عمان - فؤاد حسين- ليست المرة الأولى التي يشير فيها الملك الى قصور الإعلام الرسمي في معالجة ما يدور من حولنا، وليس المرة الأولى التي «لم يتمكن (الإعلام الرسمي) من التعامل مع هذه المرحلة والظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة بالمستوى المطلوب من المهنية والقدرة على التأثير في الرأي العام». فالعلة يعرفها الجميع، والمعوقات متفق على تشخيصها من قبل الجميع، اذا ما الذي يمنع الإعلام الرسمي من الخروج من دائرة اللوم الى دائرة التأثير؟
لنأخذ التلفزيون مثلا، كونه من أجرى الحديث الموسع مع الملك الذي قال فيه ما قال بحق الإعلام، وكون التلفزيون قاطرة الإعلام الرسمي، وأكثره تأثيرا، لما للإعلام المرئي من مكانة متقدمة على بقية وسائل الإعلام الأخرى. فالتلفزيون الأردني لا تنقصه الخبرات البشرية ليصبح أداة مؤثرة، فغالبية الفضائيات العربية، والناطقة بالعربية التي انطلقت في العقدين الأخيرين، كان للكوادر الأردنية أثر بارز في نجاحاتها، ووصولها الى المستوى التنافسي الكبير الذي وصلت اليه، ومن حيث التجهيزات التقنية، فلم يتأخر التلفزيون الأردني عن مواكبة بقية الفضائيات العربية في التحديث والتجديد. مما يفرض السؤال السهل الصعب في آن معا: هل تأخرنا عن مواكبة الركب حقا؟
إن الإجابة على هذا السؤال بجرأة وشفافية، تتيح للتلفزيون الإردني، ومن ثم بقية الإعلام الرسمي، الأنتقال الى مرحلة التأثير.
تأخر إعلامنا عموما عن مواكبة ركب الإعلام العربي، لعدة أسباب منها:
(1) ضعف الميزنيات التي لا يمكن للتلفزيون الاردني مثلا النهوض بدونها، وأقصد هنا ميزانيات للإنتاج، لا تأكل رواتب الموظفين منها شيئا، فلا يجوز أن تذهب ميزانية التلفزيون للرواتب، وبعد أن تدفع الرواتب للموظفين، لا يجد الموظفون شيئا من الميزنيات لإنتاج برامج ترفع من سوية التلفزيون، وتضعه على طريق التنافس مع الفضائيات العربية، ولو خصص مقدار نصف الميزانية المخصصة للرواتب، للإنتاج والإبداع، فأنا على ثقة أن موظفي التلفزيون قادرون بهذه الميزانية على ضآلتها، على منافسة فضائيات تنفق الملايين، لتبهر الأبصار وتضلل العقول. فمع ميزانية معقولة تخصص للإنتاج، يمكن للتلفزيون أن يضع قطارة على سكة المنافسة، وتحديدا في مجال البرامج الإخبارية والسياسية، خاصة مع بروز دور الإعلام الجديد (New media) من سكايب ويوتيوب وفيسبوك وتويتر. ذلك أن المتلقي بات يقبل بجودة أقل في الصورة، مقابل أن لا يفوته متابعة الحدث، وهو أسلوب باتت كثير من وسائل الإعلام العالمية تتبعه، مما يوفي الجزء الأكبر من نفقات البرامج السياسية والإخبار، من خلال الإستغناء عن النقل عبر الأقمار الصناعية. خاصة وان من حسن حظ التلفزيون الأردني أنه يقوده الآن إعلامي مخضرم يمتلك رؤية لكن تكبلها قلة الإمكانيات.
(2) الخطوات الثانية اللازمة للنهوض بالإعلام الرسمي تتمثل في «اعطاء الخبر لخبازه» فالإعلام بات صناعة بكل ما للكلمة من معنى، فمثلما ثمة عناصر لا بد أن تتوفر لنجاح الصناعة، كذلك الإعلام، لا بد من أن تتوفر عناصر نجاح محددة لكي ينهض، وأن يتولى القرار والتنفيذ من تنطبق عليهم صفات القوة قبل الأمانة، فقد أثخن التلفزيون وبقية عناصر الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، بالتدخلات حتى بات مثقلا بموظفين لا علاقة لهم بالإعلام، تعيق شدة زحامهم حركة أبناء المهنة الذين يبذلون جهدا مضاعفا للتغطية على سقطات الدخلاء على المهنة. فلا يجوز أن تصبح وظائف الإعلام «تكيات» قبل ان يشبعنا الاعلام الاخر ضربا تحت الخاصرة أمام العالم، ونحن لا نملك سوى شتمهم تمتمة.
(3) أما ثالث الركائز التي ينبغي معالجتها ليصبح لدينا إعلام يتابعه العرب قبل أبناء الوطن، مثلما نحن معشر الأردنيين نتابع فضائيات الأشقاء العرب بلهفة، فهي رفع رواتب العاملين في الإعلام للحفاظ على ما تبقى من كوادر وطنية، فإغراءات ما تدفعه وسائل الإعلام العربي الخارجي من صحف وفضائيات، كادت تستنزف الكثير من الكوادر الأردنية المهمة، نقر بأننا لا نستطيع مجاراة الإعلام العربي بسقف الرواتب، لكن نستطيع رفع سقف الإعلاميين، لدرجة تجعلهم يفكرون مليا قبل إتخاذ قرار السفر.
ما لم نفكفك عقد الحبل هذه المشدودة على يدي الإعلام الرسمي، من الظلم أن نطالبه بالسباحة الحرة وإحراز البطولات.