د. فيصل غرايبة
إن من طبيعة البشر أن يتأثروا بالمحاكاة والقدوة، أكثر مما يتأثرون بالقراءة والسماع، ولاسيما في الأمور العملية، وهذا التأثير فطري لا شعوري، وأثر القدوة يشمل جميع الناس على مختلف مستوياتهم، ومن خصائص أسلوب القدوة السهولة وسرعة انتقال الفعل من المقتدى به إلى المقتدي، لأن الأخذ بالشيء والتمسك به يكون أكثر إقناعا عن الحديث عنه أو الثناء عليه، فإن العمل بالخير وتطبيقه يولد قناعة لدى الآخرين بصلاحية هذا الفعل للتطبيق، وهذا يشكل إثباتا بأنه ليس فكرة مثالية مجردة وإنما هو واقع ملموس في حياة المجتمع، ومن خصائص أسلوب القدوة، أيضا عملية التأثير وسرعة الاستجابة نظرا لأنه يتم في إطار عملي.
وتأخذ الأسوة ذات معنى القدوة وتعني السير والإتباع على طريق المقتدى به. وقد يكون هذا الاقتداء حسنا أو سيئا. فالأسوة الحسنة هو الاقتداء بأهل الخير والفضل على أساس الحق والعدل، وعن طريق تقديم المثال الحي الذي يثير في نفس العاقل قدرا هاما من الإعجاب والتقدير والمحبة، ويأخذ بمحاولة تقليدا ما أعجب به ولاقى الاستحسان لديه، لاسيما وأن لديه من الحوافز ما يحفزه إلى أن يعمل مثل ذاك الفعل الحسن.وتقوم القدوة على أصول تتمثل بالصلاح وحسن الخلق، مثل الصدق والإخلاص والتواضع والرفق. ويشترط بالقدوة الإيمان بالفكرة، وهذا ما يسمح بترجمة الفكرة أو المثال إلى عمل وممارسة، ولهذا يشترط في القدوة كذلك موافقة العمل القول وعدم الانقطاع عن الأعمال حتى لا يحس الشاب بعدم جدية ذلك الأمر وأهميته، ولذلك فإن عدم الالتزام بالقول وعدم تقدير حجم العمل أو نوع العمل المترتب على قول المقتدى به يبطل من أثر القدوة وخاصة إذا ما صاحبها الأخطاء بالأقوال والأفعال
ولذلك كان للقوة أهمية في العمل مع الشباب وسائر العمليات التربوية، إذ إنها تثير في نفس الشاب ما يحفزه لمحاولة التقليد لما استحسنه وأعجب به، وهي تعطي للشباب قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل الأخلاقية من الأمور الممكنة.
وفي دراسة لمسعد عويس اتضح أن القدوة تختلف من مجتمع لأخر كما تختلف من حقبة زمنية إلى أخرى بفعل التطور التاريخي للمجتمع، كما أن الأجهزة التربوية داخل المجتمع تساهم في تشكيل القدوة، عن وعي بالفلسفة والأهداف التي يحددها لها المجتمع وبالقدر الذي يخدم مصالح هذا المجتمع. وتبين الدراسة أن الشباب يمكنهم عن وعي تحديد مواصفات القدوة التي يقتدون بها وهي في معظمها صفات إيجابية، وأن الشباب بحاجة إلى وجود القدوة التي تلعب دورا محددا في تشكيل اتجاهات الشباب، مما يتطلب من الأجهزة التربوية معاونة الشباب في تقديم القدوة الصالحة.وقد اتخذ الشباب الذين مثلوا عينة الدراسة الأب قدوة من الدرجة الأولى وبعد ذلك القادة السياسيين والزعماء من المنطلق الوطني، والأنبياء والرسل والخلفاء الراشدين من المنطلق الديني. ويبدو أن الصحافة تساهم في تكوين القدوة لدى الشباب بينما لا يشكل التعليم قدوة لدى الشباب من الذين علموهم في المدارس والجامعات.ولهذا فقد أوصت الدراسة بالعمل على تحديد السمات الخاصة بالقدوة الايجابية الموجودة للمجتمع في ضوء أهدافه وفلسفته وسياسته العامة. وأن ترسي هذه الأجهزة معالم هذه القدوة كل في اختصاصه. كما أن عملية إعادة القادة التربويين ينبغي أن تتم في إطار شامل متكامل، يقدم فيه هؤلاء القادة القدوة أثناء أعمالهم ومن خلال تخصصاتهم.
ألا أن العديد من الدراسات أظهرت أن كثيرا من الشباب يفتقدون إلى وجود هدف كبير يسعون إليه في حياتهم، وأن قسما كبيرا منهم يدعي أو يتصور أن له هدفا بالحياة ولكنه يفتقر إلى هذا الهدف بالحقيقة، وأن ما يتصوره من أهداف كبيرة بالحياة لا تعدو أن تكون تحقيق أمنيات آنية سطحية لا تتصل بمستقبله أو بمصير مجتمعه وتطوره.