كما النسمة العليلة الرشيقة التي تخترق مسامات الجو المثخن بالحرارة ، وكما اصابع النعاس الحانية تداعب اوتار الجفون المرهقة بالأرق لترحل بها الى عوالم السبات ، كذلك هي الكلمة الطيبة الصادقة تسبر اغوار النفوس المشحونة بالغضب والملل والضجر لتغرس في تلافيف الوجدان مواسم خيّرة معبأة بأشتال المودة ، وتدغدغ بهمساتها الحالمة شغاف قلوب غشاها ضباب القلق وتركها تنام في اروقة الصمت والحيرة حيث مرايا الزمن يعتليها غبار النسيان
فتصحو اللهفة من سباتها الطويل ، وتتسلل الى اجنحة الليل لتسافر معه الى جزر القمر ، كي تستحم برذاذ الصدى وتنتشي بسحر الأحلام الموشاة بأهداب الضوء والألحان المترامية على سطح الكون العابق بترانيم حانية موسيقية تحاكي الشعور ، وتداعب الجوارح المسكونة بالرهافة ، وتجمع من بحور الشعر اصدافا ولآليء زاخرة بقصائد مرسومة بفرشاة متعبد يمارس طقوس التصوّف في محراب الانسانية الزاخر بالخير والعطاء .
تطرق الكلمة الطيبة الصادقة المسامع الساهية الغافية ، تتسلل من خلال شفافية معانيها الى الأحاسيس المتبلدة الساكنة ، المنغرسة في صقيع الوحدة ، فتغسلها من شوائب الانكسار وتذيب عنها ومن حولها وداخلها جليد الانتظار فتهب اللهفة من مرقدها وتنطلق اسراب الخيال الى موانيء الأمنيات حيث تلتقي الذات بالذات وترتقي النفس في سمو الى عوالم الأنفة والكبرياء لتنثر بذور المحبة فوق فيافي العمر المجدبة فتنبت سنابل الوفاء على امتداد مساحات الزمن المتعطشة للارتواء من ينابيع النقاء وتنمو سليمة مستقيمة يعتريها ويكسوها بالفخر والشموخ ، تتغنّى باعتزاز وزهو بروعة الصدق ورونق التودد وجمالية المعاني .
تلامس نبرات الكلمة الطيبة الرقيقة الصادقة الحنايا المجهدة الملوحة بالذبول ، فترتعش وترفرف محلقة في الأجواء الدافئة ، فيتدفق نبض الحياة في شرايين الأيام الذابلة الباهتة ، فتزهر براعم التفاؤل نشوة وفرحا مخضبا بعطرالأمل وتسافر الروح مزهوة مع شموس الأماني مبحرة في فضاءات الرؤى حيث يرسو على شواطئها الزهو والألق وتحط على ارض تختال تيها بقدسية العراقة ، فتتوحد مع نفسها مفترشة بساط الانسانية محاكا بالسمات السامية وترتشف الود من ينابيع الحنان الرقراقة ، وتغذي الروح من ثمار الكلمة الصادقة ومعانيها اللذيذة الرائعة الخالية من اسمدة الزيف والغش والخداع ، وديدان الفساد والكذب والنفاق .