عمان? سهير بشناق - كشف مستشار الطب الشرعي وزارة الصحة و الخبير الدولي في مواجهة العنف ضد الأطفال لدى مؤسسات الأمم المتحدة الدكتور هاني جهشان ان أغلب الأطفال في الأردن، كما هو الحال في عديد من دول العالم، يتعرضون لأشكال من العنف.
وقال:"من هذه الاشكال الصفع والضرب بالعصي والركل والهز والعض وبعضهم يتعرض للكي بالنار والخنق والتسميم، على يد أحد أفراد أسرهم، وفي بعض الحالات يؤدي ذلك إلى وفاة الطفل أو إصابته بإعاقة أو عاهة دائمة، أو ضرر جسدي بالغ، وفي جميع هذه الأحوال يكون هناك أثر سلبي على الصحة النفسية للطفل وعلى بناء شخصيته".
واضاف لقد أظهرت دراسة ميدانية حول العنف ضد الأطفال في الأردن أجرتها منظمة اليونسف عام 2007 شملت 5489 طفلاً مٌمَثِلة لكافة مناطق المملكة، أن 52% من أطفال الأردن أفصحوا عن تعرضهم للعقاب الجسدي في المنزل وأن 34% من الأطفال وصفوا هذا العقاب أنه شديد، وبينت الدراسة أن العقاب تجاوز 6مرات شهريا في 44% من الأطفال الذين تعرضوا للعقاب الجسدي وكان يتصف بالإستمرارية، أي أكثر من 15 مرة شهريا، في 25% من هؤلاء الأطفال.
مشيرا الى ان اشكال العقاب الجسدي الذي تعرض له الاطفال في الاردن تراوحت بين الطفيفة كالصفع والقرص وشد الشعر والدفع ولي الساعد أو الساق، ولي الآذان أو الإجبار على البقاء في أوضاع قسرية، وبعضهم وصفها أنها شديدة كإستعمال العصا والحبال والأسلاك والعض والحرق بأدوات ساخنة والسمط بالماء الحار وفي بعض الأحيان كان تتصف بالتعذيب من مثل الجلد المتكرر بالسوط والركوع أو إستخدام مواد وبهارات حارة.
واضاف جهشان ان الدراسة قد بينت من وجهة نظر الأطفال كانت أسباب تعرضهم للعقاب الجسدي أمورا تتعلق بأدائهم المدرسي 56% وإلى التصرفات المزعجة وغير المقبولة 53% وإلى إرتكاب الأخطاء وإنعدام الإنضباط والسلوك السيء 52%.
مبينا ان الدراسة اظهرت عواقب العقاب الجسدي على هؤلاءالأطفال كاصابتهم بكدمات وسحجات وصفت بأنها بسيطة بـ 42% من الحالات ووصفت أنها شديدة وتشمل كسورا وجروحا في 18% من الحالات وكان هناك حاجة لإدخال مستشفى في 5% من الحالات.
أما العواقب النفسية للعقاب الجسدي فكانت على شكل شعور الأطفال بالحزن بنسبة 66% وبالخجل والندم والإحباط بنسبة 57%، والشعور بالإرتباك بنسبة 42%. لقد شعر 30% من الأطفال برغبتهم بالإنتقام من الوالدين، و19% بالهرب من المنزل و13% برغبة في إيذاء أنفسهم.
واوضح جهشان ان ما يقارب 46% من الأباء والامهات في الأرد يعتقدون أن هناك أهمية كبيرة باستخدام العقاب الجسدي بالمنزل لضبط سلوك الأطفال وأن 75% منهم يعتقدون أن معظم الأطفال في وقتنا الحاضر لا يحترمون أباءهم وأمهاتهم.
ويعتقد 82% من الأباء والأمهات - بحسب الدراسة- أن ضرب الطفل هو مبرر أن رفض القيام بمهمة كلف بها من قبل الكبار، و70% منهم يعتقد أن ضربه مبرر إذا قام بالسرقة من الأخرين، 76% إن كان الطفل كثير الجدل ومزعج الكلام، و66% إذا كان أداؤه الاكاديمي ضعيفا.
واشار جهشان الى ان الدراسة خلصت بان هناك نحو نصف الأطفال في الأردن يتعرضون لإساءات على شكل عقاب جسدي من قبل الوالدين بشكل يؤدي إلى عواقب جسدية ونفسية قد تهدد صحتهم وحياتهم وتدمر بناء شخصياتهم مستقبلا، وإلى أنه لا يوجد حد فاصل ما بين الضرب التأديبي والعنف ضد الأطفال.
كما خلصت الدراسة أيضا إلى أن هناك ثقافة سائدة في المجتمع الأردني تتقبل العنف ضد الأطفال وتعتبره وسيلة للتأديب والتربية.
واضاف جهشان ان الدراسة اوصت بضرورة مراجعة السياسات وتطوير و التوعية وتثقيف الأباء والأمهات على استخدام الطرق البديلة للعقاب الجسدي في تربية الأطفال، ونشر وزيادة الوعي لدى الأطفال بحقوقهم في الحياة والصحة الحماية من العنف.
وبين جهشان ان دراسة العنف ضد الأطفال في الأردن تشير إلى واقع مقلق؛ بسبب اظهارها لمشكلة العنف والعقاب الجسدي للأطفال ومدى انتشارها في مجتمعنا بسبب قانونيتها ومشروعيتها وتقبلها أجتماعيا، اضافة الى اثارتها للجدل الواسع حول مفهوم العقاب الجسدي، والذي يتصف بأغلب الأحيان بأنه عقيم ويؤدي إلى طريق مسدود لا يأخذ المصلحة الفضلى للطفل بأي أعتبار.
واوصت دراسة أممية حول العنف ضد الأطفال، عام 2006، بنص واضح على المستوى التشريعي تطالب الدول "بحظر جميع أشكال العنف ضد الأطفال بما في ذلك العقوبات البدنية... وأشكال المعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهنية...".
وصادق الاردن على اتفاقية حقوق الطفل وهو مٌلزم أخلاقيا بتطبيق توصيات دراسة الامم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال والتي أطلقت في أقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا برعاية جلالة الملكة رانيا العبدلله عام 2007.
واوضح جهشان الى ان هناك إخفاقا في تنفيذ التوصية المتعلقة بحظر العقوبات الجسدية ضد الأطفال، فالقانون الأردني لا زال يبيح الضرب التأديبي للأطفال بنص المادة 62 من قانون العقوبات وتنفيذ التوصية يستدعي ليس فقط إلغاء السماح بالضرب التأديبي الوارد بالمادة 62 عقوبات، بل أيضا بإيجاد المواد القانونية التي تجّرم الضرب التأديبي للأطفال بوضوح النص.
مشيرا الى ان إن التعديل الذي أجري مؤخرا بموجب قانون العقوبات المؤقت على المادة 62 جاء "غامضاً مبهماً" وزاد من الجدل العقيم حول كيفية التعامل مع الضرب التأديبي.
وقال أن النص الجديد يجيز أنواع التأديب التي يوقعها الوالدان بأولادهم على نحو لا يسبب إيذاء أو ضرراً لهم ووفق ما يبيحه العرف العام، مبينا انه كان من الضروري إلغاء هذا النص كاملا كخطوة أولى تمهيدا لإيجاد نص جديد يٌجرّم العقاب الجسدي داخل الأسرة صراحة.
واكد جهشان ان مواجهة هذه المشكلة يتطلب بالإضافة للإصلاح القانوني إيجاد إستراتجيات وطنية تتحمل الدولة مسئولية التخطيط لها وتنفيذها وتقييم مخرجاتها تهدف إلى توفير التوعية الوالدية الإيجابية التي تضمن استعمال وسائل بديلة للتربية لا تتصف بالعنف.