ما يعرضه العرب، أو بعضهم، كمخرج للرئيس السوري بشار الأسد الذي وصلت مياه الغرق، رغم طول قامته، الى ذقنه يشكل فرصة يجب ألا يضيعها فاللحظة التاريخية لا تتكرر والمؤكد أن معمر القذافي بعد وقوعه في أيدي الذين تعاملوا معه بأساليب مخيفة ومرعبة قد تمنى لو أنه وافق على عُشْرِ ما كان عرضه عليه «الوسطاء» الأفارقة ولو أنه لم يركب رأسه ويصر على مواقفه ويرفض رؤية الحقائق التي اخذت تستجد على أرض الواقع والتي كانت واضحة حتى لأعمى البصر والبصيرة.
في شباط (فبراير) العام 1979 كان شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي قد قرأ ما تعنيه اللحظة التاريخية المستجدة في إيران مما جرى في تلك الليلة الطويلة حيث صعد معظم أهل طهران الى سطوح منازلهم واستمروا بالهتاف «الله أكبر.. الله أكبر» منْ بعد صلاة المغرب الى بعد صلاة فجر اليوم التالي فكان أن حزم حقائبه وغادر البلاد بسرعة هو وزوجته الشاهبانو فرح ديبا واطفاله ورفض حتى قراءة تقارير الـ»سافاك» الذين حاولوا ثنْيه عما كان عازماً عليه فالتجارب علمته أن يأخذ المعلومات من «البازار» في طهران ومن حوزة «قُم» العلمية وليس لا من تقارير المخابرات ولا من خطب الجنرالات الذين يخافون على أنفسهم أكثر مما يخافون عليه.
كان محتمل ومفهوم عناد الرئيس بشار الأسد عندما كانت هذه الثورة، التي غدت تعم البلاد كلها بما فيها حارات الشام القديمة والجديدة، لا تزال مجرد مظاهرات طيارة لأطفال وشبان يطاردهم جنوده الأشاوس برصاص الرشاشات وقذائف الدبابات وكذلك فإن هذا العناد قد يكون مبرراً عندما كانت البلاد من باب الهوا في الشمال وحتى نقطة الحدود في الجنوب لا تزال تحت سيطرة أجهزته الأمنية أما الآن وقد أصبح يأوي فراشه، هذا إذا كان لا يزال في دمشق، على سماع أنغام أصوات الإنفجارات وأزيز الرصاص وبعد سهرة طويلة مع تقارير الفضائيات العالمية لم يعد هناك أي مجال للعناد.. وهذا هو التاريخ أمامنا بحلوه ومُرّه.
غير صحيح أن مذبحة «الروضة»، التي تشبه مذبحة المماليك على يد محمد علي، لم تؤثر على نظام بشار الأسد ولم تهز أركانه فالذين قُتلوا يوم الأربعاء الماضي من منهم أُعلنت أسماؤهم ومن منهم ستعلن أسماؤهم على دفعات متلاحقة هم هذا النظام الأمني وكل هذا النظام الأمني الذي تركه حافظ الأسد لولده الذي من الواضح أنه «لن يحافظ عليه..» والدليل هو هذه الإنهيارات المتلاحقة والتي ستتلاحق وأهم هذه الإنهيارات وأخطرها هو الإنهيار المعنوي وهو أنه من غير المستبعد بعد كل هذا الذي حدث أن يبيع «المقربون» رئيسهم بأرخص الأثمان وأن يتخلوا عنه قبل أن يصيح الديك.
إنه على بشار الاسد وقد وصلت مياه الغرق الى ذقنه، رغم طول قامته، ألاّ يبقى يركن الى ما يقوله له باقي ما تبقى من المحيطين به الذين لو أنهم مخلصون له فعلاً لأشاروا عليه بأن الأمور قد انتهت وإن الإستمرار بـ»المكابرة» سيكون ثمنه فادحاً وأنه من الأفضل له ولزوجته وأطفاله ان يتحجج بحقن دماء شعبه وان يخرج «معززاً مكرماً»، حسب العرض العربي الأخير، وذلك حتى لا يجد نفسه ذات يوم قريب يُجرجَرُ في الشوارع والدماء تغطي وجهه ويتعرض الى ما كان تعرض إليه القذافي في تلك الصور المرعبة.
لقد أثبتت التجارب وبخاصة في مثل هذه الحالات إنه من غير الممكن إعادة حركة التاريخ الى الخلف ولهذا فإنه من المستحيل إعادة كل هذا الذي جرى في سوريا الى آذار (مارس) من العام الماضي وبعد ذلك بشهور حيث كانت هناك إمكانية فعلية لحل ما يُعتبر الإلتقاء في منتصف الطريق ولذلك فإن كل هذه المذابح التي اُرتكبت وكل هذه الدماء التي سالت وكل هذا الدمار الذي شمل سوريا سيتحمله بشار الأسد الذي سيتخلى عنه جنرالاته بالتأكيد ليتحولوا الى شهود ضده ولذلك فإن عليه ان ينتهز هذه الفرصة التي أعطيت له ولذلك فإن عليه ان يتذكر ماذا كانت نتيجة عناد صدام حسين عندما لم يستجبْ لذلك العرض السخي الذي كان عرضه عليه الشيخ زايد رحمه الله.