جود باي دبي.. هكذا رفع العاملون في بعض الموانىء الأميركية اليافطات وساروا في مظاهرات احتجاج رافضة لأن تقوم شركة موانىء دبي العالمية بادارة شركة (بي اند أو) P & O الاميركية. القضية باتت مطروحة بقوة على رأس جدول العمل القومي الاميركي لتنخرط فيها كل القوى وجماعات الضغط والصحافة والحزبان الرئيسيان الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض في جدل وتجاذبات تفوح منها رائحة السياسة والمنافسة بين الخصوم ويصعب على أحد انكار ان تضخيمها على النحو الذي باتت عليه انما ترتكز في بعض تجلياتها على دوافع عنصرية وكراهية لكل ما هو عربي ومسلم ولا يخفي المعلقون الاميركيون اشتباههم بأنه ثمة «تسونامي الخوف من الاجانب وازدرائهم» تقف خلف هذه القضية التي تلقفها في بداية الأمر الاذاعي مايكل سيفيدج المعروف بترويجه للكراهية والتحريض واستغلتها العناصر الرجعية من اليمين واليسار على حد سواء فضلا عن سماسرة السياسة وساسة الحزبين الكبيرين الذين ليس لديهم القدرة على الوقوف امام تسونامي الخوف من الاجانب وازدرائهم كما يقول الكاتب الصحفي في نيويورك تايمز الاميركية ديلآيد بروكس.. وبعيدا عما تسربه ادارة بوش برغبة الرئيس الاميركي في استعمال صلاحياته الدستورية «لتمرير» عقد شركة دبي وتمكينها من المضي قدما في الصفقة فان المسألة المطروحة الآن والتي اخذت بعدا دوليا واسعا، هي المدى الذي وصلته الولايات المتحدة في غطرستها وانتقائيتها في تطبيق القانون الدولي والاتفاقات التي كانت وراء اقرارها بما هي الزام «حد الاجبار» لكل الدول الموقعة او تلك التي تسعى للانضمام الى تلك الاتفاقات بتنفيذها «حرفيا» تحت طائلة العقوبات رأينا ذلك في اتفاقية التجارة العالمية ثم في اتفاقيات التجارة الحرة التي تعقدها واشنطن مع بلدان عديدة ان على شكل منفرد أم في صيغة اقليمية او جماعية والحال ذاتها كيف تقف الولايات المتحدة في كل مقارباتها وسياساتها ودبلوماسيتها الى جانب مصالحها على نحو أناني مبدية ازدراء ما بعده ازدراء لما هو قانون دولي او قرار صادر عن الشرعية الدولية ولجان الأمم المتحدة المتخصصة وليس أدل على ذلك من رفضها حتى اللحظة التوقيع على اتفاقية كيوتو على رغم ان الدولة الاولى وبنسبة مرتفعة جدا التي تسبب أذى كبيرا للبيئة وارتفاع حرارة الاجواء وبما تسببه من تلوث ومخاطر على الطبيعة الحال ذاتها كانت في مواقف ادارة بوش ازاء «معاهدة» روما التي باتت تعرف باسم محكمة الجزاء الدولية حيث رفضت الادارة الجمهورية المحافظة و«الحربية» وصاحبة مبدأ الحروب الاستباقية او الضربات الوقائية التصديق عليها بعد ان وافقت الادارة الديمقراطية السابقة (كلينتون) في شكل مبدئي الانضمام اليها لكن وصول جورج بوش حال دون التصديق عليها عندما قام بسحب الوثائق من الكونغرس. الموقف من صفقة شركة موانئ دبي العالمية اخطر من ذلك بكثير وابعد في تداعياته وأكلافه من مجرد «تخوف امني» كما تحاول الجهات الرافضة لها «وهي المعروفة بيمينيتها وكرهها بل وعنصريتها ضد الاجانب وعلى الاخص منهم المسلمين والعرب» الايحاء بذلك بل هي خصوصا هنا تضع «الخطاب الاميركي» كله تحت المجهر بعد ان تكشفت الحقائق وبانت الديمقراطية والقيم الاميركية على حقيقتها إن لجهة الحروب العدوانية التي شنتها على افغانستان والعراق تحت دعاوي محاربة الارهاب وما قارفته من ممارسة بشعة ولا اخلاقية اطاحت بكل تبجحها حول الحريات والديمقراطية التي تريد لها أن تسود في الدول الديكتاتورية وغير الديمقراطية ام لجهة رفضها لنتائج «اللعبة الديمقراطية» التي هي من صناعتها وترتيباتها ومواعيدها ايضا اذا ما جاءت مخالفة لرغبتها حتى لو خطب الفائزون في تلك الانتخابات ودها (الحال الفلسطينية نموذجا). يتجاوز ذلك ايضا الى المفهوم الاميركي لاقتصاد السوق والعولمة والحدود والسماوات المفتوحة وما هي النصوص التي تتوفر عليها اتفاقية التجارة العالمية التي تضع واشنطن نفسها قيما وحارسا عليها وتتدخل في تفاصيل التفاصيل عندما تريد دولة ما ان تنضم اليها بل لا يكاد يختلف اثنان على ان العضوية هذه تخضع لمعايير سياسية اميركية بالدرجة الاولى ولهذا تسارع واشنطن الى منح موافقتها على انضمام دولة ما تسير في فلكها فيما تنتظر دول اخرى «لا ترضى واشنطن عنها» سنوات وسنوات لمجرد موافقة واشنطن على «بدء» مفاوضات لنيلها العضوية.. لم يعد منطق واشنطن الانتقائي والذرائعي مقبولا على نطاق واسع في عالمنا وكل التصريحات المتغطرسة التي يدلي بها المسؤولون الاميركيون حول قضايا ومسائل وملفات عالمية لا تعكس سوى ازمة اميركية آخذة في التفاقم وستصل يوما وشيكا الى مأزقها لأن العالم اصابه السأم والغضب من هذه الاساليب والمقاربات الاميركية التي لا تقيم وزنا للقانون الدولي او لحقوق الانسان او العدالة او النزاهة. ولنا ان نتصور لو ان «عاملين» في شركة ومصنع و مؤسسة في اي دولة في العالم خرجوا للاحتجاج على «خصخصة» المؤسسة التي يعملون فيها لاسباب اقتصادية محضة وليس لاسباب سياسية او امن وطني وتجرأوا على رفع يافطة تقول «جود باي يواس أيه»؟ بماذا سيخرج علينا الناطقون باسم ادارة بوش؟ انها الكراهية والعنصرية وليس غيرهما. [email protected]
