(المضمون: التحديات الكثيرة التي تواجه رئيس مصر الجديد محمد مرسي - المصدر).
سمدار بيري 29/6/2012 - إنتبهوا الى ربطات العنق: واحدة زرقاء والثانية زرقاء قاتمة مع خطوط عريضة واضحة، والثالثة رمادية مع مربعات. يعرف الاسلامي محمد مرسي بعد ان أُعلن انه رئيس مصر الخامس ان كل حركة يقوم بها وكل جملة يقولها يُفحص عنهما بعدسة تكبير في بلاده وفي الدول العربية وفي طهران وفي واشنطن وعندنا ايضا.
مضى آخر الاسبوع الى منزله الى حي الفيلات الفخمة في منطقة التجمع، وهي المنطقة الجديدة التي تحيط بالقاهرة، ووجد نفسه فجأة بين قافلة من السيارات المصفحة. وكان أول شيء فعله ان بحث في الخزانة وأخرج ربطة عنق وكان للربطة رسالة تقول إننا لسنا كالاسلام المتشدد كما هي الحال لدى آيات الله في ايران.
ان الرئيس الجديد ذا البدلة وربطة العنق يشير اشارة خفية الى البيت الابيض، ويرسل بصافرة تسكين للاتحاد الاوروبي. وهو يعد قائلا سأكون رئيس الجميع: المسلمين والأقباط والرجال والنساء، والشيوخ وشباب الثورة، والمتدينين والعلمانيين ايضا. لكنه لم يذكر المثقفين والمبدعين والفنانين وممثلي السينما والمسرح الحائرين في شأن مستقبلهم، لم يذكرهم في خطبة التتويج ولم يعد ايضا بحرية التعبير.
تعقبته تحت بيته مراسلة القناة الرسمية المصرية واهتمت بأن تتلفف بجلباب من أخمص قدميها الى قمة رأسها، لكن مرسي قال «ليس اللباس مهما، من أرادت ان تتحجب فلتفعل ومن لم تشأ فلتلبس ما يريحها».
وآنذاك وبمفاجأة انطلقت القافلة الى جبل المقطم الذي يُطل على الأحياء الفقيرة ودخل الرئيس المنتخب دار التلفاز. وقد سُجلت خطبة تتويجه هنا خاصة لا في مسبيرو، وأصر مرسي بعد التسجيل على الدخول الى الكونترول لمشاهدة خطبته.
على مبعدة 20 كيلومترا شاهدوا مرسي في مقر البث المحاط منذ سنة ونصف، منذ نشبت الهبة الشعبية على مبارك، بالدبابات والمدرعات. وبحسب تقليد مصر بعد ثورة الجنرالات، يتجهون الى دار الاذاعة قبل ان يتولوا السلطة، فهذا ما فعله بالضبط اربعة أسلافه في القصر وهم الرؤساء الجنرالات نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك الذين بثوا من الطبقة الثالثة في مبنى مسبيرو «الاعلان رقم 1» بتولي السلطة.
يتبين ان مرسي يفضل ظهورا أقل حدة. فهو أول رئيس لم يلبس قط اللباس العسكري، وبادرت وسائل الاعلام المصرية الى تكييف نفسها مع الانقلاب والى التملق. «هذا يوم تاريخي لمقاعد موسيقية»، قالوا بلغة شاعرية في التلفاز، «دخل سجين سياسي القصر والذي أصدر الامر بالزج به في السجن معتقل في ظروف اعتقال شديدة».
هل سيمنح السجين المؤبد مبارك عفوا؟ يقول ع.ج، وهو خبير رفيع بالقانون في مصر انه يلاحظ وجود صفقة خفية تمت في الايام الاخيرة: ففي عمل سريع في آخر لحظة استلوا مبارك من السجن الى مستشفى واسع مُرفه بادعاء ان ساعاته معدودة، وحينما تحين وفاته سيستلون ابنيه جمال وعلاء من سجن طُرة فيُركبونهما طائرة مع أمهما سوزان وزوجتيهما والأحفاد ليطيروا الى أبعد مكان ممكن.
ويُبين بقوله: «برغم تبرئة جمال وعلاء لا يمكن الافراج عنهما من غير تعريض حياتهما للخطر».
لا تتحدثوا باسمي
تجاوز مرسي البروتوكول الصارم حينما دخل قصر الرئاسة في يوم الاثنين وبدأ سلسلة لقاءات عمل قبل مراسم حلف اليمين بخمسة ايام. ويسهل ان نُخمن ما الذي خطر بباله حينما جلس في المكتب وعن يمينه العلم الوطني على كرسي الرئيس المخلوع الذي جعل حياته مريرة.
حدد اللقاء الاول على عمد مع عائلات شهداء الاضطرابات الذين أدوا الى طرد سلفه من القصر. وكانت هناك ليلى مرزوق، أم خالد سعيد من الاسكندرية، الذي ضُرب الى ان لقي حتفه بعد ان سحبه شرطيان من مقهى انترنت في المتنزه. وقد قصت الأم الثاكلة على مرسي ما جرى عليها منذ ان مات ابنها. «أنا أجري منذ سنتين بين مكاتب الحكومة وأتوسل ان يعطوني شهادة وفاة خالد»، قالت. «يوجهونني الى هنا والى هناك ولا يوافق أحد على ان يكتب ما هو سبب الموت الحقيقي وهو الضرب القاتل».
أعلن مرسي أنه مزعزع. أريد ان تتركوا عند باب القصر أسماء أبناء عائلات الشهداء، أمر مساعديه، كي يستطيعوا الدخول إلي في كل مرة يضايقهم شيء ما أو شخص ما. وأصدر أمرا ايضا باصدار شهادة الوفاة المؤخرة على عجل وأن يُكتب فيها «الشهيد خالد سعيد» كي يكون واضحا ان موته لم يكن عبثا. وقد أعلن في خطبة التتويج بقوله: «دم الشهداء سيروي شجرة الحرية والديمقراطية».
بدا برنامج العمل في اول يوم مليئا. فبعد لقائه مع عائلات شهداء الثورة التقى مفتي مصر وشيخ جامعة الأزهر، ورئيس الطائفة القبطية وقادة الشرطة وقوات الامن، ورئيس الوزراء كمال الجنزوري الذي قدم استقالته، وسلسلة طويلة من كبار المسؤولين في الحركة الاسلامية. فقد قصدوا مكتب الرئيس واحدا واحدا ليشيروا الى أنهم يتوقعون الحصول على منصب.
يُصر الدكتور ياسر علي، متحدث مرسي ومستشاره (المؤقت) على ان الرئيس يخطط لتعيين اربعة نواب: واحد من الحركة الاسلامية وواحد قبطي وواحد من شباب الثورة وامرأة ايضا. «هلّم نرَ هل سيبقى ياسر علي في منصبه أصلا وهل تتحقق الوعود التي ينثرها»، يُبرد ع.ج من القاهرة، الأمر.
على كل حال حصل اعضاء الاخوان المسلمين على توجيه لا لبس فيه من الرئيس يقول ألا يتحدثوا باسمه. فقد كانت التجربة الايرانية كافية لاسقاطه في الفخ في المقابلة الصحفية التي نشرت باسمه عن خططه لتوثيق العلاقة مع ايران والغاء اتفاق السلام مع اسرائيل.
وهو لا يذكر اسرائيل على عمد، فهو يرى ان ما كان هو ما سيكون، وسيظل المبعوثون من القدس يأتون الى مقر المخابرات بسرية ولن يتم المس بالتنسيق الامني في هذه الاثناء. ان المسائل الكبيرة التي يجب ان تشغلنا هي ماذا سيكون في سيناء وكيف ستُصاغ العلاقات بحماس في غزة.
أفلام في الصالون
لا يتنازل ابراهيم عيسى، الذي كان محرر الصحيفة اليومية «الدستور» الى ان دُفع به للتحقيق بسبب كشفه عن أمراض مبارك الذي أفضى الى انهيار للبورصة من الفور، لا يتنازل حتى لمرسي. فقُبيل مراسم أداء اليمين الدستورية يكشف عن الملف الطبي للرئيس الخامس ويزعم في التلفاز قائلا: «لو كنت في وضعه لما نافست في منصب الرئيس المرهق».
ان مرسي ابن الواحدة والستين أب لخمسة وجد لثلاثة، وهو يحمل على كتفيه ملفا طبيا غير سهل، فعنده ورم في الرأس أُزيل بعملية جراحية معقدة، ومشكلات في الدورة الدموية، وكبد مصابة بالورم، واصابة في عضل الساق ومرض السكري. «سيحتاج الى مساعد خاص يُذكره بتناول كومة الأدوية»، يقول عيسى بشعور بالمرارة.
بعد ان استقال من عضويته في حركة الاخوان المسلمين ورئاسة حزب «الحرية والعدالة» بعث بمتحدثه المؤقت ليُبين أنه لا يحل تعليق صوري في مكاتب الحكومة والمؤسسات العامة. وكُفوا عن نشر اعلانات التهنئة في الصحف فلا حاجة الى تبذير المال. وتبرعوا للمحتاجين وأنفقوا على المشروعات الاقتصادية.
وبيّنت زوجة الرئيس المنتخب، نجلاء محمود، وهي في الخمسين من عمرها أنها لا تريد ان يتوجهوا اليها بصفة «السيدة الاولى»، التي أصرت سابقتها جيهان وسوزان عليها. «اذا كان زوجي هو خادم مصر الاول كما يرى المنصب فسأكون الخادمة الاولى. وسموني أم احمد. فأنا أنوي الاقلال من الظهور. لن أتدخل في شؤون الدولة كما فعلت جيهان السادات ولن أتدخل في التعيينات السياسية كسوزان مبارك. تلقيت التفويض. سأكون في الأكثر المستشارة الخاصة لزوجي وسأستمر على النشاط الخيري».
ان «الخادمة الاولى» وهي مولودة في القاهرة، تزوجت ابن عمها الذي وُلد في قرية بائسة في الدلتا قبل أن أتمت 17 سنة، وانتقلت معه الى كارولينا الجنوبية حيث أتم شهادة الدكتوراة بالهندسة وولدت احمد (وهو اليوم طبيب) والبنت الوحيدة شيماء (وهي خريجة علوم السياسة من جامعة القاهرة ومتزوجة من الدكتور عمر فهمي ابن رئيس مجلس الشعب وهي أم لثلاثة).
وقد انضمت في كارولينا الى حركة الاخوان المسلمين وتطوعت بالقيام بترجمة من العربية الى الانجليزية لطالبي الجنسية الامريكية. وضحكت هذا الاسبوع حينما طلب فريق «الأهرام» اليها ان تُلتقط لها صور وقالت: «بشرط ان تُظهروني في الصور أكثر شبابا وأطول».
للزوجين الرئاسيين ثلاثة أبناء آخرين: اسامة الذي يملك الجنسية الليبية ايضا وهو محام في السعودية، وعبد الله وهو رجل اعمال وعمر وهو طالب ثانوية.
ماذا ايضا؟ أبلغ مرسي الحراس أنه يصر على ان يبدأ يومه في كل ايام الاسبوع بالصلاة في المسجد بلا مرافقين. ويقلقه كبر القافلة المصاحبة، فثم عشر سيارات مدرعة وركاب دراجات نارية يشقون الطريق في زحام السير وسيارة اسعاف ملازمة. وقد طلب مضاءلة عدد السيارات التي تصحب القافلة وقال: «أنا أتذكر ما حدث حينما كان الرئيس يسير في شوارع القاهرة. كانوا يسدون الشوارع ساعات طويلة. لا أريد ان يكرهوني بسبب زحام السير».
وصدق مرسي ايضا كلام «الخادمة الاولى» أنه ليست لهما خطط للانتقال الى القصر. «قد نستأجر شقة مع صالون أوسع»، تقول زوجته «ليكون للدكتور مرسي مكان محترم لاستقبال ضيوفه».
يزعم اسامة الابن الاوسط للرئيس انه لا ينوي ان يترك مكتب المحاماة الصغير الذي يُديره في السعودية. «سآتي للزيارة بين الفينة والاخرى»، قال هذا الاسبوع. «لي علاقة ممتازة بأبي ولا يهم أي لقب يكون له، انه يحرص دائما على ان يهاتفني ويهتم بما يحدث معي».
وتطوع عبد الله بمعلومات عما يفضله والده من الطعام، مرق العدس، والكوسا «بكل صورة» والبطاطا. وكشف عن ان الرئيس المنتخب يشاهد معهم أكثر من مرة أفلاما في الصالون، وكتب الى أبيه رسالة في التويتر يقول: «اذا لم تُلبِ ارادة الشعب فسنثور عليك».
«أبناء عشيرتي»
لم تنته المعركة على الرئاسة برغم اعلان فوزه. فقد اضطر مرسي الى الانحناء لقرار قادة المجلس العسكري، بأن تتم مراسم أداء اليمين غدا فقط أمام قضاة المحكمة الدستورية. وقد أقسم مؤيدوه ألا يغادروا ميدان التحرير الى ان تنشأ الحكومة والى ان يُصاغ الدستور الجديد في الأساس. وما تزال تقوم علامات سؤال عن مقدار صلاحياته – هل سيستمر قادة المجلس العسكري على التحكم بالامور وهل سيجعلون مرسي رئيس مراسم؟.
رمى رئيس المجلس ووزير الدفاع المشير حسين الطنطاوي الى مرسي قطعة حلوى في منتصف الاسبوع حينما أعلن انشاء «مجلس الامن القومي». سيكون فيه 17 عضوا ويرأسه الرئيس. لكنه سيكون معه هناك 11 جنرالا في مقابل 6 منتخبين يأتون معه.
سيكون امتحان الرئيس الحقيقي بوجدانه الحلول التي وعد بها. ان 20 في المائة (وربما أكثر) من 86 مليون مصري سُجلوا بأنهم متعطلون وربعهم من الاكاديميين. وفي المصانع اضرابات بل ان موظفي الادارة ورجال الشرطة غير مستعدين للتسليم لأجور 100 أو 200 شاقل كل شهر. والفنادق خالية والسياحة تحتضر حتى في شرم الشيخ. وتقول الاحصاءات ان 40 في المائة من المصريين يحيون تحت خط الفقر على دولار أو دولار ونصف كل يوم. وماذا عن المستثمرين الاجانب؟ هربوا قبل سنة ونصف وأخذوا معهم الخطط والأحلام.
ردت البورصة في الحقيقة على اعلان رئاسته بارتفاع بلغ 6.7 في المائة لكن ظهر ارتياب في الدائرة القريبة من مرسي في ان الفلول من موالي مبارك يحاولون زعزعة السوق. ويزعم ع.ج الذي يصاحب أول اسبوع لمرسي من اجل صحيفة «يديعوت احرونوت» ان الفحوص بيّنت فوق كل شك ان البورصة قد ارتفعت بفضل مستثمرين محليين. «اختفى الاجانب منذ زمن ورجال الاعمال من العالم العربي مترددون ايضا. اذا حافظت البورصة على ارتفاع فسيعودون».
في يوم الثلاثاء بعد يومي ارتفاع أغلقت البورصة التجارة قبل المعتاد بساعتين بسبب ارتفاعات فوق المألوف. ويجب ان نتذكر مع ذلك ان الصرافين ولاعبي البورصة الحقيقيين في مصر كانوا دائما الاخوان المسلمين. فهم ذوو آذان حادة أضغوا الى خطبة تنصيب مرسي وعرفوا توجهه «الى أبناء عشيرتي»، لا الى مواطني مصر كالمعتاد.
وقد ذكر واجب الانضباط وعدّوا 19 مرة ذكر فيها كلمة الله في 25 دقيقة. لكن كانت له ايضا بشرى منعشة: «لكم حقوق وواجبات وعلي واجبات لكم فقط».
وقد تلقى ضربة عن ذلك من الفور من طريق موقع جديد في الانترنت وعد بأن يفحص هل يفي مرسي في ايام حكمه المئة الاولى بوعوده الخمسة المركزية وهي: الخبز والامن والوقود والنقل العام والنظافة (جمع أكوام القمامة التي تُطرح في الشوارع). وفي نهاية مئة اليوم، تحذر مؤسسة الموقع نجلاء متولي، سيوسع الموقع تناوله للاربعة والستين وعدا كبيرا نثرها في الحملة الانتخابية.
كان أحد هذه الوعود بالطبع إحياء السياحة، وقد أعلن مرسي انه لن يضايقه ان تلبس السائحات البكيني وان يشرب أزواجهن الخمر. ويُحذر ع.ج قائلا ان المسألة الكبرى هي ماذا سيفعل الاخوان المسلمون من وراء ظهره. «انهم مُنتشون بالقوة وأصبحوا يحلمون بانشاء دولة شريعة في مصر».
وستكون له مشكلة اخرى تقتضي علاجا عاجلا: فقد دخل عشرات من اعضاء مجلس الشعب من حزب الحرية والعدالة الى عملهم وبادروا الى أخذ قروض على حساب ما سيربحون. لكن مجلس الشعب فُرق ويطلب الاعضاء الآن ان يعترف الرئيس بفضلهم وان يعيدهم الى مجلس الشعب أو يمحو ديونهم. وقد أعلن مرسي بما عُرف عنه من توفير بأنه يتخلى عن «أم كل الاحتفالات» التي خططوا لها من اجله.
صور أحد الرسوم الكاريكاتورية في الاسبوع الاول لأول رئيس اسلامي مصري، صور مرسي في بدلة ونظرة مترددة يدخل الى مكتب الطنطاوي الذي يجلس على أريكة بملابس عسكرية مكوية. «تعال إجلس تحت قدمي»، يدعوه المُشير، «لا تخجل ولا تخف، خُذ ما يعطونك».
«يريد مرسي ان يعيد الضباط الى حجمهم الطبيعي قبل الثورة»، يقول ع.ج من القاهرة. لكن الجنرالات الذين شاركوا في سر خروج احمد شفيق الى الخارج لا ينوون الاستسلام.
ويقول ع.ج: «سيرى مرسي من القصر اشياء لم يرها الى الآن وستتغير خططه. وسيتبين لنا من هو بعد ستة اشهر فقط».
يديعوت احرونوت