تقول بعض الصحف في بريطانيا , أن الأردن مرشح لربيع عربي بعد دمشق , وللاسف بعض المسؤولين لدينا يؤيدون هذا التوجه...
لدي في هذا الصدد ذكريات من الطفولة أحب أن اسردها هنا , زمان وفي طفولتنا وحين يعبر الشتاء قارساً كنا نرتدي للمدرسة (جرزاية جيش)..كانت تمنحنا الدفء وثمة اثار لرتبة ملازم على الكتف أو أثار لشرائط تدل على أن صاحبها كان (رقيباً أول) وأحيانا وعلى الصدر بعض من (نتوش) لبقايا أوسمة علقها صاحب الجرزاية...وفي اطراف الكتف ثقوب صغيرة نعرف أنها كانت للشارة الحديدية المكتوب عليها (الجيش العربي).
لم تكن أمي تؤمن (بالجرزاية العادية) لسبب بسيط جدا وهو أنها تتعرض (للنسل) وهذا الأمر يفهمه (الخياط) ويفهمه من يعرف في علم الحياكة..ولأننا كنا أشقياء كانت (الجرازي المدنية :- جمع جرزاية) غالبا ما تعلق في أطراف (الرحلاية) أو في يد الباب وأحيانا في رأس قلم الرصاص وبالتالي (تنسل)..(والنسل ) هو أمر معروف في علم الحياكة..ويعني :-خروج خيط واحد أو اكثر من (الجرزاية) وسحب هذا الخيط يؤدي (لفرط) عملية الحياكة كاملة.
الغريب أن (جرزاية الجيش) ومهما تعرضت لإصابات تبقى متوازنة ومن المستحيل أن (تنسل)..حتى لو علقت في أطراف الرحلاية حتى لو أخترقت أقلام الرصاص خيوطها..حتى لو أطبقتَ بابا حديديا عليها والأهم أنها تمنحك دفئا لايضاهيه دفء...ومن الممكن ارتداؤها مع الرتبة أصلا لن يحاسبك أحد..كون الجميع يعرف رتبة والدك أو شقيقك أو عمك والجميع يعرف...الصنف الذي يخدم فيه.
كان لدي أكثر من (جرزاية عسكرية) في طفولتي..وياما حمتني من برد الشتاء...وياما خبأت في جيوبها..بعضا من رسائل الغرام التي كتبتها الى ليلى بنت الثاني الاعدادي (ب) على خجل ,وحاولت جاهدا إرسالها ولكن زحمة الطرق غلبتني وربما خجل العشاق المبتدئين حال دون إرسال الرسائل...
أعترف...في طفولتي تحالفت مع (جرازي الجيش) فهي التي حمتني من برد الشتاء وهي التي خبأت فيها رسائل الغرام الأول...والأهم أنها لم (تنسل) ولم يسقط خيط منها برغم الصدمات.
في ليبيا سقط النظام لأن كتائبه كانت اشبه (بالجرزاية) الملطخة بالدم والتي حيكت على عجل....ولحظة سحب طرف الخيط (فرطت) الكتائب وفي اليمن سقط النظام..لأن (الجرزاية) كانت مزيجا من الصوف والقماش..بمعنى آخر كان جيشا موزعا بين القبيلة والقبيلة...
وفي تونس..بالتحديد في شتائها البارد كان النظام عاريا تماما...من دون جرزاية.
في الأردن الصورة مختلفة فلدينا جيش خيوطه محبوكة جيدا..هو يحمي البلد والناس تماما مثل (الجرزاية) التي كانت تحميني من برد الربيع وبرد الشتاء...وخيوطه (لا تنسل)...مهما حاولت سحبها أو (نتشها) والأهم أننا خبأنا في ذاكرته قصص الغرام الأول....خبأنا في جيوب (جرزاية) ذكرياتنا مع ليلى...وعبارات الهوى وكل القصائد النبطية التي صغناها في عيون البنات على ضوء (الفنيار) أو (اللوكس)...
لن يمر علينا الربيع العربي..لأني اعيش شتاء الجيش و(جرزاية) الجيش ومطر الجيش....وسأحافظ على أسراري معه والتي خبأتها في الجيوب وستبقى السماء أردنية وتمطر علي من خير هذا الجيش...
[email protected]