فكرة قانون جديد للانتخابات المعروضة على الرأي العام لمناقشتها ، تتطلب ابتداء معرفة توجه الحكومة بهذا الصدد ، فهل هناك نية لإرساء حياة سياسية كما في الديمقراطيات المستقرة او تلك التي في طريقها الى الاستقرار ، وتمكين الأحزاب والجماعات والتجمعات السياسية غير المؤطرة في أحزاب ، من أن يكون لها وجود عضوي في المجتمع والمؤسسات الدستورية ، أم المقصود هو إظهار أن التنمية السياسية يمكن أن تقوم بغير أحزاب وتجمعات نشطة ، مع إلقاء اللوم عليها في ضآلة نشاطها وفاعليتها ؟ . وحين يجري الحديث عن توجه الحكومة ، فإن المقصود بذلك ليس التشكيك في النوايا ، بل التأشير الى أن الحكومات المتعاقبة لم تمتلك برنامجا عمليا لتفعيل الحياة السياسية والديمقراطية ، وأنها دأبت على بث رسائل ومؤشرات غير متسقة على الدوام . يضاف إلى ذلك في معرض تبيان أهمية أن تبلور الحكومة توجهها بخصوص قانون جديد للانتخابات ، كون الحكومة تمتلك حزبا واسع النفوذ وإن كان غير مرئي ، كالهواء الذي يستشعر المرء وجوده أونقصه ، رغم أنه غير مرئي . وبالتالي فإن للحكومة تأثيرا لا مراء فيه ، على توجهات قوى اجتماعية وسياسية عديدة في هذا الشأن . وعليه فإن بلورة توجه الحكومة مع الافصاح على أن هذا التوجه قابل أو مطروح للنقاش ، من شأنه دفع الرأي العام لأخذ المسالة باهتمام ملموس وبجدية أكبر ، كما هو الحال مثلا في التوجه المعلن لرفع أسعار المحروقات الذي أثار ويثير نقاشات واسعة ، حتى أن رئيسا سابقا للوزراء شارك فيها ولم يؤيد رفع الأسعار ! . في دول شقيقة مثل اليمن والسودان وتونس ، فإن للاحزاب حضور في البرلمان ، اما عندنا فإن أجواء الحريات العامة وازدهار الصحافة ، ووضع ميثاق وطني ثم وثائق الاردن اولا ، ثم الأجندة الوطنية ، كل ذلك لم يؤد الى تفعيل حقيقي وعضوي ، أي أن المدخلات الصحيحة لم تدفع حتى الآن نحو مخرجات ملائمة لها ومتسقة معها ، وهو ما يفسر حالة الاحتباس التي تسم حياتنا العامة ، رغم أن الجميع تحدوهم الرغبة في التطوير ، والايمان بالخيار الديمقراطي كسبيل لا رجعة عنه ، وكضمانة للاستقرار والازدهار . وأمام ذلك فإنه لا بد من أخذ خيار التمثيل النسبي بما يستحقه من اهتمام ، لما له من أثر غير خاف ، في تحقيق تفاعلات داخلية ، وفي إشاعة ثقافة سياسية بين الجمهور ، بدلا من الاكتفاء باختيار شخصيات ، وكذلك وضع الأحزاب أمام مسؤولياتها وتقريبها الى الجمهور . وأكثر من ذلك فأن هذا الاسلوب يفتح الطريق واسعا أمام تكتل واندماج الاحزاب ، حتى يتسنى لها أن تخوض التنافس بكفاءة وبأمل حقيقي في الفوز ، وهو ما لا يتوافر لأحزاب صغيرة متناثرة ومتشابهة . علما بأن التمثيل النسبي يمكن الجماعات والتجمعات غير الحزبية ، من فرصة المنافسة طالما أن الامر يتعلق بقوائم ، ليست بالضرورة حزبية ولكنها تحمل صفة جماعية . [email protected]