في الصحافة والمؤتمرات والمحاضرات والندوات»، «المرأة العربية شاعرة/ ديوان بنت فكر للشاعرة الحلبية مريانا مراش»، «المرأة العربية مفكرة ونظرة/ مي زيادة نموذجا».
يتمحور كتاب د. أبو الشعر عن حياة المرأة في القرن التاسع عشر من خلال شهادة من كاتبة عربية أرادت أن تكشف لنا عن دور المرأة العربية في مطلع النهضة العربية، حيث ياتي هذا الكتاب كرواية للتاريخ الشخصي للمرأة العربية لبعض الشخصيات النسوية مثل مي زيادة والشاعرة الحلبية مريانا مراش مع ومضات وذكريات من العالم العربي، واوردت د. أبو الشعر في كتابها مساهمات النساء العربيات بالتأليف منذ عام 1879م وتفوقهن في مجال الترجمة ودراسة الطب في بريطانيا عام 1895م ومشاركتهن بالمؤتمرات الدولية بلندن عام 1899م.
