اخلاص القاضي - ..تبدو مقادير حياة الناس متفاوتة بشكل كبير ومذهل ..واحيانا تنحاز نحو الغرابة والالم معا!.
من يتصور ؛ مثل القصة التالية، تحدث في مجتمع انساني دخل مشارف القرن العشرين؟.
ثلاثون عاما، قضاها « الشاب محمد» زاحفا على ركبتيه (..) يحاول التقاط الفرح، عيونه شاخصة امام شرفة صغيرة هي امله ورجاه .
الشرفة متحركة وهو ثابت ، يتمنى لو كان جزءا من تغيراتها اليومية بين بائع متجول ، وآخر متجه الى عمله ،وثالث قاصد « دكان الحي « لتبضع متواضع .
..«محمد» ذلك الشاب الذي يعاني «الشلل الدماغي الرباعي» وبسبب من المرض ، يثور اذا اعربت والدته الخمسينية عن عدم قدرتها على اصطحابه الى « مشوار « قصير ، بسبب افتقاده لكرسي متحرك ، وهو الذي يحتاج الى رعاية خاصة يومية فاقت قدرة والدته التي تعيش لوحدها معه بعد ان غادرها ابنائها وبناتها ،الى بيوت الزوجية التي يعيشون فيها اياما عصيبة بسبب ضيق ذات اليد وتاليا عدم قدرتهم جميعا على مشاطرة والدتهم صعوبة الحياة ومشقتها .
ملابس بشكل دائم
وهذا الشاب المعذب، الزاحف ابدا ،يحتاج الى ملابس بشكل دائم ، فزحفه على ركبتيه يتلف ثيابه ، وامه لا تستطيع ابتياعها فالوضع الاقتصادي مترد ،رغم معونة وطنية لا تكفي لسد احتياجاته ، فهو بحاجة الى « مستلزمات خاصة كالفوط الصحية مثلا « فيما تئن والدته المسكينة تحت وطأة ديون متراكمة بين فواتير كهرباء وماء استحقت منذ اشهر .
تذكر والدته انها، قضت قرابة العشرة ايام على رصيف منزلها الواقع في منطقة ام نواره ، مستفيدة من نور كهرباء اعمدة الشارع ، ذلك انها عاشت في ظلام دامس بعد ان قطع التيار الكهربائي عن منزلها بسبب تراكم الفواتير ، بيد انها استعادت نور بيتها بعد ان دفعت قسطا من المستحقات فيما بقي قسط اكبر ينتظر من ينقذها منه ومن براثن ظلام محتمل في أي وقت .
وتتابع .. جاء « جابي « الكهرباء في احد ايام الشتاء الباردة لفصل التيار الكهربائي ، غير انه اشفق على وضع ابني « المتوقع « في زاوية غرفة باردة , ولم يقم بواجبه المطلوب منه تجاوزا امام مأساوية الحال الذي نعيشها .
ابني الغالي !
وتزيد .. انا من يعتني, فانا سنده ومعيلته وراعية متطلباته اليومية .. يخجل محمد من زيارة « الحلاق « فاستعير له « ماكنه حلاقة لشعره « من الجيران في بداية كل شهر ،واحافظ على نظافته الشخصية فاعتني بحمامه , رغم عدم قدرتي على حمله , فيساعدني بين الزحف ومحاولة تخفيف وطأة وزنه لانه يشعر معي , فارى ذلك بعيونه التي تنظر لي شفقة علي , في وقت يتناسى واقعه ومأساته , فاجده ينقل لي اشارات التضامن والعرفان , فاراني ممتنة له , مجبورة رغم كل آلام ظهري , على القيام بواجبه على اكمل وجه .
تشوهات
يحتاج محمد الى كرسي متحرك , فهو تواق لرؤية الشارع والناس , كما هو متطلع الى راحة والدته التي تعبت من محاولة حمله , وخاصة وقت قضاء الحاجة , كما هو بحاجة الى علاجات تنقذه من تشوهات في ركبتيه جراء الزحف اليومي عليهما , وقليل من اغذية تغير طعم فمه الذي اعتاد على « فتة الخبز والشاي « , ومن يمده بملابس جديدة فقد ملت والدته من ترقيع « البنطلونات « , في وقت من المفترض ان تسخره لخدمة ابنها , وشؤون بيتها .
تقول .. استفقت يوما على صوت بكاء وعويل , فوجدت محمد جالس امام شرفة المنزل يرقب جيراننا الذين هموا الخروج في « رحلة « داخلية , فنظر الى والدته قائلا بما معناه : تحملت كل شيء , الزحف , والالم , والفقر , والاعاقة , لكنني مشتاق لرحلة اشتم بها نسيما مختلفا عن بيتي الذي حفظت معالمه ومللت وجودي به .