باريس - ا ف ب - دعا مؤتمر «اصدقاء الشعب السوري» أمس في باريس مجلس الامن الدولي الى ان يصدر بشكل «عاجل» قرارا ملزما «تحت الفصل السابع»، ولكن لا يجيز في مرحلة اولى استخدام القوة، مشددا على ضرورة «رحيل» الرئيس السوري بشار الاسد و»تكثيف المساعدة للمعارضة» السورية.
من جهتها نفت روسيا، التي قاطعت مع الصين هذا المؤتمر، «نفيا قاطعا» ان تكون تدعم نظام الاسد، وذلك بعد الانتقادات التي وجهت الى موسكو بهذا الصدد خلال المؤتمر.
وجاء في البيان الختامي للمؤتمر في البيان الذي صادقت عليه قرابة مائة دولة غربية وعربية شاركت فيه ان المشاركين يطالبون مجلس الامن الدولي بان «يفرض اجراءات (...) تضمن احترام هذا القرار»، اي فرض عقوبات من الامم المتحدة ضد نظام دمشق.
ولا تواجه سورية حاليا سوى عقوبات قررتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي او الجامعة العربية كل على حدة.
و»الفصل السابع» من ميثاق الامم المتحدة يمهد الطريق امام فرض عقوبات او حتى يجيز استخدام القوة ضد الذين لا يحترمون نصوص القرارات الصادر بموجبه. لكن القرار الذي دعا اجتماع باريس مجلس الامن الى تبنيه أمس يندرج في اطار المادة 41 من الفصل السابع التي تقف في وسائل الضغط عند حد فرض عقوبات.
وتنص المادة 41 على انه «لمجلس الأمن ان يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله ان يطلب الى اعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز ان يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا او كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية».
ولكن في حال كانت التدابير المتخذة تحت المادة 41 غير كافية يمكن عندها الانتقال للمادة 42.
وتنص المادة 42 على انه «اذا رأى مجلس الامن ان التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض او ثبت انها لم تف به، جاز له ان يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه».
كما اتفق المشاركون على «ضرورة رحيل الاسد» مؤكدين في هذا الصدد على ضرورة استبعاد الاشخاص الذين يمكن ان يزعزع وجودهم مصداقية العملية الانتقالية.
وكان الاعضاء الخمسة دائمو العضوية في مجلس الامن الدولي اتفقوا السبت في جنيف على اقتراح يقضي بتأليف حكومة انتقالية في سورية، لكن من دون الاشارة علنا الى رحيل بشار الاسد. وخطة الموفد الدولي كوفي انان التي تنص خصوصا على وقف لاطلاق النار.
ويختلف الغربيون من جهة وروسيا والصين من جهة اخرى منذ ذلك الوقت على تفسير اتفاق جنيف. ففي حين تشدد موسكو وبكين على انه يعود للسوريين تحديد مستقبلهم، يقول الغربيون ان هذا الاتفاق يتضمن رحيل الاسد.
واوضح البيان من جهة ثانية ان المشاركين قرروا «تكثيف» المساعدة للمعارضة «وفي هذا الشأن، سيقوم بعض المشاركين بتأمين وسائل اتصال للسماح للمعارضة باجراء اتصالات في ما بينها وبالخارج بشكل اكثر امانا وبما يتيح ضمان حمايتها في اطار تحركها السلمي».
كما دعا البيان «المعارضة الى الاستمرار في التركيز على اهدافها المشتركة» بعدما ظهرت الاسبوع الماضي الى العلن انقساماتها حول المرحلة الانتقالية وحول تدخل عسكري اجنبي محتمل في سورية.
كذلك تعهد المشاركون في المؤتمر بـ»دعم جهود الشعب السوري والاسرة الدولية لجمع الادلة التي ستسمح في الوقت المناسب بالمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة والمنهجية لحقوق الانسان على نطاق واسع وخصوصا الانتهاكات التي ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية».
الى ذلك، نقلت وكالة انباء ايتار-تاس عن نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف رفضه «قطعيا مقولة ان روسيا تدعم نظام بشار الاسد في الوضع القائم في سورية»، مؤكدا ان «المسألة ليست دعم هذا الزعيم السياسي او ذاك، بل الحرص على ان تتم معالجة الازمة على ارضية سياسية طبيعية».
واوضح المسؤول الروسي ان «روسيا لا تهتم بدعم هذا الزعيم السياسي او ذاك في سورية، بل بحصول الحوار الضروري بين ممثلي السلطة والمعارضة».
واتت تصريحات ريابكوف ردا على وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون التي اتهمت، خلال المؤتمر كلا من روسيا والصين اللتين قاطعتا المؤتمر بـ»عرقلة» احراز تقدم حول سورية.
وتعارض روسيا والصين حليفتا سورية واللتان تتمتعان بحق النقض في مجلس الامن الدولي اصدار اي قرار بموجب الفصل السابع في مجلس الامن الدولي.
وكشف البيان الختامي كذلك ان المغرب سيستضيف الاجتماع المقبل لمؤتمر اصدقاء الشعب السوري، كما ان ايطاليا ابدت استعدادها لاستضافة الاجتماع الذي سيليه.
وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اعرب في افتتاح المؤتمر عن امله في ان «يشجع» المؤتمر مجلس الامن الدولي على التحرك لممارسة ضغوط على دمشق.
واضاف الرئيس الفرنسي ان حصيلة ضحايا اعمال العنف في سورية «رهيبة ولا يمكن للضمير الانساني ان يتحملها»، داعيا الامم المتحدة الى «اتخاذ اجراءات باسرع ما يمكن لدعم خطة الخروج من الازمة» والتي عرضها مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سورية.
وتابع هولاند «اريد التوجه الى الذين ليسوا هنا. في المرحلة التي بلغناها من الازمة السورية، لم يعد من الممكن ان ننكر انها باتت تشكل تهديدا للسلام والامن في العالم»، مضيفا «كما اريد ان اقول الى الذين يدعمون فكرة ان نظام الاسد، رغم انه مقيت لكنه يمكن ان يساهم في تفادي حلول الفوضى، بانه سيكون لديهم اسوأ نظام وفوضى وان هذه الفوضى ستؤثر على مصالحهم».
وشاركت في مؤتمر اصدقاء الشعب السوري، الثالث من نوعه بعد اجتماعي تونس واسطنبول، قرابة مئة دولة غربية وعربية.
اما كلينتون فقالت امام المؤتمر «لا بد من اللجوء مجددا الى مجلس الامن للمطالبة بتطبيق خطة جنيف التي وافقت عليها روسيا والصين»، واضافت «كما لا بد من المطالبة بقرار يحدد ما ستكون عليه عواقب عدم احترام هذه الخطة بما في ذلك ما ينص عليه الفصل السابع» الذي يشمل اللجوء الى العقوبات ويجيز استخدام القوة ضد الجهات التي لا تحترم القرار.
واضافت «لا يكفي الحضور الى مؤتمر اصدقاء الشعب السوري فالسبيل الوحيد لتحقيق نتائج هو ان تحاول كل الدول المشاركة افهام روسيا والصين بان هناك ثمنا لا بد من دفعه».
من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «سنطالب باصدار قرار من مجلس الامن بموجب الفصل السابع يتضمن بروتوكول جنيف».
وفي تطور لافت اكد مصدر قريب من السلطات السورية أمس انشقاق العميد مناف طلاس، القريب من عائلة بشار الاسد، عن الجيش السوري منذ ثلاثة ايام وخروجه مع افراد عائلته من سوريا. ولاحقا اكدت باريس ان طلاس في طريقه اليها.
وينتمي طلاس الى الطائفة السنية، وهو نجل وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس الذي خدم لفترة طويلة في عهد الرئيس حافظ الاسد، والد الرئيس الحالي. ومناف طلاس هو اهم الضباط السوريين الذين انشقوا منذ بدء حركة الاحتجاجات في منتصف آذار 2011.
ويتحدر طلاس من الرستن في محافظة حمص، المدينة الخارجة عن سيطرة النظام منذ اشهر طويلة والتي تعتبر معقلا للجيش السوري الحر. وقد كان صديق طفولة لبشار الاسد، بحكم العلاقة الوثيقة بين العائلتين.
ورحبت الولايات المتحدة بانشقاق مناف طلاس كما اعلن متحدث باسم البنتاغون.
وقال جون كيربي «انه مسؤول كبير في الجيش السوري وصديق للاسد، نعتقد بالتالي انه ينبغي عدم الاستخفاف بهذا الانشقاق»، وقال ان الولايات المتحدة «ترحب بهذا الانشقاق وتعتقد انه مهم».
وعلقت وزيرة الخارجية الاميركية بالقول ان «هذا الانشقاق يدل على ان الضباط السوريين «بدأوا يتحركون». واضافت متوجهة «الى اولئك الجنود الذين لا يزالون يؤيدون النظام، ان الشعب السوري سيتذكر الخيارات التي تتخذونها خلال الايام المقبلة وكذلك العالم».
من جهته، وصف رئيس المجلس الوطني السوري انشقاق طلاس بانه «ضربة هائلة» لنظام الاسد، مؤكدا ان المعارضة ستسعى للعمل معه.
وقال عبد الباسط سيدا خلال مؤتمر صحفي في باريس ان انشقاق العميد طلاس «يشكل ضربة هائلة لنظام الاسد. سنسعى للتعاون معه وندعو الى انشقاقات اخرى».
وكان سيدا دعا في كلمة امام المؤتمر الى اتخاذ قرار باقامة منقطة حظر جوي وممرات انسانية في سورية.
وقال سيدا «لا بد من اتخاذ كل الاجراءات لاقامة منطقة حظر جوي وممرات انسانية»، مشيرا الى ان هذه الاجراءات يجب ان ترد ضمن قرار يصدر عن مجلس الامن الدولي «بموجب الفصل السابع».
وفي موازاة ذلك، اعلن سيدا ان نظام بشار الاسد بدأ يضعف. وقال ان «النظام بدأ ينهار ويفقد السيطرة على الارض»، ووجه نداء الى الطائفة العلوية، الاقلية التي يتحدر منها الاسد والتي تتحكم بالسلطة في البلاد.
وقال سيدا الكردي الاصل «نريد ان نقول لاخواننا العلويين انهم جزء مهم من النسيج الوطني السوري. ولن نقوم بالتمييز بحقهم، وحدهم منفذو الجرائم سيحاكمون» على ما ارتكبوه منذ بدء الاحتجاجات الشعبية قبل 17 شهرا.
كما توجه سيدا الى روسيا التي تدعم النظام السوري «لدينا حقوق مشروعة وهذا من مصلحة الشعبين: الشعب الروسي والشعب السوري».
وافادت تقارير اعلامية أمس ان موسكو ستستقبل اثنين من ابرز وجوه المعارضة السورية لنظام بشار الاسد الاسبوع الحالي هما سيدا والمفكر السوري ميشال كيلو، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا الى تعزيز الحوار كسبيل للخروج من الازمة السورية.
من جانبه، طالب وزير الخارجية الكندي جون بيرد أمس باحالة الرئيس السوري والقريبين منه على القضاء بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، مكررا انتقاده للموقف الروسي.
ميدانيا، قتل 56 شخصا في اعمال عنف في سورية أمس بينهم 40 مدنيا بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وافاد المرصد ان 12 مدنيا قتلوا في ريف دمشق وخمسة في ادلب واربعة في دمشق واربعة في حمص وخمسة في درعا وستة في حلب واربعة في حماة.
كما قتل منشقان في ريف حلب وريف ادلب وقتل 14 عنصرا من القوات النظامية على الاقل في اشتباكات في ريف حلب وريف ادلب.
وكانت تظاهرات سورية حاشدة خرجت في مناطق سورية عدة تجاوبا مع دعوة المعارضة الى التظاهر تحت شعار «حرب التحرير الشعبية».
واوصى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون أمس بتعزيز الدور السياسي لبعثة المراقبين الدوليين المنتشرين في سورية، في موازاة «تقليص المكون العسكري».
وامل بان في تقرير في «زيادة قدرات البعثة الى حدها الاقصى بهدف تسهيل الحوار السياسي» بين النظام السوري ومعارضيه، في موازاة «اعادة نشر (افراد البعثة) في اتجاه العاصمة (دمشق) للاقلال من الاخطار».
وعلى الصعيد الانساني اعلنت الامم المتحدة أمس ان اعمال العنف في سورية ادت الى تسارع وتيرة الزيادة في اعداد النازحين في المنطقة مع 103 آلاف لاجئ سوري مسجلين او يتلقون مساعدة في الأردن والعراق ولبنان وتركيا، اي اكثر من عشرة آلاف لاجئ اضافي في غضون 15 يوما.