حقق عالم الاستنساخ الكوري هوانغ ووسوك وفريقه إنجازات باهرة في العامين الماضيين. فقد أعلن في تقرير نشره عام 2004 في مجلة العلوم مكمىكس الأمريكية عن تمكنه من إنتاج أجنة بشرية مستنسخة لغرض البحث. كما أعلن عام 2005 في المجلة نفسها عن حصوله على سلسلتين من الخلايا الجذعية من أجنة بشرية مستنسخة. وأعقب ذلك بالإعلان عن تمكنه من استنساخ الكلب سنوبي. احتل هذا العالم، الذي يعمل في جامعة سول الوطنية، مركز الصدارة في مجال بحوث الاستنساخ وخلايا المنشأ. وأصبح بطلا شعبيا ورمزا وطنيا لكوريا الجنوبية. فقد أعطى عمله آمالا عريضة لكثير من المرضى الذين يعانون من أمراض وراثية مستعصية، وينتظرون بفارغ الصبر العلاج الخلوي لأعضائهم الواهنة. وعزت الحكومة الكورية نجاح هوانغ وفريقه إلى طبيعة التوجهات السياسية والاجتماعية المتحضرة لبلدهم. كما رشح هذا العالم لنيل جائزة نوبل في العلوم الطبية. وللأسف لم تدم هذه النشوة طويلا؛ إذ شهد العالم زلزالا مدويا وعاصفة من الجدل حول مدى صدقية البحوث العلمية التي قام بها هوانغ. وفي أعقاب ذلك قدم أشهر باحث في علم الاستنساخ والخلايا الجذعية في كوريا الجنوبية استقالته من العمل في الجامعة بتاريخ 23 كانون الأول 2006، معتذرا عن الأخطاء التي ارتكبها عن عمد، وعن تلفيقه للبيانات التي نشرها. ويعيش هذا العالم الآن في عزلة تامة؛ كما يحتمل تقديمة للمحاكمة. وتعرض عمله حاليا لتدقيق مكثف من جانب لجنة مكونة من ستة أعضاء يعملون في جامعته. كذلك جرد من لقب أكبر عالم في البلاد لعام 2005 . تعود أسباب فشل هذا العالم الكوري إلى سلسلة من الأخطاء والممارسات المخبرية المتعلقة بآلية البحث العلمي من جهة، والانتهاكات الأخلاقية والمخالفات لمعايير بحوث الخلايا الجذعية من جهة أخرى؛ إضافة إلى تزوير النتائج والبيانات التي حصل عليها. لقد أعلن بالكلمة والصورة في أيار 2005 في مجلة العلوم الأمريكية عن حصوله على سلسلتين فقط من الخلايا الجذعية المأخوذة من أجنة بشرية مستنسخة، وليس 11 سلسلة كان قد أعلن عنها في عام .2004 والحق أنه مات أربع سلاسل من الخلايا الجذعية وتعرضت البقية لتلوث بفطريات وبكتيريا. كما أنه لم يستطع إثبات أنها خلايا جذعية. كذلك تعرض لانتقادات شديدة من حيث عدم قدرته على وصف الطريقة العلمية بدقة التي استخدمها لاستنساخ الأجنة البشرية وإنتاج الخلايا الجذعية منها. أما المخالفات الأخلاقية التي ارتكبها العالم الكوري في بحوثه، فقد تعددت وتنوعت. فكان أولها حصوله مقابل مبالغ مالية على بويضات من عاملات في مختبرات الجامعة، ومن دون أن يعلمن بالهدف من وراء ذلك. ويعد هذا الأمر مخالفا للمعايير المعتمدة في بحوث الاستنساخ والخلايا الجذعية، التي أقرتها لجان عدة في أمريكا وأوروبا؛ إذ إن هذه المعايير تشدد على ما يسمى الموافقة العالمة المتنورة للمتبرع، من أجل زراعة الأعضاء والعلاج وليس المال. كما تركز هذه المعايير على أن يكون المتبرع على علم ودراية بمفاهيم التبرع والهدف منه، شرط أن لا يضر تبرعه بصحته. علاوة على ذلك، فقد سجل المتبرعون تحت أسماء زائفة. وهذا ينافي ما جاء في المعايير الأخلاقية حول عدم الإفصاح عن أسماء المتبرعين، مع أنه يجب استخدام شيفرة معينة توثق وتحفظ هوية المتبرع ومصدر الخلايا الجذعية قبل استخدامها لعلاج شخص آخر. من ناحية أخرى، فقد استخدم العالم خلايا جسدية مأخوذة من مرضى مصابين بالسكري وبضرر بالغ في الحبل الشوكي لنقل نواة الخلية الجسدية إلى البويضة المنزوعة النواة لإنتاج أجنة مستنسخة. وهذا يدعو إلى الشك في دوافع المتبرعين التي لم تكن علاجية؛ لأن المتبرعين لم يكن بالإمكان علاجهم، وحالتهم المرضية كانت متقدمة جدا. وخلاصة الحديث أن التجارب التي أجراها العالم لم تكن علاجية في طبيعتها، ولم يكن التوجه علاجيا في الأصل. من منظور آخر، اتهم العالم بإساءته استخدام أموال الدول والاحتيال في الحصول عليها. وكان قد حصل على 3 ملايين دولار سنويا لمدة خمس سنوات قادمة. ويبدو أن تداعيات هذه القضية امتدت إلى الأسواق المالية؛ فقد انهارت أسهم شركات التكنولوجيا الحيوية في البورصة وتأثر السوق كله. ماذا يعني ذلك؟ أولا: أرى أن هذا الزلزال المدوي لن يؤثر على المسيرة البحثية في مجال الاستنساخ والخلايا الجذعية في العالم؛ فهذا مجال متعلق بحياة البشرية وصحتها. لكن لا بد من اهتمام أكبر بصدقية هذه البحوث، وبطرق الحصول على الخلايا الجذعية وبالأخلاقيات المعتمدة في ذلك. فهنالك شروط صارمة لإنتاج سلاسل الخلايا الجذعية وتخزينها وتوزيعها واستخدامها، بهدف العلاج وليس بهدف التكاثر. كما يجب أن يكون هنالك وصف وتوثيق شامل للقدرات المستخدمة في هذه البحوث حتى لا يجد المتبرع أو المريض أو الباحث صعوبة في فهم الأمر بكل أبعاده؛ من حيث حقوق الجنين وعدم التضحية به للحصول على الخلايا الجذعية؛ ومن حيث عدم استغلال من هم بحاجة لعلاج ضد العقم لإنتاج أجنة تفيض عن حاجتهم للمتاجرة بها واستخدامها في البحوث. ثانيا: ما حصل في كوريا الجنوبية يؤكد أهمية ما دعوت إليه مرارا بخصوص إنشاء مركز متخصص في أخلاقيات التكنولوجيا الحيوية في بلدنا، لأهمية هذه الأخلاقيات في تنمية الإنسان وبنائه المتوازن