ماجد جبارة - في الطريق من عمان باتجاه غابات عجلون، ترتهن العين لشاهق الجبال المزروعة بالبلوط والصنوبر واللزاب ، وهي التي لم تكن يوما ، إلا سجلا ناصعا من سجلات طبيعة وجمال الاردن.
على ذات الطريق ، بدأت نسائم الهواء العليل تهب مرخية في جدائلها ، مرحبة بالزائر المفجوع لرؤيتها.
كانت المناظر ؛ اجمل مما حاولت ان التقط من صور، وكنت دائما احدث اولادي ان جمال الاردن أكبر من ان يتخيله انسان ، لان فيه رائحة الاجداد تهب مع نسائم الهواء العليل، مذكرة ايانا بمجد وشموخ هذه الارض.
رحلتنا امتدت برغم ما كان من مناظر تمنيت انني لو لم اشاهده !.
لهيب الصيف حدا بالآف الناس المتنزهين الى اللجوء الى الجبال هربا من وطأة صيف تموز، لكن ما لم تقم به وزارة السياحة في عجلون، شكل اختناقا كبيرا للناس المتنزهين، فالسياحة لم تقم بإنشاء المقاعد للمتنزهين ولم تعمل على وضع أماكن مخصصة للشواء ، ولم تعمل على تهيئة مصادر المياه او دورات الخدمات الصحية ، وهو ما تفعله دول العالم التي تحترم فكرة السياحة الداخلية والانسان والطبيعة معا .
غياب الخدمات والمرافق ، شجع الناس على ان يقوموا بذلك لوحدهم، مما يشكل خطرا كبيرا على الاشجار الجميلة وبالتالي حرق الآف الاشجار.
مشاعر لذيذة، وأحاسيس مثيرة
كم هي مؤثرة بداية الصيف الجميل في بلدي!.
آه، مؤثرة حتى الوجع! فثمة مشاعر لذيذة، وأحاسيس مثيرة ، غموضها لاينفي حدتها؛ ولا حدّ أقطع من حدّة اللانهاية. وأي لذة عظيمة أن يغوص المرء بنظره في شموع السماء !
هناك؛ في أحراش عجلون البهية ووسط أشجار بلوطها المترامي، وتفاحها المليء برائحة العشق والجمال، هناك وجدت نفسي الضائعة، واكتشفت للتو أن الأرض والسماء في بلدي تتعانقان فوق سفح ذاك الجبل الجاثم في أعالي السماء، ووجدت أشجارها هائمة ترخي جدائلها تارة على الوادي، وتارة على أبط وادي الريان، حيث نبع الماء وبساتين الرمان.
ووسط هذا وذاك وقفت امام هذا الصخب الكبير من الناس المتنزهين وهم يهزون بالاشجار ويقصفون من دمها ، غير مبالين بهذا الجمال والهدوء.
أما القمامة فحدث ولاحرج ، يبعثرون ادوات منازلهم هنا وهناك ويرمون ملوثات الطبيعة بشكل مزر دون رقيب او حسيب، لم يعودوا يدركون ان ما وهبه الله من نعم لشعبه ، بحاجة الى عناية ، يتركون هذا الجمال يئن متعذبا بهذا السخط الانساني تجاه اجمل واروع صور الإبداع الالهي ، رباه ماذا نقول لمثل هؤلاء؟!
انقول لهم رفقا وهم لا يجيدون لغة الحنان؟! ام نقول لهم كلمات مليئة بالأزدراء وهم في لذاتهم غارقون بائسون .
عليل نسائم شقائق النعمان
نعم هناك نرتمي في أحضان طبيعتنا ، وعليل نسائم شقائق النعمان يتعبني ويرميني جانبا، التحف ليلي الممزق ، بينما لفتني غصون الرمان بخيوط مفاتنها الوردية الصفراء ، يستفزّني صفاؤها ويثيرني شكلها المموج الولهان ، لا أريد أن أصحو لان الحلم في بلدي هو حلم الشطآن وحلم الولهان .!
أمام هذا الحس ، اجدني اغمض عيني مما شاهدته من عدم مبالاة من قبل المتنزهين الذين لا يعرفون إلا رائحة الشواء ، وغير مدركين ان هذا الاشجار تئن صراخا من افعالهم.
في الأفق يهتز غصن الرمان، كأنه يحاكي في صغره وعزلته وجودي المرهون ، ويُسمع النغم الحزين من صبايا بنات عجلون وهن ينشدن « جبل عجلون يا مهري المقدم ، جبل عجلون يا نعشي الممدد، جبل عجلون يا لحني المحبب. ترى هل يسمع هؤلاء المبذرون الناقمون، اغاني بنات بلادي؟! ام انهم غارقون في نفخ صدورهم بالدخان،!.
اصابني الذعر من جراء ما شاهدته من الطغاة الذين ينكرون الجمال والعشق» وحزمت امتعتي في نهاية المطاف، هاربا مستسلما، ولكن حزني بات هناك مع اغصان الاشجار الحزينة التي لم تبللها اطايب الازهار بل ، رطبها ابناؤها بالعويل واكياس الزبالة المحشوة بالظلام المبين.
