وليد سليمان - عدسة : سهم ربابعة - نستقبل هذه الأيام أعداداً كبيرة من الأردنيين المغتربين الذين سافروا خارج الأردن؛ للعمل او الدراسة في دول عربية وأجنبية عديدة.
لكن أكثر المغتربين ، هم من ذهبوا للعمل في مهنة التدريس وأعمال ومهن أخرى في دول الخليج العربي.. وهناك وفي بدايات الإقامة والعيش بعيدا عن ارض الوطن والأهل والأصدقاء يشعر العديد منهم بالغربة النفسية.
ما يبرد قلب المغترب ويجعله يتأقلم شيئا فشيئا مع الأيام والسنين هو ان البلد او الدولة التي صار يعمل فيها هي دولة عربية حيث سكانها يتكلمون اللغة العربية فيشعر بالاخوة اللغوية ثم ان العادات والتقاليد وان اختلفت قليلا فإنها تظل في معظمها عربية مشتركة وليست بغريبة ولا هجينة.
وان هناك أيضاً ممن سبقوه بالاقامة والعمل منذ سنوات طويلة ليعقد معهم صداقات وسهرات وزيارات تجعل شعوره بالغربة اقل هما وتفكيرا.. وقال الشاعر قديما:
كم منزل في الأرض يعشقه الفتى.
وحنينه أبدا لأول منزل.
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى.
ما الحب إلا للحبيب الأولي.
يظل يحب مواطن طفولته وشبابه
الحبيب ؛ يمكن ان نعتبره أيضاً الوطن الأصلي للانسان ، فالمغترب مهما كانت جنسيته يظل يحب مواطن طفولته وشبابه، فالسوداني ان اغترب يظل يشتاق للسودان .. والمصري ان اغترب يظل يحن إلى موطنه مصر.. واليمني في الاغتراب يحب وطنه اليمن ويشتاق إليه.. والسعودي في غربته يظل يحب ويحن لوطنه وبلده السعودية.. وكذلك الأردني والفلسطيني والسوري والعراقي والليبي والمغربي.. وهذا الأمر ينطبق على مجمل أصناف البشر.
الذكريات الحلوة
ايمن الخالدي، المغترب في السعودية قال ل»أبواب الرأي» أثناء قدومه الى عمان ليقضي العطلة الصيفية هنا ما بين الأهل والأقارب والأصدقاء: اشتاق جداً جداً إلى عمان حيث أهلي أبي وأمي وإخواني وأخواتي وأعمامي واخوالي وخالاتي وعمّاتي وأصدقائي الذين زرتهم سريعا عندما قدمت الى عمان ولم انتظر ان يأتوا هم للسلام عليَّ او لمشاهدتي.. فقد كان الشوق والحنين جارفاً لرؤيتهم، والجلوس معهم والتمتع بأحاديث الذكريات وسماع اخبارهم ومعرفة الصغار من أولادهم الذين كبروا هكذا فجأة!! ثم هنا، كان لدي الحنين الكبير للمشي في شوارع عمان وأسواقها لمعرفة ما طرأ عليها من تغيير، او ما زالت كم عهدتها أنا قبل سنوات مثلاً.. ثم لا يمنع ان اخذت من وقتي بعض المشاوير للذهاب مع اسرتي الصغيرة الى اماكن ترفيهية وسياحية هنا داخل عمان أو خارجها لكي امتع نفسي وزوجتي وابنائي كذلك في هذه العطلة والزيارة الصيفية والتي ربما لبضع سنوات قادمة لن استطيع القدوم خلالها الى عمان.
الشعور بالامان
المغترب عامر المناصير قال : اعمل باحدى الدول الخليجية.. واعتبر هذا الامر مغامرة رائعة حيث استفدت اشياء كثيرة: فالسفر والحياة خارج الوطن يصقل شخصية الشخص ويكسبه ثقافة واطلاعا ومعرفة واحتكاكا مع جنسيات وعقليات متعددة.. فهناك عاشرت الكثير من ابناء الدول العربية وابناء شرق اسيا من غير العرب.. انها فرصة عظمى ان تتفاعل معهم وتتعرف على افكارهم وعاداتهم.. فمن لا يخرج من وطنه حتى ولو عدة اسابيع او اشهر يظل قليل المعرفة وتظل ثقافته نظرية اكثر منها عملية!.
ويحث عامر الاهالي هنا في الاردن على تشجيع اولادهم الشباب على السفر والعمل والاغتراب حتى لا يظل حبيس منزله فقط.. فالحياة هي في الخارج وليست فقط في عمان او الاردن حتى يعتمد الفرد على نفسه وحتى يخرج من طوق الحنان الزائد الذي تلفه به امه حتى لا يبتعد عن عينيها.. انها تريده لها وحدها فقط.. وهذا غير معقول.. فالشاب عندما يكبر لا يظل فقط ابناً لابيه وامه بل يصبح كذلك ابناً للحياة كلها.
ومع كل ذلك يظل الشوق والحنين جارفاً في بلاد الغربة الى الموطن الاصلي حيث الاهل والمعارف والاماكن والذكريات, انني اشعر عندما اعود الى الاردن والى عمان بالذات كل سنة في الصيف بالامان الكبير وبالسعادة الغامرة.
عندما بكيت
..من جهته لفت عمر الصوفاني الى انه تغرب ثلاث سنين في دول عربية كثيرة :» كنت من خلال الهاتف اتحدث مع اهلي دائماً واطمئن عليهم.. ولكنني ذات مرة وعندما علمت ان امي مريضة حزنت كثيراً ونزلت دموعي العصية حباً وألماً عليها, وتذكرت نفسي وانا طفل صغير كيف كانت تربيني وتعطف عليّ كثيراً.. وعندما عدت الى عمان كنت متلهفاً جداً لرؤية والدتي ومعانقتها وتقبيل يديها والبكاء على اكتافها الطاهرة» .
والحقيقة انني جربت الغربة.. وانصح الاخرين وبالذات الشباب بتجريبها لما لها من فوائد منها رفع معنويات الشخص وتقوية شخصيته وتوفير النقود من اجل تحسين ظروفه الاقتصادية.
صيف عمان
ولصيف عمان هذا العام نكهة محببة وخاصة حيث تتكاثر الزيارات العائلية وتمتلىء الشوارع مساء بالناس والمغتربين للتنزه وتناول المشروبات الباردة والاطعمة اللذيذة.. عدا عن ازدياد مناسبات الافراح والاعراس التي تجعل من عمان ومدن اخرى في الاردن موئلاً للمحبة وصلة الرحم ووصل الذكريات القديمة بالحاضر الطيب.
