تنال امانة عمان الكبرى جائزة الملك عبدالله الثاني للابداع على دورها الرائد في الانهمام بالشأن الثقافي الذي هو احد اهم مفردات وجه عمان الحضاري وهي الوجه الاجمل للوطن قرى وبادية وتخوما عبر منجز ثقافي بمحتوى ديمقراطي وافق قومي وانساني يستحق ان ينسج على منواله وان يصير قدوة يحتذى. وها هي بلدة اربد الكبرى تدخل حلبة المنافسة الجادة في الانهمام بالشأن الثقافي والاشتغال على مفرداته، بعد ان ترسخت تجربة امانة عمان الكبرى الثقافية، بحيث يمكننا القياس عليها والاقتداء بها في مختلف مناطق الوطن، من شماله الى وسطه الى جنوبه، اذ مهما بدت الثقافة نخبوية ونائية عن عراك اليومي المعيش الذي يشكل اولوية جدلية تمايز بين الخبز والبسكويت، الا اننا نظل في حاجة الى صوغ خطاب يحنو على الوعي الذي نريده هاديا وناثرا لحزم الضوء في اثناء المسير، خاصة وان ساحة التلقي الانساني باتت ساحة مفتوحة تحتاج في كل مرحلة من المراحل الى صوغ بيئة منطقية متماسكة تسمح لحالة من الوعي بالتشكل، لتوجه التلقي الذي تجد نفسك منصاعا للتواطؤ مع انثياله وعمومه رغما عن طوعك، وقد صار المنتج المعرفي في طوع بنانك وبنات الاجيال التي تشكل نصف الحاضر وكل المستقبل، ما يعني الا نفقد البوصلة مهما تجهمت الرياح واشتدت وحشتها. ولقد اثبتت تجربة الاشتغال الثقافي السابقة والمتراكمة امامنا منجزا نمتلك حق معاينته وتفحص مقولاته، خاصة واننا امام ثنائية متعسفة طالنا عسفها، الا وهي ثنائية المركز والاطراف التي ستساهم مبادرات البلديات في الاطراف في حلها وتفكيك تضادها بما تمتلك من امكانيات وقدرات بانتظار ان يحسن توظيفها. وكمثال على مثل رسوخ ارتباط الثقافة والفكر وقوى الانتاج الثقافي بمركزية العاصمة ان الجنوب كله وعلى امتداد مساحته يفتقد الى وجود مطبعة، وان طباعة دعوة زفاف بالرفاء والبنين يصار الى طباعتها وتحميلها وتنزيلها في عمان، فحتى عبارة دامت الافراح حليفة دياركم العامرة تقطع السيل الاسود وهو الاسم الشعبي لوادي الموجب ذهابا وايابا، مثل هذا الوضع يدفعنا حقيقة للانهمام بمفهوم سياسات الحياة كما طرحها جيدنز والتي تدعونا في بعض الاحيان منها الى تقليع شوكنا بأيدينا عبر مبادرات خلاقة تحتاج الى من يفزع لها بالقناعة بها اولا، ثم بحشد مستلزمات انجاحها وانفاذها ثانيا، اذ لا يكفي القعود للتمني فقط. ويبدو ان بلدية اربد قد التقطت اللحظة الجوهرية في اكتمال رسالتها في الانهمام بالشأن المناطقي بكل جوانبه ابتداء من حل مشكلة بائع جوال وترميم شارع او تسمية مدرسة الى الاشتغال بالشأن الثقافي الذي لا يقل اهمية عن تقديم خدمة مباشرة للمواطن، فالامم المتحضرة ترعى ثقافتها لان في الثقافة روح الامة والشعب، خاصة واننا شعب يقطع اللقمة عن فمه في سبيل تعليم ابنائه والسير بطموحاتهم قدما في السراء والضراء، فكيف تصير الثقافة في ادنى دائرة الاهتمام والتطلعات؟ وكيف يكون العلم بلا روح ولا منظومة قيمية تصل باهتمامها مساحات جديدة كالبيئة والتنوع الحيوي والمعيار الاخلاقي. تناظر بلدية اربد الكبرى تجربة امانة عمان الناجحة في الانجاز الثقافي فتنشئ مديرية مستقلة للثقافة ، ترصد لها ميزانية جيدة جدا وتختار لها الكاتب والمبدع هاشم غرايبة مديرا، والذي سيجد نفسه امام اختبار ترجمة المقولات والتطلعات التي دأبنا على تردادها وحشدها في اللقاءات والندوات والمقابلات، ودأبنا على مناشدة من نتوسم فيهم الخير لقول قولتهم فيها، واشعال الشمعة التي ستكون افضل من لعن الظلمات ومتاهات الجهل والعماء، تجربة برسم الاقتداء والقياس عليها، وتعميمها لتصير راسخة، تتبنى استراتيجية عمل تستمر بلا هوادة، بعيدة ايضا عن عقلية الطموح النفعي، وبدماء جديدة قادرة على الحركة والتأثير، والاهم انها تمتلك روح المبادأة، وسنجد انها قادرة على اختراق دوائر التأثير التي صارت محدودة وكأنها جزر معزولة، وقادرة على ايجاد رأس عام يلتفت الى القضايا الفكرية والجمالية، اذ لا يكفي ان نظل غرائزيين كما هي صورة العربي في محافل المنتج العالمي، كما انه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان.
